الأنفاق الزراعية في غزة.. ترشيدٌ لمياه الري ومحاصيل عضوية ونتاج غزير في غير مواسمه
غزة/ خاص بآفاق البيئة والتنمية
في الآونة الأخيرة، انتشر في قطاع غزة، وتحديداً في المناطق الحدودية مع الداخل المحتل، نمط الزراعة من خلال الأنفاق البلاستيكيٍّة؛ لزراعة الخضروات المتنوعة. وتعد زراعة الأنفاق أكثر جدوى وأفضل بيئيًّا، بسبب الانخفاض في كمية المياه المستخدمة للري، وكذلك الأسمدة الكيميائية، إذ يتم الاعتماد على السماد العضوي بالدرجة الأولى؛ كما يتميز بالإنتاجٍ الوفير إذا ما قورن مع الزراعة في الأراضي المكشوفة في الفترة نفسها. الأنفاق الزراعية نجحت في حماية المزروعات من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، وبفضلها لم تصل سمومه الكيميائية التي يتعمد رشها عبر طائراته لتدمير البنية الزراعية الفلسطينية.
|
 |
الأنفاق الزراعية في المناطق الحدودية بقطاع غزة |
تجربة يبدو أنها تؤتي ثمارها، يثني عليها وليد صقر وحال لسانه "اللهم أدمها نعمة"، فقد خصّص هذا المزارع ثلاثة دونماتٍ من أرضه لنفق زراعيٍّ بلاستيكي، في "بني سهيلا" بمدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، وكانت النتائج تسر الخاطر.
يزرع صقر الخضراوات المتنوعة في المناطق الحدودية مع الداخل المحتل، ويخبرنا بالخلاصة: "تعد زراعة الأنفاق مجدية، وذات إنتاجٍ وفيرٍ إذا ما قورنت مع الزراعة في الأراضي المكشوفة في الفترة نفسها -ويقصد تلك الفترة التي تبدأ في كانون ثاني/ ديسمبر، وتستمر حتى نيسان/ أبريل".
فزراعة الأنفاق تُعد الأفضل بيئيًّا؛ كما يقول، وفيها تنخفض كمية المياه المستخدمة للري، وكذلك الأسمدة الكيميائية، إذ تعتمد على السماد العضوي بالدرجة الأولى.
يتفقد صقر نَفقه بصحبة عدد من المزارعين الذين يعملون معه، ومن ثم يتابع حديثه مع "آفاق بيئية": "لقد حمى النفق المزروعات من انتهاكات الاحتلال المستمرة، وبفضله لم تصل تلك السموم التي تتعمد (إسرائيل) رشها عبر طائراته لتدمير الأراضي الزراعية الفلسطينية".
ويقع (20% ) من الأراضي الزراعية في قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل مع الداخل المحتل، حيث تصنف من المناطق مقيدةِ الوصول، وهي أخصب الأراضي الزراعية في غزة وأكثرها إنتاجاً، وكانت تُزرع هذه الأراضي قبل عام 2000م بالحمضيات، والزيتون، واللوزيات، والنخيل، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تدمير وتجريف جميع ما بهذه المنطقة من أشجارٍ، وآبارِ مياه، وشبكاتِ ريّ، وبيوتِ المزارعين، ودفيئاتٍ وطرقٍ زراعية؛ فأصبحت شبه متصحرة، وذلك بحسب مؤسسات تختص بالمجال الزراعي.
وبالعودة إلى المزارع صقر الذي يشعر بالامتنان والرضا عن حياته: "رغم السياسات الإسرائيلية العدائية للقطاع الزراعي، فإنه لم يكن أمامي سوى الاستمرار في عملي بالزراعة؛ لأنها تشكل المصدر الوحيد لدخل عائلتي".
ويشكر الله على كمية الإنتاج الوفيرة، وهذا ما يفسر تواجدها بغزارة في الأسواق، وبالتالي انخفاض أسعارها، تبعاً لقوله.
