خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتسم التربية البيئية في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، باتخاذ المنهج النظري الذي يعتمد على التلقين أكثر من التطبيقي العملي، ما يعني ضرورة العمل على تعزيز المشاركة من خلال العمل التطبيقي لترسيخ المفاهيم البيئية وتعزيز علاقة الطالب مع محيطه. ويتم ذلك من خلال الحدائق المدرسية والرحلات للمناطق البرية وكذلك الرحلات للمكبات والمناطق التي تعاني من مشاكل بيئية محددة. ولا يمكن إغفال أهمية التجارب العلمية في التعرف على المشكلات البيئية والتعامل مع الهموم البيئية بشكل ملموس وتعزيز دور التفكير التحليلي في إيجاد الحلول لها ومتابعة المستجدات.
ولا بد من الاشارة الى نقاط عديدة في هذا الاطار أهمها عدم اغفال التوعية بدور الاحتلال في تدمير البيئة الفلسطينية ونهب الثروات الممنهج، ومن المعروف أن المنهج الفلسطيني الموجود حاليا هو التجربة الوطنية الأولى، لكن لا ضير من الاسترشاد بمناهج الدول العربية المجاورة مثل الاردن ولبنان ومصر، خاصة وأن الموضوعات البيئية والجغرافية مترابطة ومتشابهة إلى حد بعيد.
ولا بد كذلك من إبراز خصوصيات الحالة الفلسطينية في منهاج التربية البيئية مثل دور المستوطنات والاحتلال بشكل عام ضمن أهم العوامل المؤثرة (سلبيا) في البيئة الفلسطينية، خاصة وأن الطالب يسمع ويعيش بشكل يومي ممارسات الاحتلال في قطع الأشجار وحرق المزروعات وتصريف المياه العادمة للمستوطنات في القرى والأراضي المزروعة ومصادرة الأراضي والتلوث الصناعي المرتبط بالمستوطنات. فلا بد من ربط هذا العنصر بالمنهاج المدروس لزيادة التفاعل مع الموضوع وإكساب الطالب شعوراً بواجبه البيئي وزيادة وعيه نحو هذه الأخطار البيئية وآثارها، وتحويل البيئة من مفهوم مجرد جامد إلى محيط حي يتفاعل مع الطالب ويتفاعل الطالب معه.
 |
| درس أحياء في الحديقة |
تاريخ التربية البيئية
ظهر الاهتمام بمفهوم التربية البيئية في السبعينيات وذلك نتيجة التفاقم الملحوظ والملموس في التلوث البيئي ونقص الطاقة، والذي كانت آثاره تظهر جلياً على شكل أمراض متزايدة ومتجددة، إلا أنه وبالرغم من إدراك الأمر، فإن التدهور العالمي للبيئة متزايد بشكل أصبح من المستحيل الحد منه بالطرق الردعية، ومن هنا، زاد الإيمان العالمي بضرورة إيقاظ الوازع الأخلاقي للفرد.
ظهرت أهمية مفهوم التربية البيئية من إدراك الإنسان أن التشريعات والقوانين الساعية للحفاظ على البيئة وحمايتها غير كافية، وأنه لا بد من ايجاد عنصر الرقابة الذاتية المتمثل بالجانب التربوي. وتسعى التربية البيئية إلى لفت اهتمام الأفراد من كل الأعمار في أي مجتمع نحو البيئة بمفهومها الشامل، بمعنى أن البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان وهي مرتبطة بكل جوانب حياته ونشاطاته. وبالطبع، فإن وظيفة تعزيز مفهوم التربية البيئية لا تقتصر على المناهج، بل تمتد إلى الإعلام والمؤسسات الأهلية والتي تستهدف برامجها جميع الأفراد في مجتمع معين. ومن أهم العاملين في هذا المجال مركز العمل التنموي / معا الذي وضع نشر الوعي بالتربية البيئية من ضمن أهدافه الرئيسية، وعمل على تشكيل مواد بيئية تستهدف طلاب المدارس لتدعم تطبيق عنصر المشاركة في المناهج الرسمية. وقد أصدر المركز دليلين هامين في مجال التربية البيئية، يعتبران الأولين من نوعهما في المستويين الفلسطيني، بل وربما العربي أيضا.
