عجلون/ آفاق البيئة والتنمية: "إذا كانت الحاجة أم الاختراع، فعدم الرضا هو أبو التقدم". تلك المقولة للملياردير الأمريكي الراحل ديفيد روكفلر تنطبق على الشاب الأردني أحمد الربابعة، والذي اختار أن يترجم عدم رضاه إلى وسيلة تمكنه من مقاومة الظروف الاقتصادية الصعبة في بلاده وارتفاع نسبة البطالة، بواسطة مشروع ريادي خاص، مقدمًا لنفسه ولعددٍ من أصدقائه فرصة عمل، لتدر عليهم دخلًا يوفر لهم حياة معيشية كريمة.
ففي محافظة عجلون شمالي الأردن، والتي تتميز بطبيعة جبلية وتضاريس خلابة، اختار الربابعة (28 عامًا) الذي يحمل درجة الماجستير في إدارة الموارد البشرية، أن يصبح فردًا منتجًا في المجتمع باستصلاح أراضي مدينته ذات الطبيعة الصخرية لتحويلها إلى مساحة خضراء، بأقل التكاليف، وبطريقة تضمن له استغلالاً أمثل للمياه، في وقت تعاني فيه المملكة أزمة مائية كبيرة.
بحثَ مليًا عن طريقة تساعده في إنجاح فكرة مبادرته ومشروعه، استطاع الربابعة أن يتوصل إلى مواطن هولندي يُدعى مايكل، يقيم في الأردن برفقة زوجته، حصل على براءة اختراع في تصنيع أحواض خاصة للزراعة يُطلق عليها "غروسيس".
تلك التقنية، عبارة عن صندوق مصنوع من مواد عضوية، يتيح زراعة الأشتال والأشجار المختلفة داخلها في حفرة من التراب، بحيث تُعبَّأ بـ 15 لترا من الماء، لتقوم بواسطة خيطٍ في أسفله بري جذور النبتة عبر الترشيح، لمدة تكفي 6 أشهر، من دون الحاجة إلى استخدام الطرق التقليدية بسقايتها، وبما يضمن نموها مهما كانت نوعية التربة الموجودة فيها.
وأنشأ الربابعة بمشاركة 17 شاباً وشابة، يحمل معظمهم الشهادات الجامعية، بيوتًا بلاستيكية، زرعوا فيها نبتة الزعتر، التي تشتهر بها محافظتهم، لتكون بذلك باكورة الانطلاق نحو حياة عملية فاعلة.
وأوضح في مقابلة أجريت معه، أن الهدف من مشروعه "إيجاد فرصة عمل في ظل ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت 50% في صفوف الشباب".
وارتفع معدل البطالة في سوق العمل الأردنية إلى 25% في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 22.7% في نهاية 2020.
وبلغت نسبة البطالة بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد العاطلين ممن يحملون شهادة بكالوريوس فأعلى) نحو 27.8%.
ويتزامن ارتفاع البطالة مع استمرار تضرر الكثير من القطاعات الاقتصادية في المملكة، من التبعات السلبية لتفشي جائحة كورونا، أبرزها قطاعات السياحة والخدمات.
وأشار الربابعة إلى أن المشروع يستهدف تحويل جيوب الفقر إلى مجتمعات خضراء، خاصة للأراضي المهمشة وغير المستعملة.
وتابع حديثه: "تنمية المجتمعات الريفية اقتصاديا والتخفيف من نسب الفقر والبطالة يتطلب تحركًا من الجميع، وتقديم استجابة طارئة للفئات الأكثر حاجة على نحو يتناسب مع ظروفهم".
وقال أيضاً: "الواقع يتطلب من الجميع التحرك نحو تقديم تدخلات تساهم في تحسين حياة المجتمعات الريفية نحو الأفضل".
وأوضح أن المشروع الذي يطلق عليه اسم "سفراء الريف" مبادرة تسهم في توفير التدريبات والمهارات حول التقنيات الزراعية الحديثة للشباب والشابات وربات الأسر في المناطق الأكثر تضرراً في المجتمعات الريفية، وبناء قدراتهم في الزراعة المائية.
ولفت الربابعة إلى أن "الأردن من أفقر دول العالم بالمياه، لذلك فإن التقنية التي نستخدمها في الزراعة تساعد بشكل كبير على ترشيد استهلاك المياه، وبالتالي تحقيق مردود زراعي، دون الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه".
وتخشى وزارة المياه الأردنية من حدوث جفاف محتمل العام الجاري، في ظل تراجع واضح في منسوب الهطولات المطرية.
وأدى التغير المناخي في الأعوام الماضية إلى تأثر مخزون المياه الجوفية في الأردن، ما دفع إلى البحث عن بدائل لتعويض النقص الحاصل، والتخفيف من آثاره على الثروة الزراعية في البلاد.
وذكر أن المبادرة تُنفذ بدعـمٍ من مشـروع "مبـادرون" الذي تنفذه ثلاث مؤسسات غير حكومية، هـي "بلـان إنترناشونال" و"رواد التنـمية" و"مؤسسة الفـنار" (جمـيعها مسـتقلة) وتحصل على تمويل من الاتـحاد الأوروبـي.