كلية الزراعة/ جامعة سوهاج
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في الحلقة السابقة استعرضنا أربعة أنواع من التلوث بشيء من التفصيل، وفي هذه الحلقة نتناول أنواعاً أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها ولا بد من وقفة حازمة للَجم أضرارها، ويبقى التحذير قائماً من التلوث الناجم عن أنشطة الإنسان التي تقود إلى عواقب وخيمة.
5- التلوث السمعي (الضوضائي)
- تُعرف الضوضاء بالأصوات التي لا يرتاح الإنسان لسماعها؛ إذ ينفر تلقائياً منها لعدم تقبله لها. فهي أصوات غير منتظمة لا معنى لها، فضلاً عن أنها ذات تردّد عالٍ وتؤدي إلى إهتزاز طبلة الأذن بشدة، وذلك على عكس الأنغام الموسيقية التي نطرب لها ونتفاعل معها ونسعد عند سماعها.
- الضوضاء لا تقف عند حد أن تكون مصدراً للإزعاج، بل يمكن أن تعرّض صحّة البشر للخطر؛ ويصاحب الضجيج بأنواعه مشاكل عدة من الناحية النفسية والصحية والعقلية على المدى القريب والبعيد.
مصادر التلوث الضوضائي
أولاً: ضوضاء وسائل النقل:
ومصدرها بشكل أساسي من السيارات والحافلات وعربات النقل والدراجات البخارية. وتتسبّب كل هذه الوسائل بالضوضاء بشكلٍ مختلف، وهذه الضوضاء هي الأكثر شيوعاً وتأثيراً على حياة الناس.
ثانياً: الضوضاء الصناعية:
مصدرها المصانع وأماكن العمل، وهي تؤثر على العاملين في هذه الأماكن وعلى عامة الناس، نتيجة تعرّضه اليومي لهذه الأصوات، وتلحق الضرر المباشر بحاسة السمع على المدى الطويل.
- ثالثاً: الضوضاء الاجتماعية:
وتأتي من شبكة العلاقات حولنا مثل الجيران؛ فضلاً عن أصوات الحيوانات الأليفة في المناطق الريفية، والأنشطة المنزلية، وأصوات الأشخاص أنفسهم.
- رابعاً: ضوضاء الماء:
لعلنا نتساءل: هل من ضوضاءِ في البحار والمحيطات أو في الماء بشكلٍ عام- بطبيعة الحال توجد، لكن الإنسان هذه المرة لن يكون هو الوحيد المتأثر بما تسبّبه له من مشاكل، بل تشاركه الكائنات البحرية من الأسماك والحيتان، إذ أن صوت الأمواج يمكن أن يكون مصدراً للإزعاج، وكذلك أصوات محركات السفن.
وتكتسب الضوضاء في البحار أهميتها من كونها أوسع رقعة من اليابسة، ومن ثم فإن المخاطر التي تصيب الأحياء البحرية أشد، ذلك أن الضوضاء تُمثّل واحداً من مصادر التلوث التي تضر بالحياة الطبيعية تحت الماء.
الآثار المترتبة على التلوث السمعي
تشير الدراسات إلى أن التلوث الضوضائي قد يتسبّب في ردود فعل غير متزنة، كالشرود الذهني، وفقدان القدرة على التركيز، وإرتفاع ضغط الدم، والإفراز الزائد لبعض الغدد، مما يُسبِّب ارتفاع نسبة السكر في الدم، والإصابة بقرحة المعدة، وأوجاع الرأس والشعور بالتعب والأرق.
وتذكر بعض الدراسات التي أجراها العلماء النمساويون أن عمر الإنسان يقل من 8 إلى 10 سنوات في المدن الكبيرة بالمقارنة مع سكان الأرياف بسبب التلوث الضوضائي.
وفي لوس أنجلوس، أظهرت الدراسات أن ضغط الدم عند أطفال المدارس الواقعة بالقرب من المطار أعلى منه لدى أطفال المدارس البعيدة عنه، كما أن سرعتهم في حل المسائل الرياضية أقل، وعند إخفاقهم في حل المسألة سرعان ما يلقونها جانباً ولا يحاولون إعادة حلها.
