على خلفية زلزالي هاييتي وتشيلي:
فلسطين معرضة باحتمالية مرتفعة لهزة أرضية مدمرة بين 6 -7 درجات
انعدام الاحتياطات والاستعدادات الوقائية لمواجهة زلزال قوي محتمل |

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم يحرك الزلزال المدمر الذي ضرب هاييتي في كانون الثاني الماضي وقتل أكثر من مائتي ألف فرد وشرد الملايين، والزلزال الأخر الذي ضرب تشيلي في شباط وأردى المئات من القتلى، أيا من الجهات الفلسطينية الرسمية المسئولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، باتجاه تعلم العبر من ذاك الزلزال الرهيب واتخاذ تدابير الوقاية من آثار هزة أرضية محتملة في منطقتنا، وبخاصة في ظل الافتقار إلى الوعي والمعرفة الزلزالية والجيولوجية، وعلما بأن فلسطين تقع في منطقة نشطة زلزاليا، وتحديدا على ملتقى صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، وهو ما يعرف بالفالق أو الصدع السوري – الإفريقي، الأمر الذي يعرض فلسطين، وباحتمال عالٍ، لهزة أرضية مدمرة. فماذا سيكون الحال لو ضرب فلسطين زلزال بنفس قوة زلزال هاييتي (7 على سلم ريختر)؟ هل نحن على استعداد لمواجهته؟ الجواب الأكيد لا!
ثم كيف ستتصرف الجهات والأجهزة الحكومية المختلفة في المناطق المنكوبة؟ كيف سيعاد بناء الشوارع والمنازل؟ في أي الأماكن سيوضع المهجرون كي يتمكنوا من مواصلة العيش؟ لماذا لا يتم التخطيط، وبسرعة، لإجراء تدريبات شاملة على كيفية التصرف أثناء زلزال بقوة 7 ريختر، بحيث تستهدف جميع الناس، وبخاصة المدارس والروضات والجامعات؟ ولا يقتصر هدف هذه التدريبات على مجرد فحص مدى استعداد قوى وأجهزة الإنقاذ والأمن والسلطات المحلية، بل دراسة سلوك وتصرف المواطنين بعامة.
لقد تعرضت فلسطين لكثير من الزلازل المتوسطة والقوية التي حدثت بفواصل زمنية قصيرة نسبيا. وكان بعض هذهالزلازل مدمرا. وضربت أرض فلسطين، قديما، بضع هزات أرضية، حصدت إحداها نحو 30 ألف نسمة، كما أن هزة أخرى تسببت في دمار مدينة بيسان، وذلك في العصر البيزنطي. ويبين الجدول التالي بعض أبرز الزلازل في فلسطين .
نماذج من الزلازل في فلسطين
السنة (م.) |
قوة الزلزال (سلم ريختر) |
الأضرار التي أحدثها |
746 |
غير محددة |
من أشهر الأضرار: انهيار الجانبين الغربي والشرقي للمسجد الأقصى (تولى العباسيون ترميمه). |
774 |
غير محددة |
تدمير معظم بناء المسجد الأقصى (أعاد بناءه الخليفة العباسي المهدي). |
1033 |
غير محددة |
دمر مدينة طبريا بالكامل . |
1759 |
غير محددة |
تركزت أبرز أضراره في منطقة بيسان. وتلته أمواج مد “تسونامي” من بحيرة طبريا، مما أدى إلى تدمير نحو 20 قرية فلسطينية حول البحيرة ومقتل الآلاف. |
1837 |
غير محددة |
دمر زلزال آخر كبير جزءا من مدينة طبريا، حيث قتل نحو 800 شخص. |
1927 |
6.2 |
تسبب في قتل نحو 300 شخص وجرح الآلاف. ودمرت أجزاء من صفد وطبريا وبيسان ونابلس. وكان مركز الزلزال في منطقة أريحا . |
1995 (تشرين ثاني) |
6.2 |
ضرب هذا الزلزال منطقة خليج العقبة، وتلاه مئات الهزات الارتدادية في نفس الشهر، بلغت شدة أقواها 5.4 درجة. وقد سجل الكثير من الأضرار في المباني والبنى التحتية، في المدن القائمة على طول ساحل الخليج، بما فيها شرم الشيخ، دهب ونويبع في مصر، بالإضافة إلى مناطق في جنوب فلسطين، والعقبة في الأردن. وكان المركز السطحي لهذا الزلزال في منتصف الممر المائي بين المدينتين المصريتين دهب ونويبع في شبه جزيرة سيناء . |
