خاص بآفاق البيئة والتنمية
تمضي 12 ساعة في عجلون، المدينة الأردنية المرتفعة. من بعيد تبدو وجهتك شبيهة بالخليل: شجرها، وارتفاعاتها، وعنبها، فيما ينقلك زيتونها إلى مدن الضفة الغربية، وتعيدك محميتها إلى غابة أم الريحان بمحافظة جنين. شيئاً فشيئاً تبدو عجلون مثل عروس تتسلح بمساحيق تجميل طبيعية، قلائدها من أشجار باسقة من السنديان والبلوط، وقرط أذنيها من شجيرات وكروم وزيتون، وتاجها من المناظر الخضراء.
في الرحلة من عمان إلى المدينة، تعود إلى الجغرافيا، فتسأل السائق محمد عصام عن شغف الأردنيين بعجلون، التي تستلقي في الركن الشمال الغربي من العاصمة الأردنية، وعلى بعد 76 كيلومتراً منها. فيقول: نأتي إليها في الربيع، لكننا نهرب من بردها شتاءً، ونعود لنتذكرها في الصيف الحار، لنشعر بالجو الرائع.
قبل الوصول إلى المدينة، نسأل أبو خضر، بائع أحد الأكشاك، عن مكان نجد فيه جرائد أو خريطة لعجلون، فيرشدنا إلى مكتبة في بدايات الطريق لها. ويذكر لنا، أن الملك الراحل حسين بن طلال اسماها بـ"المحافظة الجميلة".
المختلف في عجلون تذبذب الارتفاعات لقممها، فمن قلب المدينة المطوقة بالغابات والمحميات الطبيعية، تبدو أنك تنظر إلى قلعة شاهقة من قاع واد. لكن الأشجار الحرجية وغابات السنديان والشجيرات الكثيفة، والزيتون والعنب، تحيلك إلى منطقة تختلف عن الغور أو منطقة البحر الميت 180 درجة، رغم قصر المسافة بينهما نسبياً.
|
أحراج وجبال عجلون |
لا دلائل طوال الطريق، على وجود متنزهين في أحضان الطبيعية، بالرغم من إغراء الأجواء الخريفية، وتأخر الهطول المطري، فباستنثاء مصري واحد، وثلاثة مغتربين أردنيين، وعائلة قادمة من العقبة، وبعض الموظفين وباعة القهوة قريباً من المحميات وقلعة عجلون التاريخية، نجد أنفسنا بمفردنا.
تقول الخارطة: تحد عجلون من الشمال والغرب محافظة أربد وتبعد 32 كيلومتراً، ومن الشرق جرش بـ 25 كيلومتراً، أما جنوباً فمحافظة البلقاء وتبعد 72 كيلومتراً.
نحاور قليلاً أحمد القضاة، التاجر العجلوني الشغوف ببلده، فيقول: معدل الهطول المطري في عجلون (750) مليمتراً ومعدل درجات الحرارة (5) درجات شتاء و(33) صيفًا. وعجلون متباينة في الارتفاعات، فبعضها يصل ارتفاعه إلى (1240) مترا، وقسم آخر يعلو البحر بنحو(590) متراً. وهي ثاني أصغر محافظات المملكة بعد جرش، لكنها عروس الشمال.
مما ينقله لنا: تعرّف بلدنا بسلسلة جبال عوف، وعرفت عند القدماء باسم ( جلعاد) وتعني الصلابة، نسبة إلى راهب سكن جبل عوف في منطقة القلعة.
فيما تخبرنا الجغرافيا: عجلون حلقة وصل بين بلاد الشام وساحل البحر المتوسط، وقد أدرك هذه الأهمية القائد صلاح الدين الأيوبي، إذ أمر عز الدين أسامة أحد قادة جيشه ببناء القلعة على قمة جبل عوف في عام1184، ويبلغ ارتفاعه (1023) مترا عن البحر. فيما تفيد تقديرات الجهات المختصة أن عدد سكان المحافظة (110) ألف نسمة ويتوزعون على (30) مدينة وتبلغ مساحتها 419635 دونماً.
وقد أغرت عجلون الرحالة والشعراء قديما، كما تقول مراجع التاريخ، على زيارتها، كحال عائشة الباعونية والعالم إسماعيل العجلوني، وابن بطوطة الطنجي.
يقول المزارع أبو صلاح العجلوني، كما يحب أن يناديه الناس: نفتخر بزيتوننا الرومي، والنبالي، والعنب، والتين، والتفاح. وعندنا أشجار السنديان، والأرز، والملول، والقيقب، والبطم، والزعرور، والخروب وغيرها.
ووفق تقديرات رسمية، تبلغ المساحة الكلية للمناطق الحرجية 142,257 دونما، ومساحة الحراج الطبيعي 91,000 دونم ، ومساحة الحراج الصناعي 21,000 دونم ، ومساحة المراعي 4,576 دونما.
ندخل غابة عجلون، وهي إحدى المحميات التابعة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وتأسست عام 1989، بمساحة تبلغ 12 كيلومتراً مربعا، وتقع على بعد 8 كيلومترات شمال غرب المدينة؛ "بهدف الحفاظ على الأنواع النباتية والحيوانات البرية، ونشر الوعي البيئي في المنطقة والحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض." من الداخل تتنافس أشجار السنديان والقيقب والبطم والإجاص البري على استقطاب الزائر، فيما نخسر فرصة الاستمتاع بالازهار البرية كشقائق النعمان واللوف وقرن الغزال والزنبق والسوسنة والسوداء وغيرها من التي تنمو في موسم الربيع.
يقول صقر هايل: من يريد أن يرى عجلون في أجمل زينة، عليه أن يزورها إما في وقت تفتح أزهار الربيع، أو في عز الصيف ليرى الطقس الجميل، والمحاصيل الطبيعية في أرضها، ويتنعم بالهواء الذي يرد الروح.
نحاور المغترب الأردني علي العبادي، الذي يأتي وعائلته في زيارة لعجلون ومشاهدها الساحرة كما يقول، لكنه يتمنى أن يلتفت الناس إلى بيئتهم ومحمياتهم أكثر، فلا يزورونها في المناسبات السعيدة فقط، بل يحافظوا على جمالها دون نفايات عشوائية تنتشر في الكثير من الأمكنة، والأهم فعليهم أن يعلّموا أطفالهم حب الطبيعة وعدم تخريبها.
وفق العبادي، فإن المناهج الدراسية ووسائل الإعلام تتحملان جزءاً كبيراً من غياب الوعي البيئي، فقديما كانت المدارس تعلم الطلبة طرق الزراعة وغرس الأشجار والاعتناء بالحديقة في منهاج ( التعليم الزراعي)، أما اليوم فقد تغير كل شي، وبالكاد تنقل وسائل الإعلام أحوال البيئة إلى من يشاهدها.
aabdkh@yahoo.com
|
|
أحراج ووديان وجبال عجلون |
غابات وأشجار حرجية كثيفة في عجلون |