ومع كل محاولات المزارعين للتأقلم مع الظروف والأوضاع الصعبة في تلك المناطق، لم يسلموا من الانتهاكات الإسرائيلية، إذ تتعرض محاصيلهم باستمرار إلى التلفِ والدمار من قِبل طائرات الرش الإسرائيلية بين الفترة والأخرى على الشريط الحدودي باستخدام مبيدات الأعشاب، الأمر الذي يؤثر على محاصيل المزارعين الموسمية، والمحاصيل الورقية؛ فيُتلف أوراقها ويعرضها إلى الجفاف الكامل؛ ما يكبدهم وزراعتهم خسائرَ فادحة، وتطال عملياتُ الرش المحاصيل عن مسافة لا تقل عن كيلو متر في بعدها عن السياج الأمني، وتمتد المبيدات إلى داخل التربة فتعمل على تدميرها.

الزراعة بالأنفاق الزراعية في المناطق الحدودية بقطاع غزة
حماية المحاصيل
المهندس الزراعي معتز ثابت يقول في حديثٍ خصَّ به مجلة "آفاق البيئة والتنمية ": "تعد تقنية الأنفاق البلاستيكية المنخفضة إحدى النماذج الزراعية الحديثة، حيث تم البدء باستخدامها في الزراعة منذ عام (1980، وتنتشر حالياً في المناطق الزراعية بالضفة والقطاع".
ويجمع مختصون في الشأن الزراعي على ضرورة الاهتمام بهذا النوع من الزراعة؛ للتغلب على المشاكل المتعلقة بالتغيرات المناخية التي تؤثر سلبًا على نمو النباتات، كما أن الزراعة تحت الأنفاق الزراعية في المناطق المقيدة الوصول تعمل على حماية المحاصيل من عمليات الرش المستمرة من قبل الطائرات الإسرائيلية، وتقلل من خسائر المزارعين، وتعزز من صمودهم في أراضيهم، وزراعتها، والاستفادة منها كمصدرِ عيشٍ لهم.
ويبين م. ثابت الأهمية الاقتصادية للزراعة تحت الأنفاق المنخفضة، إذ تضمن التنوع الزراعي على مدار العام، وتقلّل من تكاليف الإنتاج، وشراء المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية، إلى جانب طرح المنتج في الأسواق مبكراً، والحصول على أسعارٍ جيدةٍ، كما أن الأنفاق الزراعية المنخفضة تساهم بشكلٍ كبيرٍ في عمليات ترشيد استهلاك المياه من خلال اعتماد شبكات الري بالتنقيط.
وتتركز الأنفاق الزراعية في قطاع غزة بالمناطق الشرقية؛ لافتًا إلى أنها من أكثر المناطق التي يزرع فيها الخضار، ويمضي في حديثه قائلاً: "الأنفاق نوع من الزراعات المحمية؛ لكونها توفر الظروف البيئية المناسبة لنمو الخضراوات؛ مما يؤدي إلى زيادة معدل الإنتاج فيها، ومن ناحية أخرى يمكن أن يُجنى المحصول في غير موسمه وبجودة عالية، لما توفره من حماية للمزروعات بداخلها من التأثيرات الضارة، مثل الأمراض، والحشرات الناقلة لها، ومن التغيرات المناخية" وما يصحبها من موجات الصقيع والرياح والأمطار، والتي قد تتلف المزروعات"."

زراعة الأنفاق الزراعية في غزة
إقبال ملحوظ
"بامية، كوسا، فقوس، باذنجان، فلفل، شمام، بطيخ، خيار، فراولة، وطماطم" تلك هي أبرز المحاصيل التي تناسب الأنفاق الزراعية.
وما يلفت الانتباه أن الزراعة في الأنفاق البلاستيكية تشهد إقبالاً كبيراً في الآونة الأخيرة؛ لما لها من أهمية في تحسين معدل الإنتاج ونوعيته، والحصول على إنتاجٍ مبكر، وتغطية احتياجات القطاع.
