أغذية ومشروبات تحت الشمس.. عواقب صحية ورقابة متواضعة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعرض متاجر ومراكز تسوق بضاعتها تحت الشمس الحارقة، فيما تؤكد بيانات سابقة منشورة لوزارة الاقتصاد الوطني أن ذلك "يؤدي الى تلفها وفسادها، وينتج عنها تفاعلات كيميائية، وتغير في خواصها الطبيعية من حيث الطعم أو المظهر أو الرائحة، ما يتسبب بأمراض خطرة". وحذرت الوزارة من عرض المنتجات والسلع أمام المحال التجارية، وعدم الالتزام بالشروط والمعايير الصحية المنصوص عليها في الأنظمة والقوانين، بشأن التعامل مع المواد الغذائية والمشروبات في أثناء نقلها وتخزينها وعرضها". وسعيًا لوقف استمرار الاستهتار بصحة المواطنين، تبحث "آفاق البيئة والتنمية" عواقب ترك الأغذية والمشروبات في عين الشمس، بالحديث مع الجهات المختصة.
|
 |
عبوات مياه ملقاة في الشارع أمام محلات البقالة تحت أشعة الشمس الحارقة |
أطلق مركز التعليم البيئي مبادرته، لوقف عرض المياه المعدنية والأغذية تحت الشمس، مجددًا دعوة وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني وجمعيات حماية المستهلك إلى فرض رقابةٍ صارمة في الأسواق، ووضع حد لتعريض عبوات المياه المعدنية والمشروبات الغازية والسلع التجارية لأشعة الشمس الحارقة، التي باتت ظاهرة مقلقة، وتنذر بعواقب صحية وخيمة، لكنها تزداد مع المنافسة التجارية والحملات والعروض التسويقية.
وقال مركز التعليم البيئي، إنه يهدف من المبادرة، إلى ضمان سلامة المنتجات، خاصة أن دراسات سابقة أكدت أن شرب المياه المُعبأة في زجاجات بلاستيكية ومتروكة في مكانٍ تكون فيه عرضة لأشعة الشمس، تؤدي إلى الإصابة بمرض سرطان الثدي لدى النساء والرجال.
وأوضح المركز أن تعريض السلع وخاصة المياه للشمس يُغير من لونها وطعمها ويزيد من نشاط الأحياء الدقيقة فيها، ما يجعلها وسطًا ناقلًا للأمراض التي تحتويها فيصبح استهلاكها خطرًا على الصحة.

مشروبات أمام محلات البقالة تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة تحت الشمس الحارقة
وبحسب دراسةٍ بريطانية أجراها "شيريل كرو"، المتخصص في جراحات الأورام عام 2012، فإن المياه المتروكة في السيارات تتعرض لأشعة الشمس والركود، فيما تتفاعل الحرارة مع المواد الكيميائية المصنوعة منها العبوة البلاستيكية، وتحرر مادة “الديوكسين” شديدة الخطورة، والتي تظهر بنسبة كبيرة في عينات الأنسجة المسببة لسرطان الثدي، فيما ذكرت دراساتٍ علمية أخرى أن هناك أضرارًا محتملة ناجمة عن سوء التخزين.

