من بين 800 بحث...صلاح الصادي يحصد جائزة "معالجة تلوث مياه الشرب بالتكنولوجيا الخضراء"
غزة/ خاص آفاق البيئة والتنمية

صلاح الصادي أثناء عمله المخبري
"قطاع غزة لن يكون "ملائمًا للعيش" بحلول عام (2020)، ما لم تُتخذ إجراءاتٌ عاجلةٌ لتحسين إمدادات المياه والكهرباء وخدمات الصحة والتعليم".
عبارةٌ دونها تقريرٌ أمميٌّ صدر في العام (2012)، ليتبعها تأكيدات صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في حينه "بأنّ نقصَ مياه الشرب النقية هو أكبر بواعث القلق الملحة في قطاع غزة".
ما دونه التقرير وأكدته اليونيسيف كانا نقطة فارقة في مسيرة الباحث الفلسطيني، الشاب صلاح الصادي (38 عاماً)، الذي سخّر وقته وبحثه ليجد بوادر حلول لتحسين واقع المياه في القطاع، ويساهم في خفض نسبة التلوث في المياه غير الصالحة للشرب في غزة، ليحصد بعد جهد جهيد الجائزة الأولى عربيًّا، التي خُصّصت للبيئة – في إطار منظمة المجتمع العلمي العربي في "معالجة تلوث مياه الشرب بالتكنولوجيا الخضراء" - من بين 800 بحثًا علميًّا تقدموا لذات الجائزة.
وتبلغ مساحة قطاع غزة (360) كم مربع، وعدد سكانها أكثر من (2) مليون مواطن و- لا يوجد به مطار أو ميناء- وتعرض إلى سلسلة من الحروب التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تولي حركة حماس الحكم في عام 2006.
"آفاق البيئة والتنمية " كانت على موعد مع الباحث الصادي الذي استفاض في الحديث عن بحثه "المتميز"؛ بحسب وصف خبراء في مجال الصحة والبيئة.

الباحث صلاح الصادي في المختبر
تنقية لا تضر البيئة
يقول صلاح الصادي إن المشروع الذي تقدم به هو نتاج دراسة بحثية استغرقت أكثر من عامين، وهدفت إلى إزالة ومعالجة المياه من النترات بطرقٍ صديقةٍ للبيئة، لافتًا إلى أن المنافسة جرت مع 90 مشروعًا بعد التصفية.
ويضيف: "إن جملة المشاريع التي قُدمت كانت قوية ومتميزة على صعيد المشاكل البيئية في الوطن العربي، ومن قامات علمية جامعية، إلا أنني حصلت على لقب أفضل باحث، وعلى المركز الأول".
وما يميز "دراسة الصادي" أن عملية تنقية المياه تتم طبيعيًّا، دون إلحاق ضرر بالبيئة كالطرق التقليدية للتنقية، وتحافظ على نسبة المياه دون فاقد بعد تنقيتها.
وتصل المياه النظيفة بغزة لأسرة واحدة من بين 10 أسر، ويعد الخزان الجوفي الساحلي مصدر المياه الوحيد في قطاع غزة، و4% من المياه صالحة للشرب في الوقت الراهن، كما أن الإفراط في استخراج المياه الجوفية يؤدى إلى النضوب السريع لها وزيادة الملوحة.
ويضم القطاع العديد من الآبار الارتوازية الخاصة غير الخاضعة للرقابة، ويحصل المواطنون على المياه المُحلاة من قبل سياراتٍ جوالة، وثلث هذه المياه تصل ملوثة – بحسب دراساتٍ بحثيةٍ – كما أن وضع المياه الصحية والصرف الصحي يتأثر بالقيود المفروضة على حركة البضائع والناس من غزة وغيرها، بالإضافة إلى أن المعدات اللازمة لإدارة المياه وشبكات الصرف الصحي غالبا ما تكون محدودة الكمية.
ويقول م. منذر شبلاق – مدير مصلحة مياه بلديات الساحل: "إن المعايير الدولية لا تنطبق بالمطلق على المياه التي يستهلكها المواطنون في القطاع"، موضحًا: "أدى الاعتماد على الحفر الامتصاصية للتخلص من مياه الصرف، والإفراط في استخدام المبيدات الحشرية، والسحب الجائر من الخزان الجوفي بطاقة تفوق القدرة الطبيعية إلى تداخل مياه البحر بمياه الخزان؛ وبالتالي ارتفاع نسبة النترات والأملاح الذائبة".

