برك اسمنتية في منطقة النصارية لتجميع المياه العادمة القذرة عبر قنوات ليتم مجددا استعمالها في ري المزروعات
خاص بآفاق البيئة والتنمية
للمرة الثالثة تدق مجلة آفاق البيئة والتنمية ناقوس الخطر، وذلك بعد أن حذّرت في عددين سابقين ( 35 و 48) من استخدام المياه العادمة في ري المزروعات الحقلية منها والمروية في الأغوار الوسطى، الأمر المستمر حتى اللحظة والموثق من قبل المجلة بكل ما يعكسه من مخاطر تهدد قطاع الزراعة والتنوع البيئي وصحة المواطن، الأخير الذي أصبح أكثر عرضة للأمراض والأوبئة.
فعلى الرغم من التحذيرات حول حجم الكارثة الإنسانية والزراعية جراء استخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الري وما لها من تبعات سلبية على الصحة وسمعة المنتج الزراعي المحلي، لا تزال ظاهرة استخدام مياه الصرف الصحي القادمة من مدينة نابلس والتي تسير في الوديان مرورا بوادي الفارعة، باتجاه المزارع في مناطق الاغوار الوسطى ظاهرة مقلقة وخطرة بانتظار المعالجة والتصويب في ظل تنامي هذه الظاهرة يوما بعد يوم.
فالزائر الى منطقة النصارية على سبيل المثال لا للحصر، يلاحظ بأم عينيه كيف يلجأ بعض المزارعين إلى عمل برك لتجميع مياه الصرف الصحي ومن ثم ربط تلك البرك بشبكة أنابيب وقنوات مائية باتجاه الحقول والمزارع هناك، ليتم في نهاية المطاف استخدام تلك المياه الملوثة في ري الخضار، التي تلقى طريقها الى أسواق محافظتي نابلس ورام الله، لتكون سلعة يشتريها المواطن الفلسطيني.
برك اسمنتية في منطقة النصارية لتجميع المياه العادمة القذرة واستعمالها في ري المزروعات
قلة الإمكانيات وارتفاع تكلفة المياه سبب رئيسي في استخدام المياه العادمة
وبحسب ما أفاد به رئيس مجلس قروي النصارية السابق السيد مسعد البلوي لمجلة " آفاق" ان هناك أكثر من 2000 دونم من أصل 15,000 دونم هي مجموع الأراضي الزراعية في قرية النصارية يتم ريها بتلك الطريقة.
يشار الى ان قرية النصارية، لا تعد وحدها التي تلجأ الى استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات، بل امتدت تلك الظاهرة الى العديد من الأراضي الزراعية في منطقة الاغوار الوسطى مثل العقربانية، بيت حسن، عين شبلي والجفتلك، حيث الحاجة الماسة للمياه وارتفاع تكلفة شراء المتر المكعب الواحد من المياه والبالغ ثمنه 15 شيقل هذا من جانب، وتقلبات الأحوال الجوية وأثرها على قطاع الزراعة، بالإضافة الى انتشار الآفات الزراعية ناهيك عن عدم وجود صندوق لتعويض المزارع المتضرر من جراء الكوارث هذا من جانب آخر، تلك العوامل دفعت عدداً كبيرا من المزارعين في الاغوار الوسطى الى التصرف المتسم بـ "الجهل" والمستمد من غياب القانون، عبر استخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الري انطلاقا من قناعتهم الخاطئة بتخفيض تكلفة الإنتاج الزراعي.
الاحتلال جفف معظم الآبار الجوفية الزراعية في الاغوار
من جهته اكد السيد علي احمد النواجعه رئيس جمعية النصارية الزراعية التعاونية: "تعتبر الاغوار الفلسطينية سلة فلسطين الغذائية منذ القدم، لكن تقلبات الحياة في ظل وجود الاحتلال الاسرائيلي الذي بدوره خلق واقعا لا تحمد عقباه، حيث وضع يده منذ اليوم الاول لاحتلال الضفة الغربية عام 67 على كامل المخزون المائي في الضفة، وتعمد تجفيف الآبار الارتوازية القائمة من المياه، ففي قرية النصارية على سبيل المثال لا للحصر، أقدم الاحتلال على تجفيف خمسة آبار من أصل احد عشر بئرا كانت موجودة في المنطقة، وهو الآن يمنع حفر أي بئر ارتوازي جديد، في حين يستكمل مخططاته لتجفيف ما تبقى من آبار عبر حفر آبار مجاوره لها، وبالتالي سحب المياه منها لدرجة ان المياه في تلك الابار المستهدفة باتت شحيحة لا يتجاوز إنتاجها 50 كوباً في الساعة، وهذا ألقى بظلاله على المساحات المزروعة بالخضار في الاغوار الوسطى، ناهيك عن توجه قسم كبير من المزارعين الى الزراعة الحقلية والبعلية، لتخفيض أعباء شراء الماء في منطقة كانت تعرف سابقا بأنها الحوض المائي الشرقي في فلسطين".