2004 (شباط) |
5.1 |
مركزه شمال البحر الميت. وتسبب في انهيارات بسيطة في بعض الأجزاء القليلة من المباني في المنطقة الممتدة من القدس حتى نابلس، وإصابة أعداد قليلة من الناس بالصدمة النفسية . |
منذ 2004 وما بعد |
تعرضت فلسطين لعدد من الزلازل تراوحت قوتها بين 3-5 |
أضرار هامشية جدا |
2006 (أيلول) |
4.5 |
كان مركزه في منطقة الأغوار، بين نابلس ورام الله. وشعر به كثير من المواطنين في مدن رام الله ونابلس والخليل. وأضراره شبه معدومة. |
وبخصوص المنطقة العربية، بوجه عام، وفلسطين، بوجه خاص، كثرت التساؤلات، في السنين الأخيرة، حول إمكانية التعرض لزلازل. فمنذ بضع سنين، تتكرر الإنذارات الساخنة لاحتمال حدوث هزة أرضية وشيكة في فلسطين. ومن المتوقع أن تحدث مثل هذه الهزة، في كل لحظة.
وحسب دراسة المعطيات الإحصائية للهزات الأرضية التي حدثت في فلسطين في السنوات الألف الأخيرة، فقد تم بلورة سيناريو أولي للهزات المتوقع حدوثها مستقبلا، حيث يتوقع حسب الدراسة الإحصائية، حدوث ارتجاجات جيولوجية جدية في فلسطين، خلال العقود القريبة القادمة، علما بأن المعطيات الإحصائية تبين أن الهزات الأرضية العنيفة في فلسطين كانت تحدث كل نحو 100 عام.
وهنا، من المفيد التذكير بزلزال جنوب أسيا (شمال إندونيسيا) الذي حدث في أواخر عام 2004 بسبب تقارب، وبالتالي تصادم، صفائح القشرة الأرضية (الصفيحة الهندية)، وهذا يعني أن هناك احتمالاً كبيراً في حدوث تحركات في الجهة الغربية، أي في الصفيحة العربية، بسبب تباعدها عن الصفيحة الهندية. إذن، المنطقة الثانية المعرضة للهزات، وإن بمدى أقل، هي تلك التي تتأثر من تباعد الصفائح نتيجة لتقاربها في الجانب الآخر، وهذه المنطقة تحديدا هي المنطقة العربية. وتتكون في هذه المنطقة تصدعات وكسور جيولوجية بسبب هبوط جزء من القشرة الأرضية، كما في البحر الأحمر على سبيل المثال. ومن المتوقع ألا تزيد قوة الزلازل في منطقتنا على 7 درجات، وبخاصة إذا كان مركز الزلزال في منطقة طبريا أو إصبع الجليل .

أمواج تسونامي على الساحل الفلسطيني
وعند حديثنا عن الهزات الأرضية يجب أن ننتبه إلى احتمال حدوث الزلزال في البحر، مقابل الساحل الفلسطيني، وربما على مسافة كيلومترات قليلة من شواطئ يافا أو غزة أو حيفا، وفي هذه الحال قد يتلو الزلزال أمواج تسونامي العاتية التي قد تغرق كل المتواجدين قرب الشاطئ، وقد يكون حجم الدمار الناتج خلال ثوان معدودة مروعا.
وبالرغم من الكارثة المتوقعة، لا يوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة نظام قانوني يفرض، فعليا، متطلبات البناء حسب المواصفات المقاومة للزلازل، علما بأن الرقابة فيما بعد انتهاء عملية البناء لا تستطيع أن تغير شيئا يذكر .
ويفترض بالجهات الحكومية المسئولة أن تسن قانونا يفرض قيام المهندسين المعماريين المستقلين، وخبراء الزلازل، بعملية الرقابة على المباني العامة والخاصة. وكما هو متوقع، لن يعاني قاطنو المباني التي أنشئت حسب المواصفات من خسائر بشرية، حتى في حال حدوث هزات أرضية كبيرة .