وحسب نتائج بعض الدراسات التي نُشرت في إنجلترا فإن واحداً من كل أربعة رجال؛ وواحدة من كل ثلاث نساء يعانون من الأمراض الناتجة عن الضوضاء. ويشكو 16 مليون عامل في الولايات المتحدة الأميركية من الضوضاء في المصانع التي يعملون فيها، وتُقدّر الأضرار التي تُصيب العمال وتؤدي إلى الانقطاع عن العمل بنحو 4 مليار دولار سنوياً.
نصائح للحد من الضوضاء
- تخطيط المدن مع الاحتفاظ بالغطاء الأخضر، لأن الأشجار تمتص نسبة كبيرة من الأصوات، بالإضافة إلى جعل الشوارع متسعة لتخفيف الإزدحام.
- عدم استخدام المنبهات عالية الصوت في السيارات.
- عدم التسبُّب بالضوضاء للغير ومراعاة صحة الآخرين.
- تجنب القيام بالأنشطة الحيوية في ساعات متأخرة من الليل وإقامة الحفلات الصاخبة ليلاً.
- خفض صوت التلفزيون والراديو.
- ضمان سلامة الأدوات الكهربائية حتى لا تُصدر أصواتاً مزعجة عند استخدامها.
6- التلوث البصري
التلوث البصري يحدث عند «وجود أي مشهد غير مرغوب فيه» ومن شأنه أن يدمر المظهر الجمالي لمنطقة محددة، وكل شئ تنفر العين من مشاهدته يندرج تحت مسمى "التلوث البصري"، بسبب تشويه المنظر العام في الشوارع والميادين والتجرؤ على الطبيعة.
من أمثلته:
القمامـة: وضع القمامة خارج الحاويات المخصصة، والحاويات نفسها قد تبعث على الاشمئزاز بسبب الرائحة الكريهة، أو جراء تجمع الحيوانات بحثاً عن الطعام.
إهمال التخطيط العمراني: الكثيرون لا يراعون التخطيط العمراني، ومن أشكاله ترك فراغات وعدم التناسق مع الأبنية الأخرى مما ينتج عن ذلك تلوث بصري، أو قد يلاحظ وجود مباني مُهدمـة وسط العمارات الشاهقة.
الألوان غير المتناسقة: تناسق الألوان يبث روح الجمال الشيء سواء كان ذلك مبنى معماري أو لوحة فينة.
ولو ألقينا نظرة على اللافتات ولوحات الإعلانات المعلقة في الشوارع سنجد ألوانها لا تخلو من الاضطراب.
السيارات المحطمـة في حـوادث المرور.
أضرار التلوث البصري:
يخلّف التلوث البصري العديد من الأضرار التي قد تؤدي إلى تدهور صحة الإنسان ومعنوياته، فعند التأمل في المساحات الخضراء أي الحدائق والأشجار نجد أن المرء يصبح قادراً على التفكير الإيجابي والإبداع ويتحسن حاله، أما من يعيش في منطقة مقفرة تنتشر في أرجائها النفايات وتفوح الرائحة الكريهة، عندئذٍ تنطفىء روحه.
نصائح للحد من التلوث البصري
يقع على عاتقنا حكومة وأفراداً تقاسم المسؤولية، ولن تتوقف المشكلة دون أن يكون الجميع على دراية بأضرارها.
- لا بد من وضع قوانين حازمة، تردع من لا يحترم حق غيره في العيش في أماكن نظيفة خالية من التلوث.
- الحد من التصرفات الفردية التي قد تبدو بسيطة ولكنها من مسببات التلوث البصري، مثل إلقاء القمامة في الشوارع بدلاً من إلقاءها في صناديق القمامة.
- تنظيم الأحياء العشوائية وتوفير بنية تحتية أساسية ملائمة، والاهتمام بنظافة تلك المناطق بشكل خاص.
