نحو تربية بيئية تطبيقية ومنهجية لحماية البيئة الفلسطينية
|
فلسطين تحتاج منا أن نتعرف إلى ماضيها وندرس إنسانها ونتتبع نباتاتها وأشجارها وتنوعها الحيوي الفريد |
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يعدُّ التشريع وسن القوانين وتطوير التكنولوجيا "الخضراء" ونشاطات وتحركات المنظمات الأهلية والقاعدية وغير الحكومية من ضمن الإجراءات الرئيسية القائمة حاليا لحماية البيئة. إلا أن هناك طريقة أخرى أكثر تواضعا وربما أكثر تأثيرا إذا تم تبنيها والتوسع في ممارستها بشكل منظم ومنهجي، ألا وهي التربية البيئية. ولكثرة الحديث الذي دار حول هذه المسألة في السنين الأخيرة، في المستويين الفلسطيني والعربي، وما رافق ذلك أحيانا من عدم الدقة واللغط؛ فسنقدم في هذه العجالة بعض النماذج والأمثلة حول أهمية هذه الأداة التربوية وتنوع الأساليب التي يمكننا الاستعانة بها لتطوير هذا التوجه.
على سبيل المثال، يعتبر تراكم مواد النفايات في المياه العادمة من أبرز المشاكل التي تقلق العاملين في محطات معالجة تلك المياه (في البيرة ورام الله مثلا) والتي يمكن أن تعطل أو تخفض جودة عملية التنقية. وسبب أساسي لهذه المشكلة يكمن في الاستخدام الواسع للمناديل الرطبة وإلقائها في شبكة الصرف الصحي؛ ما أدى أحيانا كثيرة إلى حدوث انسدادات في نظام معالجة المياه العادمة. ولمواجهة هذه المشكلة لا بد من منع أي إعلان دعائي مضلل قد ينشر على أغلفة تلك المناديل، والذي بموجبه يمكن رمي المناديل في المرحاض، إضافة إلى تنظيم حملة تربوية-توعوية لمنع إلقاء المناديل في المراحيض، بل رميها في سلة المهملات.
وتكتسب التربية البيئية أهميتها الحيوية ليس فقط في المدارس، بل أيضا في الجامعات والمؤسسات والشركات والوزارات والمنظمات المختلفة، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بإعادة تدوير النفايات. وفي حال عدم إشراك وتعاون الجمهور، فإن مثل هذا النشاط قد يواجه صعوبات كثيرة.
ومن أفضل أساليب التربية البيئية وأكثرها تأثيرا هي تلك القائمة على التطبيقات العملية. على سبيل المثال، الممارسات البيئية العملية في نطاق مزرعة نموذجية تقام خصيصا لأغراض إرشادية، تعليمية وتربوية؛ كالمزرعة العضوية في بيت قاد بمنطقة جنين والتابعة لمركز العمل التنموي / معا. وفي زاوية خاصة من المزرعة يمكن إنشاء نموذج لتدوير النفايات العضوية الناتجة عن المزرعة أو خارجها. وعلى مدار السنة، يمكن تنظيم زيارات إلى المزرعة لطلاب المدارس والجامعات بهدف إرشادهم على ممارسات التدوير، بما في ذلك عمليات فصل النفايات في المنازل (نفايات رطبة/عضوية كمخلفات المطبخ والطعام، ونفايات جافة كالبلاستيك والزجاج والمعدن والكرتون والورق).
وفي جانب من هذه المزارع النموذجية، يمكن إنشاء مواقع إرشادية (للمشاهدات) تطبق فيها عملية فصل النفايات إلى مكونات جافة ورطبة. وفي مثل هذه المزارع يتعلم الطلاب كيفية تحويل النفايات إلى سماد عضوي (كمبوست) يعاد استعماله في ذات المزرعة لزراعة الخضار والتوابل وأعشاب البهارات مثلا.
وفي "الخيمة التعليمية" بالمزرعة النموذجية يمكن إقامة "جدار أخضر" حيث تزرع عليه نباتات غذائية (صالحة للأكل) في قواوير خاصة، وذلك لشرح كيفية زراعة المحاصيل الغذائية بطرق بيئية في المناطق الحضرية (في المدن). ويمكن أيضا تأسيس روضة أطفال يتم دمجها في برنامج التربية البيئية.
كما أن مجموعات طلابية في المدارس والجامعات يمكن أن تبادر إلى التحضير الجماعي (الأسري) للكمبوست، في مواقع متفق عليها بالأحياء (في القرية أو المدينة)؛ بحيث يتم جمع المخلفات العضوية مرتين أسبوعيا من المنازل المشاركة في المبادرة. ويتولى طلاب تلك الأحياء مسؤولية الإشراف على عملية التدوير وتنفيذها وضمان استمراريتها.
علاوة على النشاطات التربوية الهادفة إلى تطوير العمليات اليومية الأساسية التي تسهم في حماية البيئة، يوجد حاليا توجه تربوي بيئي إضافي يهدف إلى تشجيع التعلم عن الأنظمة البيئية-الطبيعية في المستوى العالمي، بل والكوني. ويمكننا أخذ فكرة حول هذا التوجه الجديد من التقرير السنوي الصادر عن معهد البحث البيئي (Worldwatch) في الولايات المتحدة. ويدعو التقرير الجديد إلى تعزيز البرامج التعليمية في المجال المعروف بـِ "التاريخ الكبير" (Big History). وتهدف هذه البرامج ليس فقط إلى تناول تاريخ النشاط الإنساني الموثق كتابيا، بل التعامل أيضا مع تاريخ الكون بشكل عام، وتاريخ الكرة الأرضية بشكل خاص. وتسهم عملية التعلم هذه في فهم العلاقة بين الإنسان والنظام الطبيعي. وتدرس حاليا مساقات "التاريخ الكبير" في جامعتي هارفارد والقاهرة. وقد اتسع مؤخرا نطاق هذا المشروع التربوي الذي يعتبر بيل غيتس من أكبر أنصاره- اتسع ليشمل بعض المدارس الأميركية. وينوي مبتكرو البرنامج توزيع جميع المواد التعليمية مجانا.
|
نشاط مدرسي أخضر |
وفي سياق هذا المنهاج الجديد تدرس مساقات تعالج تطور نظام النجوم والأرض، وتاريخ تطور المجموعات البشرية الذي بدأ منذ نحو مائتي ألف سنة؛ وأخيرا الآثار المترتبة للتنمية البشرية على البيئة التي نشأت على وجه الأرض. وفي صميم هذا المنهاج تقف مسألة ما إذا كانت قدرة الفرد في اكتساب المعرفة وتطوير التكنولوجيا يمكن أن تساعد في التكهن بعواقب تنميته والتعامل معها. وهذه هي أساسا دراسة مفهوم الاستدامة التي تشكل حاليا أساس أي تفكير بيئي. ويمكن القول بأنه من الناحية التاريخية، تجري هذه الدراسة في مرحلة حاسمة من التنمية البشرية، والتي يتم فيها اختبار مدى قدرة البشرية على الاستمرار في الوجود.