"المحميات الطبيعية" في الضفة الغربية أداة احتلالية لنهب الأراضي الفلسطينية واقتلاع أصحابها منها

محمية عين فارة- إميل سلمان
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
وادي قانا |
منذ نحو عامين تخطط ما يسمى "الإدارة المدنية" (الذراع "المدنية" للاحتلال الإسرائيلي) و"سلطة الطبيعة والمتنزهات" الإسرائيلية لاجتثاث أشجار الزيتون التي زرعها المزارعون الفلسطينيون في وادي قانا بمنطقة سلفيت (شمال الضفة الغربية). وقد صعد الاحتلال مؤخرا تحركه باتجاه اجتثاث الأشجار الفلسطينية في الوادي، إثر قرار ما يسمى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية التي لجأ إليها بعض أهالي قرية دير استيا ضد "الإدارة المدنية؛ علما بأن وادي قانا يعتبر امتدادا لأراضي تلك القرية. "المحكمة" اصطفت إلى جانب إدارة الاحتلال وقررت بأن الأخيرة "يحق" لها اجتثاث الأشجار في وادي قانا، وذلك تثبيتا لقرار "الإدارة المدنية" باقتلاع آلاف أشجار الزيتون الفلسطينية في الوادي. بل إن موظفي تلك "الإدارة" وسموا الأشجار المقرر اجتثاثها، بذريعة أن الفلسطينيين زرعوها في منطقة تعتبر "محمية طبيعية" (آفاق البيئة والتنمية، أيلول 2013). ويزعم الاحتلال بأن هدف اقتلاع الأشجار هو منع الإضرار بالمحمية، بسبب توسع الفلسطينيين في زراعة الأشجار بالمنطقة؛ علما أن الفلاحين الفلسطينيين حافظوا منذ مئات السنين على التوازن الطبيعي الحساس بين النشاط الهادف إلى صيانة الطبيعة، وبين زراعاتهم التقليدية المتوارثة في كنف تلك الطبيعة.
وبهدف حرمان المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم في وادي قانا ونهبها منهم، أعلن الاحتلال عام 1983 عن الوادي باعتباره "محمية طبيعية". وعبر مئات السنين، تميزت تلك المناطق بكونها أراض زراعية خصبة زرعها الفلسطينيون بالمحاصيل المنوعة والغنية.
ولدى إجراء مقارنة سريعة بين العدوان الإسرائيلي على المزارعين الفلسطينيين وأراضيهم بذريعة "حماية المحميات"، والنشاط الاستعماري اليهودي في ذات "المحميات" المزعومة، نجد أن الاحتلال يستخدم ذريعة "المحميات الطبيعية" والأحراج كأداة لنهب الأراضي واقتلاع أصحابها الفلسطينيين منها وضمها إلى ما يسمى "سلطة الطبيعة" أو "أحراج إسرائيل"، أو تأجيرها لما يسمى "مجلس الاستيطان الأعلى" الذي يبادر إلى اقتلاع الأشجار وبناء الوحدات الاستيطانية. فحاليا، يوجد نحو ثلاثين محمية طبيعية معلن عنها من قبل الاحتلال أو منذ عهد الاحتلال البريطاني، تشغل نحو عُشْر مساحة الضفة الإجمالية. المستعمرون اليهود يزرعون مساحات كبيرة في قلب العديد من تلك "المحميات" الكائنة في الضفة الغربية، بما في ذلك مناطق الأغوار. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سمح الاحتلال ("الإدارة المدنية") للمستعمرين بأن يزرعوا في محمية حمامات وادي المالح. بل، ولهذا الغرض، اخترعت "الإدارة المدنية" مخططا لتعديل حدود "المحمية"، بحيث يخصص جزء منها لأغراض الزراعة الاستيطانية. كما وافق الاحتلال على إنشاء حظائر إسرائيلية للدجاج في "محمية" أم الريحان شمال الضفة الغربية قرب جنين؛ حيث عدلت "الإدارة المدنية" ما يسمى المخطط الهيكلي لمستعمرة "ريحان" المجاورة، بما يتلاءم وأغراض النشاط الاستعماري في "محمية" أم الريحان. بل، أنشأ الاحتلال مستعمرة "هار حوما" على محمية جبل أبو غنيم الطبيعية قرب القدس المحتلة. علاوة على ممارسة المستعمرين نشاطات استيطانية زراعية في أراضي "محمية" جبل الكبير شرقي نابلس.
