خاص بآفاق البيئة والتنمية
مدرسة برقين
مر على تدشين مدرستي مئة عام والذكريات لم تبهت، كان صفّنا "الصف الأول تحديداً" في الطابق الأرضي فيما تعلوه غرفة المعلمين، وبزهوٍ وقفت شجرة التين الباسقة على مقربة من الفصل، وإلى الشرق منه كان يتواجد الملعب، وفي باحته دورات المياه.
أتذكر وقتها؛ لم يكن هنالك فصل بين المراحل الدراسية الثلاثة؛ الأساسية والإعدادية والثانوية.
وفي ذلك الحين متّعتنا سلسلة "باسم ورباب" بجمال الربيع وأزهاره من خلال دروس القراءة، إلا أن مدرستنا كانت تعطينا في جمال الطبيعة دروساً "على الأرض".
زهر لوز
أشجار اللوز كلما أزهرت فاحَ شذاها وأنعشت روحنا. لقد تعاملت إدارة المدرسة بصرامة مع كل من تسول له نفسه قطف اللوز الأخضر من أشجارها العامرة، حتى أن الأجيال السابقة كانت تدفع غرامة كلما تجرّأ أحدهم للتعرض للثمار.
ومن المؤسف أن أشجار اللوز اختفت من مدرستنا، وبغيابها خسرنا جزءًا من ذاكرة المكان، لا تقلقوا! فلدي خطة لغرس اللوز في الحديقة الجديدة للمدرسة، وهل بعد اللوز زهر!
لم نعرف حينها السلام الوطني، ولا الإذاعة، ولا الزي المدرسي، كنا نرتدي ما نشاء، بخلاف الإناث؛ كن يلبسن المريول النيلي والأبيض، ثم الأخضر والأبيض، وبقي الأخير حاضراً.
في أول زماننا؛ لم يكن في المدرسة "مقصف"، وكان الباعة المتجولون يأتون وقت التقاط الأنفاس (الاستراحة) لبيع الفلافل، والمثلجات، وكنا شهود عيان على مصارعات حامية الوطيس بين الباعة. بعض منا كان ينتهز الفرصة ويتسلل إلى بيته لإحضار فطوره، وغالبًا تحتوي الوجبة على "خبز طابون وربّ بندورة مع زعتر بصناعة بيتية، أما الماء كنا نشربه من جيراننا ومن منزل الحاج ياسين صبح.
مدرسة برقين عام 2019
أولاد صفي
رائحة أشجار السرو لا تزال تسكننا، وآذاننا لم يفارقها حفيف الأشجار الباسقة، نتذكر أيام المطر والحر، ونستعير رائحة "الدفلى" التي كانت تغني في الزاوية الشمالية، ونترحم على طيبة قلب سادن المدرسة أبو خالد جرار.
كان صفنا مكتظًا، نحو ستين طالباً في شعبة واحدة، أسرد أسماءهم اليوم -بالترتيب الأبجدي- مع مهنهم، التي ربما تشير إلى خياراتنا العملية، وتحكي عن قصتنا الوطنية، وترصد حالنا على الصعيد الصحي والاجتماعي والإنساني:
أحمد حسن سمور ( موظف في جهاز أمني متقاعد).
أحمد عامودي ( قصاب).
أحمد صبري شلبي (عامل).
إياد شلاميش ( ارتقى شهـيدًا).
أسيد محمد مصطفى خلوف ( طبيب توفي في عز شبابه).
بلال صبحي صباح ( مهندس حاسوب).
بلال عوض شهاب ( صاحب بقالة).
بسام على عتيق ( توفي بالسرطان).
باسم إبراهيم حمّاد ( مزارع).
باسم عمر قاسم عتيق ( تاجر ثم عامل).
جميل حمادة ( موظف في مكب زهرة الفنجان).
حسين صبّاح ( موظف في جهاز أمني).
حسن منصور أبو خالد ( مزارع).
حسام مصطفى عتيق ( موظف ومزارع).
خالد صبح ( صاحب مغسلة سيارات).
رائد جبور ( تاجر).
راتب خالد خلوف ( تاجر وكهربائي).
راجح قدوره هندي ( مزارع).