الدليل الأول هو "الدليل المرجعي في التربية البيئية" عام 2007؛ أما الدليل الثاني فهو الدليل التطبيقي في التربية البيئية عام 2011، وذلك بالتعاون مع سلطة جودة البيئة الفلسطينية وعدد من الخبراء والمؤسسات البيئية. وقد تبنت وزارة التربية والتعليم الدليلين وعمدت إلى تعميمهما على المدارس الحكومية للاستفادة منهما كمرجع توجيهي وتطبيقي للمقررات الرسمية، وللنشاطات غير المنهجية على حد سواء. كما أنشأ مركز معا مؤخرا مركزا خاصا للتوعية والإرشاد الزراعي البيئي في بيت قاد (جنين)، يشمل تطبيقات للمشاهدات والتدريب في مجال طرق وتقنيات زراعية عضوية وبيئية بالتكامل مع الاستزراع السمكي.
وتتبنى التربية البيئية أيضا حملات إعلامية تعنى بترشيد استهلاك المياه وتقنين استخدام الطاقة غير المتجددة، وفصل النفايات المنزلية وحماية الحياة البرية، والتوعية بمخاطر استخدام المبيدات الزراعية والحشرية، وإشراك المواطنين وخاصة فئة الشباب في حملات تنظيف الأماكن العامة، وحملات زراعة الأشجار، وتشجيع مفهوم التطوع لصالح البيئة..
أبعاد التربية البيئية
وتشمل التربية البيئية عدة أبعاد أهمها: (1) البعد الإدراكي والذي يعني التزود بالمعرفة واكتساب الفهم الأساسي للبيئة والمشاكل التي تعاني منها وأسباب المشاكل وطرق ارتباطها ببعضها، والوعي البيئي أي خلق الوعي بالواجبات البيئية ومصادر الأخطار وتعزيز ارتباط الفرد بالبيئة؛ (2) البعد المهاراتي والذي يعني اكتساب المهارات التي تساعد في حل المشكلات البيئية أو الحفاظ على البيئة وحمايتها وتنمية هذه المهارات؛ و(3) البعد الانفعالي ويعني المشاركة الإيجابية في الحفاظ على البيئة، وفي تنمية ميول واتجاهات الأفراد والجماعات للعمل على حل المشكلات البيئية الحالية وتجنب حدوث مشكلات بيئية جديدة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المداخل الأساسية لإدراج التربية البيئية في منهاج التعليم العام يتم بعدة طرق أهمها؛(1) المدخل الاندماجي والذي يعني إدماج قضايا بيئية في جميع المواد الدراسية والمقررات دون تغيير مضامين المواد الدراسية بل الاكتفاء بتوجيهها بيئيا؛ (2) مدخل الوحدات الدراسية أي إعداد وحدات بيئية ضمن المواد الدراسية؛ و(3) المدخل الجامع بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع والبيئة؛ و(4) المدخل المستقل اي وجود مقرر بيئي مستقل.
وإذا نظرنا الى التربية البيئية في التعليم النظامي في المنهاج الفلسطيني نجد تنوعا في طرق ادراج التربية البيئية، فنجد مقرر "علوم الصحة والبيئة" للصفوف من السابع الى العاشر كما نجد تواجدا لمفاهيم بيئية في المقررات المدرسية الاخرى سواء لنفس الصفوف ام للصفوف الاخرى من التعليم الاساسي والثانوي، مثل مقرر التكنولوجيا للصف السادس الذي تم التطرق عبره الى الأثر البيئي لعمليات التصنيع وموضوع ترشيد الطاقة غير المتجددة. وفي دراسة ( المحتسب، 2010) حول مقرر علوم وصحة البيئة الخاص بالصف العاشر، ذكرت الباحثة أن عدداً من المعايير التربوية المقاسة مثل نسبة الوحدات المختصة بالبيئة وعدد الانشطة البيئية وعدد الصور التوضيحية ونسبة الدروس البيئية في المقرر الدراسي تقل عن 50 % من هذا المقرر. وتظهر الدراسة عدم التوازن في عرض المفاهيم البيئية مثل إهمال موضوع التلوث الذي يعد ملحاً في أيامنا هذه أو موضوع الاكتفاء الغذائي.