وتبلغ التكلفة المالية لإعداد وتأهيل دونم واحد باستخدام الأنفاق الزراعية، ما يقارب (800) دولار أمريكي، من خلال شراء المدخلات التالية: سلك فولاذ بطن (300) سلك، سلك فولاذ ظهر(15) سلك، شبك بولستر للتغطية (600) متر، بلاستيك زراعي (600) متر، شبكة ري نقاط (600) متر.
وتتكون الأنفاق البلاستيكية من بيوت أُسطوانية الشكل ذات مدخل نصف دائري على شكل قبو، وتستخدم لزراعة الخضروات، ولحماية النباتات من الظروف الجوية غير الملائمة للنمو، مثل البرد والرياح والصقيع، وتسمح بنفاذ أشعة الشمس إلى داخلها مما يؤثر إيجابيًّا على نمو النبات.
وأدلى المزارع عبد السلام الوادية بدلوه، الذي يعيل أسرة مكونة من عشرة أفراد، فقال: "لديّ نفقٌ تصل مساحته نحو دونم واحدٍ وقد ساهم كثيرًا في زيادة الدخل لدي وحققت الأرباح، أزرعه بشتى الخضروات ومن مزاياه أنه يبقى بمنأى عن الحشرات الناقلة للأمراض".
الرجل الأربعيني واحد من مزارعين كثر ممن راقت لهم الأنفاق، ويؤكد النقاط التي سبق سردها في هذا السياق، فكمية المياه التي يستخدمها في ري مزروعات الأنفاق أقلّ بكثير إذا ما قورنت مع الأرض المكشوفة، كما أنه استغنى عن الأسمدة الكيميائية، وبات يعتمد على السماد العضوي، والنتيجة مبشرة: محصول معافى من الكيماويات، وتربة أبقت على سلامتها.

نمط الزراعة بالأنفاق الزراعية
أنواع الأنفاق
تنقسم الأنفاق الزراعية إلى ثلاثة أنواعٍ:
النوع الأول: الأنفاق المنخفضة
هي أقبية ذات ارتفاعٍ منخفضٍ يتراوح بين 50-60 سم، وتتميز بسهولة الإنشاء، وبساطة التصميم، وبالتالي قلة التكاليف، وتوفر للنبات الحماية اللازمة، ودرجة حرارة مرتفعة عن الوسط المحيط بـــ(2-3) درجات.
وتصلح لزراعة: (الطماطم، الفلفل، الخيار، الشمام، البطيخ، الكوسا، وأي محصولٍ أخضرٍ في مراحل نموه الأولى).
النوع الثاني: الأنفاق المتوسطة
أعلى في الارتفاع من سابقتها، ولكنها تحقق إنتاجا عاليا مقارنة بالأنفاق المنخفضة، ويمكن فيها أن يتجول المزارع بين النباتات، وأن يباشر في عمليات الخدمة من تقليم وتربيط وتربية، وهى مناسبة لزراعة الطماطم، الخيار، الفلفل الحلو، الحريف، الشمام، البطيخ، الكوسا.
النوع الثالث: الأنفاق العالية
تسمح بالمرور فيها، وتُصنع من الأقواس الخشبية أو المعدنية، ويُفرد عليها البلاستيك، ويُقبَّى جيدًا في التربة على جانبي الأقواس، وينمو المحصول داخلها على المصاطب، ويستخدم أسلوب الملش "غطاء للتربة بهدف رفع درجة الحرارة" تبعًا لنوع المحصول، والري فيها بالتنقيط، وتحتوي على جانب منزلق يفتح بشكل الرول لإمكانية التحكم في الرطوبة ودرجات الحرارة، وتعطي محصولا كبيرا، ومن السهل فيها إعداد التربة، وحصاد المحصول لارتفاعها واتساعها، وهي مناسبة لنمو الطماطم والفلفل والخيار والمحاصيل الخضراء الأخرى، ولكن من عيوبها سرعة تمزق البلاستيك وخاصة عند منطقة التلامس مع المعدن الساخن، وعمليات التهوية تتم يدويًّا ومصدر الحرارة فيها غالباً هو الشمس.