ربيع سعيد حامد ( سائق)، ربيع حسين أبو الحوف ( كهربائي وفني)، ريمون غنيم (توفي في حادث سير)، زياد طالب أبو خالد ( نجار)، ساهر صبح ( صاحب مغسلة ومحل بناشر)، سامر عتيق ( مزارع)، شامان حسين صبح (ارتقى شـهـيدًا)، صلاح صبح ( عامل)، صلاح صابر شلبي ( عامل)، طارق عبد الرؤوف عتيق ( طبيب في ألمانيا)، عبد الباسط خلف ( صحافي)، عبد الرحمن أبو الحوف ( صاحب مخبز)، عبد الكريم لطفي حمادة ( سائق)، علي خالد حمدان (تاجر)، عمار يحيى صابر شلبي (مزارع)، عمر ماجد عتيق ( موظف في جهاز أمني)، عثمان عرسان ( موظف في شركة خاصة)، قاسم عارف قدورة هيندي ( مزارع)، التوأم: قيس وقيصر غازي عباس( صاحب معصرة وسائق جرار نقليات)، قيصر وليد غانم ( عامل)، ماهر خالد سعيد ( موظف في جهاز أمني)، محمد سالم عامودي ( عامل بناء)، محمد صلاح خلف ( محام توفي في عمان بحادث سير)، محمد مساد ( قصّير)، محمد غانم (سائق)، محمود جابر أبو الحوف ( موظف في مستشفى الرازي)، محمود صالح خلف (أستاذ جامعي)، مجاهد عامودي( قصّاب)، مسعود رشيد ( توفي غرقا)، محمد عارف مساد، مصطفى نمر ورداني (سائق وعامل) مدين طالب فرحان (تاجر)، معصتم ياسين صبح ( مغترب في إسبانيا)، مهند أبو عودة (توفي في عز شبابه بحادث عمل مؤسف)، معين جبور ( تاجر)، نضال لطفي خلف ( مزارع)، نضال ذيب جواد ( مدرس)، هيثم عبد الله عتيق ( معلم بناء)، وليد الصايغ (تاجر دراجات)، يوسف عبد اللطيف خلف (مصور).
مرج ابن عامر
خسارة على المرج!
"الرسالة التي لن تصل" عنوان رسالة مفتوحة كتبتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والمُرسل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقد ورد فيها: "السيد الرئيس، هل أخبركَ أحد من مساعديك بأن المنطقة الصناعية في جنين، التي صادقتَ على تطويرها في اليوم الموافق (13 شباط من عام 2021) دمرت مئات الدونمات من الأراضي الزراعية عالية الخصوبة في مرج ابن عامر، بعد استملاكها؟
يرد رئيس بلدية جنين الأسبق د. حاتم جرار: "صديقي، من الأفضل أن توجه السؤال إلى غيره، وكوني واحد من المتضرّرين باستملاك أرض لي، فقد طرقت أبوابًا مسؤولين كُثر، وعندما كنت رئيساً للبلدية، أيضاً، راجعت أعلى المناصب، واقترحت نقلها إلى منطقة رمانة والطيبة، حيث الأرض جبلية، وحدودية ولا تحتاج بنية تحتية كما في السهل، الكُل رفض وبشدة".
وفي اجتماع مع أحد محافظي جنين السابقين، وبحضور جميع أصحاب الأراضي، اقترحت عليه أن يبلغ الحكومة برغبتنا في نقلها إلى تَلّة عرانة القريبة، وهناك لن يتضرّر مرج بن عامر، رفض قائلاً أمام الجميع: (هذا قرار حكومي، لا أحد يستطيع زحزحته ولو لمتر واحد".
لقد تم الاستيلاء على أراضينا قبل وصول أردوغان للحكم بسنوات عديدة؛ لست بصدد الدفاع عنه! أنا ابن فلسطين وهو تركي، ولكن قبل أن نكيل الإتهامات لغيرنا، لننتقد أنفسنا، ولننظر من سبب هذه الكارثة؟".
فيما رد الصحافي نهاد الطويل: "إنها قضية مهمة داخل تركيا. لا يجوز تدمير الأرض الزراعية مقابل الصناعة".