نضال زعتر رئيس قسم الكيمياء في جامعة النجاح
تلف مُتعدد
من جانبه، قال د. نضال زعتر، رئيس قسم الكيمياء في جامعة النجاح، إن تلف المواد الغذائية متعدد الأوجه، ويشمل التغير في مواصفات المنتج، وينقسم إلى تغيراتٍ كيميائية، أو بيولوجية، أو حسية، وجزءٌ منها يُعد تغيرًا في المواصفات، أو تلفًا للمنتج نفسه، فترك الشوكولاتة عرضة للشمس يؤدي إلى ذوبانها، وهذا لا يُعد تلفًا بل تغيرًا في المواصفات؛ لأنه بالإمكان إعادتها مرة أخرى إلى حالتها الطبيعية.
وأضاف في حديث مع "آفاق البيئة والتنمية" "أن التلف لا يعني أن المنتج غير صالح للاستهلاك، إلا أنه فقد جزءًا من مواصفاته، وتغير شكله" كما في حال ذوبان البوظة، مثل تغير اللون في زيت الزيتون عندما يتحول من الأخضر إلى الأصفر، ويمكن فحصها بالنظر، والتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات، ومن ثم منعها من التسويق إن تبين مخالفتها.
وذكر زعتر أن ترك بعض المنتجات في الشمس يفقدها لونها، ما يعني فقدان المنتج لإحدى صفاته، ولا يحتاج ذلك لفحصٍ مخبري لإثبات عدم مطابقة المواصفات، ويمكن أن يؤدي فقدان اللون إلى إنتاج موادٍ لا تصلح للاستهلاك، وبوسعنا الإقرار حينها بعدم صلاحية المنتج، وقد يتغير الطعم في حال تخزينه في الرطوبة، وتحوله إلى "اللدونة".
وأشار إلى أن ثمة تغيرات حسية تتصل بالحواس، ويمكن فحصها بالتذوق أو الشم أو الرؤية كاللون والملمس والرائحة والطعم.
وذكر أن الأخطر "التغيرات الكيميائية" الناجمة عن تحلل مكونات المنتج وتفاعلها وإنتاجها لمواد جديدة، موضحًا: "تعرّض الزيت إلى درجات حرارة عالية أو لضوء الشمس، يؤدي إلى تأكسده، ما يعني تفاعله مع الأكسجين الموجود في الهواء، أو كسر الأشعة فوق البنفسجية ومصدرها الشمس، القادرة على كسر الروابط في جزئيات الزيت، ما يؤدي إلى إنتاج أحماض دهنية، وفي حال تعرضها للشمس تنتج (البروكسايد) والأحماض الدهنية، وهي مواد تعطي طعمًا ورائحة غير مرغوب فيها، ومسرطنة".
وصنّف رئيس قسم الكيمياء في جامعة النجاح، التغيرات البيولوجية، إلى النمو البكتيري في المنتج، والعَفن، والفطريات. "ويؤدي نمو البكتريا إلى إفرازات سامة"، والأمر نفسه مع نمو العفن الذي يُتلف المواد الغذائية، والتسوس كما في الطحين والمكسرات، التي تنمو فيها أنواع من السوس والديدان حال تعرضها لدرجات حرارة عالية، ويُرى السوس بالعين المجردة، وبيوضه في الأساس موجودة في المنتج نفسه، لكن الحرارة المرتفعة تشجع على فقسه وإنتاج حشرات جديدة.