7- التلوث الضوئي
وهو الضوء الصناعي الزائد عن الحاجة، والذي يَنفذ بطريقة خاطئة خارج المنطقة المراد إنارتها، كمواقف السيارات والساحات والطرق أو حتى إضاءة الزينة أو الاحتفالات، ما يتسبب في وصول الضوء لمناطق لا ينبغي أن يصلها، لا سيما عندما تتلوث السماء في الليل بسبب الإضاءة الكهربائية المفرطة.
أسبابه:
- التغيرات البيئية.
- التغيرات الوظيفية للأنظمة البيئية.
- زيادة التمدد العمراني والمدن الكبري.
- عدم توافر دراسات كافية عن حجم الأضرار، وآثار التلوث الضوئي.
- غياب الوعي بالثروة البيئية.
تأثير التلوث الضوئي:
ويتلخص في النقاط التالية:
- ظهور ما يعرف باسم "الوهج السماوي الصناعي"، أي انتشار الضوء المنعكس من الإضاءة الكهربائية في الأفق، في جميع أنحاء العالم.
- يؤثر هذا التلوث على سلامة الحيوانات الليلية بشكل كبير كالوطاويط وأنواع مختلفة من الطيور والفراشات الليلية والبرمائيات.
- اختلال التوازن البيئي.
نصائح للحد منه:
- الاهتمام بالبيئة والغطاء النباتي والحيواني بشكل أكبر.
- إنارة ما يحتاج إليه الشخص فقط داخل المنزل وخارجه من أماكن ومساحات.
- الحرص على تشغيل الإضاءة الضرورية فقط وبالحد الأدنى.
- ساعة الأرض (Earth Hour) وهي حدثٌ عالمي سَنوي من تَنظيم الصندوق العالمي للطبيعة، حيث تُطفأ الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية لمدة ساعةٍ واحدة من الساعة 8:30 حتّى 9:30 -في توقيت الدولة المحلي ليتشجع الأفراد والمجتَمعات ومُلّاك المنازل والشَرِكات على إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية في آخر "يوم سبت" في شهر مارس من كل عام، وذلك لرفع الوعي بخطر التغير المناخي. وكانت مدينَة سيدني الأسترالية هي أول من بدأت بهذه الحملة في عام 2007، ومنذ ذلك الحين، نما هذا العدد ليُصبِح أكثر من 7000 مدينة وقرية حول العالم.
8- التلوث الغذائي
ويُعرف بأنه احتواء الطعام أو الماء على ما يجعله غير صالح للاستهلاك الادمي أو الحيواني، سواء كانت كائنات دقيقة ضارة، أو مواد كيماوية سامة أو غذاء ملوث بالمواد المشعة القاتلة، وقد يترتب على تناول الغذاء إصابة المستهلك بالأمراض، التي تعد أشهرها أمراض التسمم الغذائي.
أسـباب التلوث الغذائي:
اولاً: العوامل البيولوجيـة وتشمل :
أ – نشاط الأحياء الدقيقـة مثل البكتيريا والخميرة والفطر:
التلوث البكتيري:
ومثال لذلك إفرازات ميكروب كوليستريديم وهو ما يعرف بالتسمم البيتولوني الذي يكثر في الأغذيـة المطهيـة والمكشوفـة في درجـة حرارة الغرفـة لفترة طويلة.
تلـوث ناتج عن نشاط الخمائـر ، وعادة تنمو هذه الخمائر في العصائر والعجائن المحفوظة تحت ظروف صحية غير مناسبة.
تلوث ناتج عن فطريات مثل فطر الأسبرجلس والبنسليوم والأفلاتوكسن وهذه الفطريات تنمو على الفواكـه والبقول والآعلاف وتفرز التوكسينات الخاصة بها؛ ما يؤدي إلى إصابـة الإنسان أو الحيوان بالتسمم.
- (ب) تحـلل أنزيمي:
- هذا النوع قائم على نشاط أنزيمات الغذاء وخاصة الخضر والفاكهة الطازجـة والمحفوظة في ظروف تخزين غير مناسبة؛ مما يتسبب في إستمرار النشاط الأنزيمي ويؤدي إلـــــى تغيير في لون وطعم وقوام هذه الأغذيـة وكذلك ظهور روائح غير مرغوبـة مما يؤدي إلى رفض المستهلك لتناولها.