وفي الآونة الأخيرة، يحاول بعض العلماء توفير الحلول الفعالة لتقوية المباني ضد الهزات الأرضية. ومن أهم التوصيات المقترحة: إضافة جدران، إصلاح المباني بواسطة مواد مركبة من ألياف خاصة، مراقبة كتل الأجسام والأثقال المتحركة (الدينامية) في داخل المباني، تقوية المباني بواسطة كوابل أو قضبان فولاذية، وغير ذلك .
وحسب ترتيب الأولويات، يفترض، بداية، معالجة المباني والمنشآت العامة والحكومية، الجسور، المستشفيات، المؤسسات التعليمية، المدارس، الاتصالات، وما إلى ذلك. إذ إن هذه المباني والمنشآت يجب أن تكون عاملة في أثناء الهزة الأرضية وبعدها، لتقديم المساعدة اللازمة. وفي الواقع، جميع المباني غير المطابقة للمواصفات يجب تقويتها بالإضافات المناسبة، أو بإضافة أجنحة إضافية لها، أو بتعبئة الفراغات في الطوابق الأرضية الرخوة بالباطون .

انفجار المواد الكيماوية الخطرة
من بين أفظع الكوارث البيئية التي قد تنتج عن الزلزال، انفجار المواد الكيماوية الخطرة والقابلة للاشتعال أو الانفجار، والمتواجدة في المنشآت والورش الصناعية والمختبرات. ومن المفيد التذكير هنا بالزلزال المشهور الذي ضرب إزمير التركية عام 1999؛ إذ سرعان ما تبين بأن الكارثة الزلزالية شكلت أيضا نكبة بيئية تمثلت في إصابة 19 مصنع تحوي مواد كيماوية خطرة. وقد تسربت الغازات السامة وحدثت انفجارات وحرائق، وانتشرت لأيام طويلة الغيوم الغازية السوداء الكثيفة، مما تسبب في مقتل عدد كبير من المواطنين الأتراك.
والسؤال المطروح: هل اتخذت الاحتياطات الوقائية اللازمة للتقليل من الكوارث البيئية الكيماوية التي قد تنجم عن زلزال متوقع في فلسطين؟ متى سيفرض على الورش والمنشآت الصناعية القيام بوقاية موادها الكيماوية الخطرة وعزلها، وإلا فإن بعض هذه المنشآت ستتحول إلى قنبلة بيئية موقوتة، قد تتسبب، في حال حدوث زلزال قوي، بكارثة بشرية جماعية.
وهنا لا بد للأجهزة المعنية والدفاع المدني وفرق الإنقاذ والطوارئ ووزارات البيئة والصحة وغيرهما، أن تأخذ بالاعتبار قائمة طويلة من الاستعدادات الوقائية، نذكر منها: التعليمات الخاصة بالمقابر الجماعية لمنع تفشي الأوبئة، إزالة جثث الحيوانات، إزالة نفايات ومخلفات المنشآت والمباني الكثيرة التي ستتهاوى، علما بأن أحد الخيارات الممكنة هي التخلص من هذه النفايات والمخلفات من خلال إلقائها في البحر. ناهيك عن المعالجة السريعة والطارئة لشبكات المياه العادمة التي قد تتحطم.
ما دامت فلسطين غير مستقرة جيويلوجيا وزلزاليا وما دام احتمال دوث زلزال
كبير؛ فماذا تنتظر الجهات المسئولة كي تتحرك وتبادر باتخاذ الإجراءات
الوقائية؟ الإجراءات والتحركات اللاحقة للزلزال لن تفيد كثيرا كما أها أنها
لن تشكل خشبة الخلاص لأبناء شعبنا ...
جمال أبو سامح
شكرا لك يا أستاذ جورج على رصانتك العلمية، وأنت لا زلت تحمل على عاتقك مسئولية تعليق الجرس والدعوة إلى التحرك لمواجهة المخاطر والجرائم البيئية
بحق بلدنا وشعبنا ..
عماد عازر الصفدي
هذا أول تقرير علمي واقعي وعملي حول احتمالات أن يضرب زلزال فلسطين، ينشر في
موقع إلكتروني فلسطيني...والمطلوب الآن وفورا بداية التحرك قبل فوات
الآوان ...
سائد بياتي
|