 |
 |
برك اسمنتية في منطقة النصارية لتجميع المياه العادمة غير المعالجة التي تروى بها المزروعات |
قنوات مائية لنقل المياه العادمة باتجاه المزارع والحقول في الأغوار الوسطى |
استعمال المياه العادمة في الري ينشر الأمراض والآفات الزراعية
تعليقا على ذلك، عبر المهندس صادق عوده من الإغاثة الزراعية الفلسطينية عن استيائه بما وصفه بالوضع الكارثي في الاغوار الوسطى من خلال عمليات استهداف الاحتلال لتلك البقعة الخضراء، بالتوازي مع إهمال الجهات الرسمية لما يحدث بها من نكبات، حيث قال: "تعد منطقة الاغوار الوسطى من أكثر المناطق الزراعية في محافظة نابلس، لكن توجه قسم كبير من المزارعين الى استخدام مياه الصرف الصحي في الري كحلٍ بديل لازمة المياه فيها، أدى الى انتشار الكثير من الآفات الزراعية التي أدت الى الزيادة في استعمال المبيدات الكيميائية في مكافحتها، ما زاد من تكاليف الإنتاج بالنسبة للمزارع، وفي نفس الوقت اثر استعمال المبيدات بشكل ملحوظ على جودة النباتات، وذلك من خلال زيادة تركيز الامونيا في التربة، وبهذا بات قطاع الزراعة في الاغوار يوصف بالكارثي لما له من تبعات سلبية على حياة الانسان عبر سلسلة الأمراض التي ترافق الممارسات الخاطئة في قطاع الزراعة هناك، بل طال أثرها السلبي قطاع الثروة الحيوانية، فهناك أكثر من 4 ألاف رأس ماشية معرض للأمراض، نتيجة استعمال مياه الصرف الصحي والمبيدات الكيميائية.
انعدام الحل الجذري
من جهته أكد المهندس محمد فطاير مدير زراعة محافظة نابلس أن هناك متابعة حثيثة من قبل لجنة السلامة العامة على مستوى المحافظة ككل لهذه الظاهرة الخطيرة والتي لها انعكاسات سلبية على نواحي الحياة المختلفة سواء الصحية أو البيئة منها، "نحن في مديرية زراعة نابلس أصدرنا قراراً يحظر بموجبه الري بمياه الصرف الصحي في مناطق الأغوار الوسطى بشكل كلي، مع معاقبة كل واحد يتم ضبطه وهو يقوم باستخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الري المختلفة".
وأوضح المهندس فطاير: "هناك تمويل دولي لإقامة مشروع محطة تنقية تخدم مدينة نابلس من الجهة الشرقية، وهذا المشروع سوف يرى النور في المستقبل القريب، آملين أن تسير الأمور الى الأحسن في المستقبل لحل المشكلة بشكل جذري وملموس.
ولكن رغم هذه التصريحات من قبل مدير زراعة نابلس، لا تزال المشكلة على ارض الواقع قائمة في انتظار الحل، وهذا بدوره دفع بعض المؤسسات الأهلية في التفكير بعدة مشاريع قد تساهم في حل المشكلة المتعلقة بنقص المياه المستخدمة في الري والتكلفة العالية لشرائها ولو بشكل مؤقت، وذلك عبر مشروع الحصاد المائي الذي تنفذه مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين في المنطقة.
 |
 |
قنوات مائية لنقل المياه العادمة باتجاه المزارع والحقول في منطقة النصارية |
قنوات مائية يتم استغلالها في نقل المياه العادمة باتجاه المزارع والحقول في الأغوار الوسطى |
تسويق المنتجات الزراعية المروية بالمياه العادمة في أسواق الضفة
من جهته اكد الدكتور بنان الشيخ الخبير في التنوع الحيوي والأستاذ في الجامعة العربية الأمريكية في مدينة جنين: "ان سوء إدارة الموارد المائية وتوجه المزارعين في منطقة الاغوار الوسطى للمياه العادمة في عمليات الري بالتوازي مع استخدام المبيدات بشكل عشوائي، اثر بشكل واضح على جودة الخضار نفسها، والتي باتت غير مرغوبة لأغراض التصدير، حيث أعاد الاحتلال الاسرائيلي شحنات كبيرة منها نتيجة عدم مطابقتها للمواصفات الإسرائيلية المطلوبة، فتلقى تلك الخضار طريقها الى الأسواق الفلسطينية لتباع هناك، والخاسر الوحيد هو المواطن الفلسطيني الذي بات ضحية في هذا البلد الذي توالت عليه المصائب والنكبات".