بمعنى أن الزراعات وتربية الدواجن الاستعمارية اليهودية والبناء الاستيطاني في المحميات ينسجم وصيانة "المحميات الطبيعية"، بينما تشكل الزراعات الفلسطينية "تهديدا مدمرا" لتلك "المحميات"! بل، خلال العام الماضي (2013)، سمحت "الإدارة المدنية" للمستعمرين بتوسيع مستعمرة "ياكير" على حساب أراضي "محمية" وادي قانا، بزعم أن البناء الاستيطاني هناك لا يشكل ضررا على "المحمية". إضافة إلى توسعة البؤرة الاستيطانية "ال نتان" على مساحة أخرى في ذات "المحمية"، والتمدد الاستيطاني لأحياء مستعمرة "كَرني شومرون" التي ابتلعت مساحات كبيرة من "محمية" وادي قانا.
الاحتلال: المخرب الأكبر للمحميات الطبيعية
المفارقة أن الاحتلال يتجاهل كونه المخرب الأساسي لما يسميه "المحميات الطبيعية" التي تحوي أراض خصبة وتنوعا حيويا غنيا؛ وذلك من خلال توسعه المعماري الاستيطاني عميقا في قلب العديد من "المحميات". كما أن مستعمراته وجدرانه الكولونيالية وتدريباته العسكرية دمرت وجرفت ونهبت مئات آلاف الدونمات من الأراضي المزروعة والخصبة؛ علاوة على تدميره مساحات واسعة من الغطاء الأخضر واقتلاعه وسرقته مئات آلاف الأشجار المثمرة واجتثاثه مجموعة هائلة من النباتات البرية النادرة، وتهديده التنوع الحيوي في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
وادي قانا تحديدا الذي تعاني بنيته الطبيعية الساحرة من العدوان الاستعماري المدمر، يعد من أهم وأبرز المواقع الطبيعية في الضفة الغربية المحتلة؛ إذ أنه يحوي تركيزا هاما من الينابيع، ومساحات كبيرة من الأحراج والغطاء النباتي الطبيعي النادر الذي انكمش وجوده كثيرا في مناطق أخرى بالضفة.
وبخصوص الزراعة الفلسطينية في "المحميات الطبيعية"، من المعروف أن التقاليد المتوارثة في فلسطين تسمح بمواصلة فلاحة الأراضي ذات الملكية الخاصة المتواجدة في "المحميات الطبيعية" والتي كانت تعتبر أصلا أراض زراعية. إلا أن الاحتلال زعم في السنوات الأخيرة بأن الفلسطينيين ينفذون أعمالا تضر "المحميات".
وتحت غطاء "الحفاظ" على المساحات المفتوحة والمناطق الطبيعية والزراعية، عمد الاحتلال إلى إقامة ما أسماه "متنزهات وطنية"، كما الحال في منطقة قرية الولجة جنوبي القدس المحتلة. لكن الواقع يقول بأن الهدف الحقيقي من هذه "المتنزهات" هو الإمعان في سرقة الأراضي الفلسطينية وتهويدها واجتثاث المزارعين الفلسطينيين منها وحرمانهم من فلاحتها. ففي قلب "المتنزه" في الولجة، يعمل الاحتلال حاليا على إنشاء جدار عنصري يعزل المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم التي دأبوا على فلاحتها منذ مئات السنين. وسيتحكم الاحتلال في وصول الفلاحين إلى أراضيهم من خلال بوابات خاصة يسيطر عليها جيشه. أما "المتنزه" المزعوم فلا يستطيع الفلسطينيون رؤيته سوى عن بعد.
ليس هذا فقط، بل يمارس الاحتلال عنصرية صارخة في من "يُسْمَح" أو "لا يُسْمَح" له بزيارة "المحميات". هذا هو الحال، على سبيل المثال، في محمية عين فارة بوادي القلط جنوب-شرق رام الله؛ تلك المحمية المميزة بينابيعها وغزارة مياهها. المواطنون الفلسطينيون القاطنون بجوار المحمية يرغمون على دفع مبلغ أكبر بكثير من اليهود الذين يتمتعون بأسعار رخيصة جدا بالمقارنة مع الفلسطينيين الذين يمتلك بعضهم أراض في ذات المحمية. بل إن ما يسمى مفتشي "سلطة الطبيعة" يمنعون الفلسطينيين الذين قضوا في سجون الاحتلال فترة زمنية معينة (حتى ولو بضعة أيام فقط) من دخول محمية عين فارة. يذكر أن ما يسمى "سلطة الطبيعة" هي عبارة عن ذراع إسرائيلية وظيفتها هندسة فضاءات الاحتلال.
يضاف إلى ذلك، فرض الاحتلال قيود على دخول الفلسطينيين إلى "المحميات الطبيعية" في الأغوار المحتلة، بما في ذلك منع الرعي في تلك المناطق.