ومن أشهر أنزيمات التحلل البروتيز؛ وهي الأنزيمات المحللة للبروتين والليبيز وهو الأنزيم المحلل للدهون. وكذلك الأميليز وهو الأنزيم المحلل للنشا.
(ج) غزو الحشرات والقوارض والطفيليات:
يحدث ذلك عادة في مراحل تخزين الغذاء في مخازن غير مستوفية للشروط الصحية، عندما تتسلل الحشرات والقوارض إلى هذه الأغذيـة مُخلّفـة وراءها براز القوارض وشعرها مما يجعلها غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
ثانياً العوامل الكيميائيـة وتشمل:
1ـ المواد المضافـة.
2ــ وجود بقايا المبيدات الحشرية في الغذاء بتركيزات أكثر.
3- وجود بقايا الأسمدة والمركبات البيطرية.
4- تلوث الغذاء بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص.
5- تزنخ الزيوت والدهون أنزيمياً أو بالأكسدة الهوائيـة.
- 6- فساد المعلبات وأشهرها الإنتفاخ الهيدروجيني الذي ينتج من تفاعل معدن جدار العلبة مع أحماض الغذاء وانطلاق غـاز الهيدروجيـن.
- 7- تغير لون الغذاء نتيجـة حدوث تفاعلات كيميائية، ويعني تفاعل السكريات الأحاديـة مع الأحماض الأمينيـة وأكسدة فيتامين (ج) نتيجـة لوجود النحاس وتحوله إلى اللون البني مثل عصائر البرتقال وأكسدة الكاروتين في الجزر المحفوظ بالتجميد وتحويله إلى اللون الأصفر غير المرغوب فيه.
ثـالثاً : عوامل طبيعيـة للتلـوث : لنعرض بعض الأمثلة
- وجود مادة السولانين في البطاطس الطازجـة وهي مادة مثبطة لنشاط الوصلات العصبية في الجهاز العصبي للإنسان والحيوان.
- هناك أحماض في العرقسوس تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم.
- المركبات المثبطة للأنزيمات الهاضمة للبروتين مثل مثبط البيبسين؛ والتي تؤدي إلى تثبيط أنزيمات الهضم كما في فـول الصويا .
الاثار السلبية الناتجة عن التلوث الغذائي
- ظهور العديد من حالات الإسهال في الدول الناميـة نتيجـة للتلوث الجرثومي للغذاء، مما ينتج عنه سوء امتصاص وتدهور الحالة الغذائية والتخلف العقلي وتأخـر النمو، وتوجد أمراض أخري غير الإسهال وتنتقل عن طريق الغذاء مثل التسمم البوتيولوني.
- أمراض التسمم الغذائي وهي أكثر انتشاراً في الدول الناميـة.
- ضعف الجهاز المناعي في الجسم وانتشار الأورام السرطانية.
- الشيخوخة المبكرة وتسمم الدم والإرهاق العصبي.
- الإصابـة بأمراض القلب والرئتين.
- انتشار الأمراض المزمنة.
- ب - العواقب الإقتصاديـة والإجتماعيـة:
إن التأثير الإقتصادي لتلوث الغذاء يواجه إهتماماً كبيراً في معظم دول العالم، إلا أن العواقب لم تدرس بشكل منتظم إلا في حدود ضيقة لارتفاع التكاليف الإجمالية التي سببّها تلوث الغذاء وتشمل قيمة المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية وخسارة الإنتاج والدخل القومي.
1- يؤثر تلوث الغذاء على الاقتصاد في العالم ويشمل ذلك قيمة المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانيـة التي يتم إتلافها نتيجـة التلوث.
2- هناك تكاليف باهظـة، تكلف الدولة نظير معالجـة الأمراض التي يسببها التلوث، ناهيك عن الموت المبكر والعجز.
- ج – عواقب تلوث الغذاء على التجارة العالمية:
تشكل تجارة الأغذية (الاستيراد والتصدير) جانباً كبيراً في حركة التجارة العالمية، مما يؤثر عليها بين الدول المصدرة والدول المستوردة بفرض قيود على نوعية بعض السلع.