عبوات مياه ومشروبات تحت الشمس الحارقة
"أعداء" لتخزين المنتج
وأكد زعتر أن أنواع التلف المختلفة للأغذية والمشروبات ناجمة عن أشعة الشمس، والحرارة العالية والرطوبة، والأكسجين. فتعريض المياه للشمس يمكن أن يؤدي إلى تغير بيولوجي، ذلك أنه بعد تعقيم المياه تبقى فيها بعض الميكروبات (المستعمرات)، التي تحتاج مثلاً إلى ستة أشهر للنمو في حال تخزينها في ظروف جيدة، وحين تعريض المياه للشمس، بدرجة حرارة 37 فأعلى، تبدأ البكتيريا بالنمو بسرعة أكبر، ما يؤدي إلى تلف بيولوجي للمياه.
وأوضح: "عرض المشروبات الغازية في الشمس يعرضها للتلف البكتيري، والتلف الحسي، والتفاعل الكيميائي"، ويتمثل الحسي في اختلاف نكهتها ولونها جراء تفاعل المواد العضوية فيها، ما يؤدي إلى كسر الروابط فيها وتحلل اللون والنكهة فيها، وتعريضها الصحة للخطر جراء تشكل مواد جديدة خطيرة وسامة ومسرطنة، والحل تخزينها في جو وعبوات معتمة. أما تعريض الأدوية للشمس فيفقدها فاعليتها، والخشية من المواد الناجمة عن التفاعل، ودرجة سمّيتها.
ووفق زعتر، فالخطير في تعريض السلع والمنتجات للشمس، "رفعها لدرجات الحرارة، والإسراع من وتيرة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية والحسية والبيولوجية، ما ينتج تفاعلات جديدة سامة".
وقال إن تأكسد المواد الغذائية يؤدي إلى إنتاج مواد خطيرة، يمكن أن تكون سامة أو مسرطنة، وربما لا تؤدي إلى ضرر. ولكن معرفة مكونات المنتج تقودنا للتفاعلات المحتملة، فالشوكولاتة مثلًا تحتوي على دهون وزيت، وإذا كان في المشروبات الغازية زيوت كنكهة الليمون، فيمكن أن تتأكسد حال عرضها في الشمس.
وأشار إلى أن كل مُنتج يحتوي على إرشادات للتخزين من الضروري التقيد بها، ومنها حفظه في جو معتم، وإحكام مغلق للعبوات بعيدًا عن أشعة الشمس، وفي درجة حرارة الغرفة (22-25) درجة، وهناك منتجات تحفظ مُبرَّدة. أما في حال مساعدة الأكسجين على دخول المنتج وبدرجات حرارة مرتفعة، فإن ذلك يسارع في تلفها.

نادر برهوش مدير صحة البيئة في وزارة الصحة
تعليمات لوقف الظاهرة
بدوره، قال نادر برهوش، مدير صحة البيئة في وزارة الصحة، إن الوزارة بحكم مسؤوليتها عن صحة المواطنين، تحرص على السلامة الغذائية، من حيث أمانها وسلامة استهلاكها، كما تتابع عملية النقل والتخزين والتصنيع.
وذكر برهوش أن الوزارة "تُشدد على سلامة التخزين، وتضع عدة معايير لذلك، وتنفّذ جولات مراقبة ميدانية متواصلة؛ لضمان الالتزام بشروط التخزين، وفي حالة مخالفة التجار فإنهم يتلقون إخطارًا صحيًا، ويُمنحون مُهلةً قانونية لتصويب الوضع، وفي حال عدم التزامهم يُحولوا إلى القضاء".
وحسب مدير صحة البيئة، فإنه "لا يمكن الجزم بالأخطار الصحية لعرض المنتجات الغذائية تحت الشمس"، لكن مؤسسة المواصفات والمقاييس تُعد حاليًا تعليمات فنية إلزامية للارتحال (نقل الملوثات الكيميائية من المواد الملامسة للأغذية إلى الغذاء)، وتحدد شروطه ونسبته، ويحتاج إلى ثلاثة أشهر لإقراره، وسيكون مُلزمًا ويشتمل على الكثير من التفاصيل.
مواصلًا حديثه: "ننفذ اليوم شروط السلامة الصحية والبيئية، والتخزين الجيد، ونسلم تنبيهات وإخطارات صحية للمخالفين، الذين يخزنون المواد الغذائية تحت الشمس، ونمنحهم مهلة قصيرة تقلّ عن يومٍ لتصويب أوضاعهم، ويجري تقديم عدم الملتزمين إلى القضاء وتفرض عليهم غرامات وقد تصل العقوبة إلى السجن".
وذكر أن القانون الحالي يتضمن إشارة إلى أن سوء التخزين قد يضر بالصحة، لكن بعد تحويل التجار المخالفين إلى القضاء، يصعب إثبات الضرر، خاصة أن هناك أضرارًا يحتاج تأكيدها إلى فحص مخبري.
واستند برهوش إلى دراسة أجريت قبل أربع سنوات حول ارتحال الخبز، نفذتها الجمعية الملكية الأردنية، نفت وجود ارتحال، لكن دراسات عالمية أخرى لم تثبت أو تنفي ضرر عرض الأغذية والمشروبات في الشمس، فيما وضعت شروط على الارتحال ونسبه وحدوده.
وقال إن أضرار عرض السلع والمنتجات في الشمس متصلة بالمدة التي تقضيها، ونحتاج لإثبات ذلك إلى تعليمات فنية ملزمة.
وطالب البلديات والهيئات المحلية بالتعاون مع الوزارة؛ لوقف التخزين على الأرصفة، وفرض قيود إضافية على المتاجر، عدا عن التوعية بأخطار التخزين في الشمس. وبيّن أن تلوث الغذاء فيزيائيًا وكيميائيًا وبيولوجيًا، سيكون مصدر تلك التعليمات الفنية الإلزامية.

صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في رام الله والبيرة
تقييد الكميات حل عملي
وأوضح صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك في رام الله والبيرة، أن الجمعية تابعت وضع المياه المعدنية والمشروبات الغازية تحت الشمس مع وزارتي الصحة والاقتصاد الوطني، كما تواصلت مع البلديات في رام الله والبيرة، التي نفذّت جولات لوقف الأمر، لكن سرعان ما عادت الظاهرة إلى سابق عهدها.
وأكد أن "حماية المستهلك" تواصلت مع شركة للمياه والمشروبات الغازية، التي تتبنى سياسة منذ أربعة أشهر، تمنع على التجار طلب كميات لا تستوعبها المخازن، وتربط شرط تزويدهم بتسويق ما لديهم، مؤكدًا أن "تقييد الكميات للتجار حل عملي، وأفضل من إجراءات الهيئات المحلية، التي تطلب من الجمعية تنفيذ جولات رقابية مشتركة".
وبيّن أن قانون الصحة العامة يفرض قيودًا على تخزين السلع، وأولها منع العرض تحت الشمس، لكن يا للأسف لا توجد متابعة، ما اضطر الجمعية إلى التقاط صور للمتاجر المخالفة وتمريرها للبلديات لمتابعتها، فيما يدّعي بعض التجار أن عرض السلع تحت الشمس أمر عادي، ولا يختلف عن نقل السلع من المصانع إلى المحافظات.
وذكر هنية أن الجمعية تنسق جهودها مع وزارة الصحة؛ لتكثيف العمل في ذروة الصيف، وبالشراكة مع دوائر الصحة في البلديات لتنفيذ حملة واسعة، وتوعية للمواطنين، ودعوتهم لعدم الشراء من المتاجر التي تترك بضائعها تحت الشمس.

شداد خنفر مدير عام شركة تجارية
التوعية هي الحل
وقال شدّاد خنفر، وهو مدير عام شركة تجارية، إن السلع يتغير لونها وجودتها عندما تترك في الشمس، مؤكدًا أن شركته تحرص على تخزين بضاعتها في أماكن مغلقة، وتوصي مندوبيها المنتشرين في ثماني محافظات بعدم تعريض بضاعة الشركة للشمس.
وأضاف أن ترك السلع في الشمس يحولها إلى مواد سامة، وهناك متاجر لا تلتزم بشروط التخزين بسبب الاستهتار.
وقال: "وقف الظاهرة يحتاج إلى توعية للتجار والمستهلكين على السواء، وتوزيع مظلات لتغطية البضائع، خاصة في أشهر الصيف".

إبراهيم القاضي مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني
من جهة أخرى، قال مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، إبراهيم القاضي إن عرض السلع وتخزينها من اختصاص وزارة الصحة، فقد وقعّت الوزارة مع "الصحة" و"الزراعة" مذكرة تفاهم قسّمت المهام؛ لتفادي السير في حلقة مُفرغة، ومنحت متابعة عرض السلع وتخزينها لوزارة الصحة.
وأضاف أن المذّكرة وقعّت أواخر عام 2018، وبدأ تنفيذها، وكان من مهام "الاقتصاد الوطني" الرقابة على السلع في المتاجر، فيما تتولى "الصحة" الإشراف على المصانع والتحقق من التزامها بالشروط الصحية، واختصت "الزراعة" باللحوم والمنتجات الزراعية.