أما د. عماد دواس عقب قائلاً: "المنطقة الصناعية التهمت 1000 دونم من مرج ابن عامر؛ والتي تعد أخصب منطقة في الضفة الغربية."
آمنة ابو هنية ابنة قرية شحمة المدمرة
وداعاً حرّاس الذاكرة
غيّب الموت مؤخراً؛ آمنة يوسف أبو هنية (94 عامًا)، ابنة قرية شحمة المدمرة، وأم أول شهيد في مخيم الفارعة مع بداية اندلاع انتفاضة الحجارة.
قابلتُ أم علي أربع مرات، وكانت من أبرز الشاهدات بــ "الصوت والصورة" على وجع النكبة، وقد حدثتني في وقت سابق عن معالم وتضاريس بلدتها "شحمة" وجيرانها (قطرة، وبشيت، والمسمية، ويبنة، والقشّة، ونجيلة).
وأخبرتني عن ثوب قريتها المطرز، بقماشه الذي يجمع اللون الأبيض والأزرق والأسود والأحمر والأخضر، وتعلوه الغدقة البيضاء "غطاء الرأس" الذي يصنع يدويًا.
ولم تمّل "العجوز" من رواية القصص عن شحمة، وجدها حسن، أول مختار للبلد، وأطباق قريتها، وأزهارها البرية، وجُميزها، وقمحها، وحقولها.. هي التي غنت لنا أهازيج أعراسها.
ومما قالته: "كان لزوجي بئر ماء، وحين قررنا الرحيل بعد هجوم اليهود، ذهب لإطفاء الماتور وقال بنبرة الواثق: "يوم أو اثنان ونعود بإذن الله".. هربت آمنة مع عائلتها وأهالي شحمة نحو خربة "مغلس"، ثم إلى بيت جبرين، فعجور، ووصلت "بني نعيم"، وأقامت فترة في الكهوف، وفي ذلك الوقت هطلت عليهم ثلوج كثيفة".
ومن آخر بوحها - رحمها الله - قصة عبد المنعم، الفتى الأسمراني؛ قصير القامة؛ صاحب الشعر الناعم والوجه المربع، الذي غاب عنها للأبد في تشرين أول/ أكتوبر من عام 1989، في مواجهات مع جيش الاحتلال داخل مخيم الفارعة وأصابته رصاصة في مقتل، كان في الصف الثاني الإعدادي، هناك أُزهقت روح الفتى الذي لطالما حلم أن يصبح معلمًا.
نسخ ولصق
على ما يبدو أن "السيد جوجل" أتلف عقولنا وقلوبنا. استضفتُ ذات حوار، شقيق أحد قادة ثورتنا العِظام، وطلبت منه أن يحكي لنا قصصاً إنسانية نتلهف لسماعها عن أخيه. يا للهول! نسخ الرجل في ورقة نقلاً عن محرك البحث معلومات أقل من عادية عن ابن أمه وأبيه. وقتها شعرت بالخذلان، من المُخجل أن نصبح رهائن للنسخ واللصق حتى في التفاصيل التي تخص أحبتّنا!
غيث القرن
تجمع من مخطوطات المرحوم مخلص محجوب الحاج حسن، وسجل الأرصاد الجوية، وبياناتك الشخصية أمطار جنين خلال مئة عام، تبدأ من 1921 (السنة الأعلى) التي شهدت 1234 ملم. ومن السنوات الباررة التي سجلت أكثر من 700 ملم: 1929، و1945، و1950، و1992، و2003، و2019، و2020.
أما السنة الأقل مطرًا فكانت عام 1947 بـ 253 ملم، والأعوام التي تدنت فيها الأمطار عن 400 ملم هي: 1936، 1944، و1946، و1948، و1955، و1959، و1960، و1963، و1966، و1978، و1979، و1982، و1984، و1985، و1986، و1994، و2001، و2006، و2007، و2008، و2010، و2011، و2012، و2016، و2017. وفي الموسم الحالي، وحتى 21 شباط، سجلت برقين جارة جنين 605 ملم بـ 35 يوم هطول.
aabdkh@yahoo.com