كما انتقدت الدراسة جانب المشاركة والتفاعل في المقرر الدراسي وهي من أهم العناصر عند الحديث عن البيئة بشكل خاص، ولا بد من توضيح ارتباطها بالإنسان وما حوله لكي لا تتحول الى مادة جامدة تحفظ وتنسى بعد الامتحان. وفي دراسة (ابو جحجوح، 1999) لتقييم مدى تواجد القيم البيئية في مقررات العلوم للمرحلة الاعدادية في قطاع غزة تبين فيها على سبيل المثال احتواء كتاب العلوم للصف السابع على 18 قيمة بيئية والصف الثامن على 9 قيم، والتاسع على 13 قيمة من اصل 24 مقترحة.
الوسائل التربوية الناجعة
تتميز التربية البيئية بكونها عملية مستمرة تبدأ من مراحل ما قبل المدرسة وتمتد في جميع مراحل التعليم النظامي وغير النظامي. ويتوجب على واضعي المناهج والكتب المدرسية إدراج المفاهيم البيئية في مناهج جميع الصفوف الأخرى، ولا بد من تدعيم مفاهيم التربية البيئية في المراحل الأولى للصفوف من الروضة حتى السابع وامتدادها إلى المرحلة الثانوية والمناهج الجامعية. ويمكن إدراج المفاهيم البيئية ضمن جميع المقررات الدراسية، فمثلا في اللغة العربية تكتب مواضيع الإنشاء وتدرس نصوص تتناول قضايا ومشكلات بيئية وحلول مقترحة لها، ويمكن للطلبة البحث في الشبكة العالمية (الإنترنت) لزيادة معرفتهم حول هذه المشكلات. ويمكن تصميم أنشطة يقوم الطلبة فيها بحساب الخسائر الناتجة عن تلوث أو دراسة الطرق التقليدية وتصميم حلول جديدة للحد من انجراف التربة وزيادة تخزين التربة لمياه الأمطار.
من هنا تكمن أهمية الأخذ بالمنهج الجامع بين فروع المعرفة، فلا يمكن تدريس موضوع التربية البيئية دون ربطه بسائر نشاطات حياتنا والعلوم الأخرى. وهناك وسائل تربوية عديدة تجعل من طرح أي موضوع خاصة للصفوف الدنيا أمراً مثيراً للاهتمام وممتعا ومحفزاً في نفس الوقت. فمن الممكن تدريس المفاهيم الفيزيائية والرياضيات والأحياء وكذلك اللغات وحصص الفنون في الحديقة المدرسية. وذلك من خلال مراقبة النباتات الحشرات والأحياء الموجودة فيها. أشكالها وألوانها وطرق تفاعلها مع بعضها البعض ومع العوامل الطبيعية. كما ويمكن استخدام الدراما والأسلوب القصصي والرسوم المتحركة ومقاطع الفيديو واستراتيجيات حلّ المشكلات البيئية يتم فيها عمل منافسة بين مجموعتين من الطلاب لإيجاد الحل الأمثل لقضية بيئية محلية أو اكتساب خبرة عملية مباشرة كزراعة الأشجار أو نشاط يتم فيه صناعة السماد العضوي.
وتنبع ضرورة التركيز في وقتنا هذا بالتربية البيئية من المخاطر والمشكلات البيئية الآخذة بالتفاقم مع مرور الوقت. وإذا تم إغفال عنصر التوعية وخاصة للأجيال الصاعدة في هذا الموضوع، فلن تنجح أي تشريعات أو قوانين رادعة في الحد من الآثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يمكن أن تنجم نتيجة التدهور البيئي المستمر خاصة في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيلي. كما وأن التوعية البيئية الجيدة تخلق أجيالاً ستحمي الأرض وتعمل على تصحيح الضرر الحاصل لها، وتجند العقول لإيجاد حلول تخدم البيئة والمجتمع وتحافظ على موارده.