صلاح الصادي يحصدُ جائزةَ معالجة تلوث مياه الشرب بالتكنولوجيا الخضراء
بذور الشيا لإزالة النترات
حول الآلية الصديقة للبيئة التي استخدمها، يقول الباحث الصادي: "لقد استخدمت بذوراً معينة من النباتات، وقد تمت معالجتها بطرقٍ صديقةٍ للبيئة دون الحاجة إلى استخدام أي من المواد الكيميائية"، لافتًا إلى أن فكرة مشروعه نبعت من كون 68% من المياه غير صالحة للشرب.
ويتابع: "هذه البذور تُوظف لاستخدامها كفلاتر أو مرشحات، سواء في أحواض لمعالجة المياه الملوثة، أو في فلاتر بأشكالٍ وأنواعٍ مختلفةٍ من أجل إزالة الملوثات من المياه، وتوضع في قوالب تسمح بتبادل الخليط الحيوي مع المياه، واستقطاب الملوثات ضمن هذه القوالب، ومن ثم يعاد تدويرها من خلال إزالة المادة الحيوية، واستخدامها مرة أخرى في معالجة المياه.
وعن ميزة هذه الفلاتر الحية، يوضح بأن أي شخص بإمكانه استخدامها دون أي إشكالية تـُذكر.
ويضيف الصادي؛ صاحب الوجه المبتسم: "الذي أسعى إليه في الوقت الراهن؛ من خلال هذا البحث أن يتمَّ عمل مشروعٍ كاملٍ أو عمل نظامٍ متكاملٍ على كلا الجانبين: الجانب الأول معالجة المياه واستخدامها في الزراعة، والجانب الثاني معالجة المياه واستخدامها في مياه الشرب".
وعن كمية النترات في المياه بقطاع غزة يقول الصادي الذي بات أنموذجًا في الإبداع والتميز والابتكار في إطار البحث العلمي رغم جائحة كورونا: إنها كبيرةً جدًّا، وتفوق المعدل العالمي، لافتًا إلى أنه سبق وأن أُجري فحص لبعض الآبار كعينة عشوائية، وتبين بأن نسبة النترات تصل من (300-600) Ppm(وحدة من المليون)، بيد أن المعدل الطبيعي لمنظمة الصحة العالمية والمنظمات الأخرى مسموح ب(50). ويكشف النقاب عن استخدام بذور الشيا في إزالة هذه النترات، والتي أعطت نتائجًا مذهلةً جدًّا، تصل لنحو (93-94) في المائة بإزالة النترات.
ووصف خبراء في الشأن الزراعي والبيئي دراسة الصادي بالفكرة البحثية التي نجحت في إيصال فكرة معينة، في حين أن تطبيقها على نطاقٍ واسعٍ يشمل القطاع كله تحتاج إلى دراساتٍ أخرى خلال الفترة المقبلة.
ويطمح الصادي الحصول على درجة الدكتوراة، والتوسع أكثر في البحث عن تحلية مياه قطاع غزة الذي يعاني من نقصٍ في المياه الجوفية وزيادة في أعداد سكانه.
ويعد افتقار المواطنين الفلسطينيين إلى الكميات الكافية من المياه مشكلة دائمة، نشأت جراء سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على التمييز والحرمان واستغلال الموارد المائية الفلسطينية، ويتضح ذلك جلياً في فرق الحصول على المياه بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ فيبلغ استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه نحو (72) لتراً للفرد في اليوم، فيما بلغ مقدار استهلاك الفرد الإسرائيلي للمياه نحو (300) لتر يومياً بل إن الفلسطينيين يعيشون في بعض التجمعات القروية على أقل كثيراً من (72) لتراً للفرد في اليوم، ولا يكاد يزيد في بعض الحالات عن (20) لترًا يومياً.