خاص بآفاق البيئة والتنمية
التربة الخصبة الغنية بالمادة العضوية وديدان التربة تعد خط الدفاع الأول ضد أمراض وآفات النبات
يجهل الكثيرون، ومنهم المزارعون والمرشدون الزراعيون، الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إصابة المزروعات بالآفات والأمراض الزراعية، وبالتالي فهم ينزلقون بسهولة إلى استخدام المبيدات الكيميائية المُمْرِضَة والقاتلة، لمكافحة النتائج والأعراض المرضية الظاهرية، دون المساس بجوهر الأسباب التي أدت إلى إصابة المزروعات بالأمراض والآفات.
لكن، لو حاولنا البحث بعمق أكبر عن أسباب إصابة المزروعات بالآفات والأمراض، لأمكننا معالجة هذه الأسباب، والعمل على منعها أو تخفيف حدتها أصلا، وبالتالي التقليل من أو منع إصابة المزروعات بالآفات. وعندئذ، لا لزوم لاستخدام طرق المكافحة الكيميائية التي تعالج أساسا النتيجة، أي المرض وليس السبب. ناهيك عن أن المكافحة الكيميائية، تعد حربا خاسرة، نظرا لكون الآفات الزراعية سريعة التكيف، وهي تمتلك قدرة عالية على توليد مناعة ضد المبيدات، الأمر الذي يدخلنا في حلقة مفرغة وقاتلة، وهو ما يعرف بدوامة الآفات.
وهنا، نتساءل: لماذا تصيب الآفات المزروعات؟
بإمكاننا تلخيص الإجابة على هذا السؤال المفصلي بما يلي:
أولا: تهاجِم الآفات المزروعات بسبب نقص أو غياب المُفْتَرِسات الطبيعية التي تفترس هذه الآفات، وتتغذى عليها. ويعود النقص في المفترسات، أو ما يعرف بالأعداء الطبيعيين، إلى استخدام المبيدات الكيميائية التي تعمل على قتل هؤلاء الأعداء، فضلا عن غياب البيئة الطبيعية المناسبة والمتوازنة لهؤلاء الأعداء الذين يحتاجون إلى بيئة خاصة بهم، تمكنهم من مهاجمة الآفات.
ثانيا: تفتك الآفات بالمزروعات بسبب زراعة كميات كبيرة من محصول واحد، حيث تشكل هذه المحاصيل الأحادية غذاء جيدا وسهلا للآفات.
ثالثا: تصيب الآفات المزروعات لأن معظم المحاصيل المتداولة حاليا أصلها صناعي ومهجن، ومستورد من الخارج، وبالتالي تَسْهُل عملية نقلها لمسافات بعيدة عن موطنها الأصلي، والاحتفاظ بها لفترات طويلة، على حساب امتلاكها المناعة القوية ضد الآفات وبالتالي مقاومتها.
رابعا: تعتبر التربة ذات الجودة السيئة والمتدنية، وسطا مناسبا ومثاليا لانتشار آفات النباتات. وذلك أن التربة الفقيرة بالمغذيات والكائنات الحية المتنوعة الضرورية لحياة النبات، تؤدي لإصابة النبات بالأمراض. تماما كما أن الإنسان الذي يعاني من نظام صحي سيئ، يكون أكثر تعرضا للأمراض.
خامسا: تنمو النباتات التي تتغذى على النيتروجين بصورته الكيميائية نموا سريعا، إلا أن جدران خلاياها تكون رقيقة وضعيفة، الأمر الذي يُسَهِّل على الآفات مهاجمتها. كما أن التسميد الكيميائي النيتروجيني، يُحْدِث خللا في توازن البروتينات والكربوهيدرات، ما يجذب الحشرات إلى النباتات فتفتك بها.
والآن، لا بد أن نسأل أنفسنا: ما هي أهم الآليات والاستراتيجيات الهادفة للتقليل من أو منع الآفات الزراعية؟
بشكل عام، تتلخص أهم مكونات الاستراتيجية غير الكيميائية للتحكم في الآفات بما يلي:
أولا: الزراعة المتداخلة، المتنوعة والمترافقة. بمعنى، التنويع والتداخل في زراعة الخضروات وأشجار الفاكهة، ذلك أن الآفات غالبا ما تفتش عن غذائها حسب رائحته أو شكله، وبالتالي فإن الزراعة المتنوعة والمتداخلة للخضروات وأشجار الفاكهة، تجعل من الصعب على الآفات التحرك بحرية، بل إنها تخاطر بحياتها وتدخل في حالة إرباك، وهي تقفز من نبتة لأخرى، جريا وراء غذائها، بسبب الزيادة الكبيرة في احتمال افتراسها من قبل أعدائها الطبيعيين.
ثانيا: زراعة أصناف وأنواع مختلفة تقلل من الخسارة التي قد تنتج عن هجوم الآفات، علما بأننا نستطيع أيضا زراعة أصناف مختلفة لنفس النوع، مثلا 4 أصناف مختلفة من البندورة.
ثالثا: التركيز على زراعة الأنواع والأصناف المقاومة للآفات والعمل على إكثارها. مثلا، إذا لم تهاجم الآفات صنفا معينا من الفاصوليا، بينما تهاجم أصنافا أخرى، عندئذ علينا وضع علامة، أو شريط، على النبتة غير المصابة بهدف الاحتفاظ بها للموسم اللاحق.
رابعا: المحافظة على تربة صحية وخصبة وذات بنية جيدة للنباتات. وهنا لا بد للمزارع أن يغير من توجهه، بحيث تصبح نظرته مرتكزة على أساس تغذية التربة، أي التعامل مع التربة كوسط حي، وليس على أساس تغذية النبات. وهذا التوجه يحتاج إلى تغيير جذري في المفهوم الشائع لدى معظم المزارعين.
خامسا: اتباع نظام تغذية وري متوازن، فضلا عن ملاءمة الموقع ونوع التربة مع نوع وطبيعة المزروعات.
سادسا: اتباع نظام الدورة الزراعية وتعاقب المحاصيل.
سابعا: اختيار مواعيد الزراعة المناسبة، علما بأن المواعيد الصحيحة في الزراعة تقلل كثيرا من الآفات والحشرات الضارة.
ثامنا وأخيرا: توفير التهوية الجيدة بين النباتات المختلفة.
إذن، وقاية المزروعات من الآفات تعني جميع الممارسات الزراعية السليمة في كل مراحل الزراعة، منذ الإعداد للزراعة وفي أثنائها وبعد جني المحصول، والتخلص من بقاياه في آخر الموسم. فضلا عن الاحتياطات اللازمة في أثناء التنقل من حقل إلى آخر؛ وبالتالي عدم نقل الآفات من موقع مصاب إلى آخر غير مصاب، من خلال الملابس وأدوات العمل.