خاص بآفاق البيئة والتنمية / غزة

أحياء الفقر في غزة تغرق
استبشر المزارعون الفلسطينيون في قطاع غزة خيرًا مع تساقط كميات وفيرة من مياه الأمطار خلال المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب المنطقة في منتصف شهر شباط الماضي، وذلك بعد أسابيع عصيبة عايشوها يومًا بيوم ينتظرون أن تبتسم لهم السماء وتروي ظمأ أراضيهم الزراعية التي كاد الجفاف أن يحيلها إلى بوار.
جاء المنخفض الجوي الأخير، كما يقول مراقبون، ليعوض في أيامه الأربعة الماطرة ندرة كميات الأمطار التي سُجّل هطولها منذ بداية الموسم في محافظات قطاع غزة الخمس (رفح-خان يونس-الوسطى-غزة-شمال غزة)، وليعيد لآلاف المزارعين الأمل بإعادة استئناف النشاط الزراعي في أراضيهم بعدما كاد أن يكون مصدر رزقهم الأساسي في مهب الريح.
ومع انتهاء المنخفض الذي صنّف على أنه "عميق"، سجلت وزارة الزراعة في غزة نسبة هطول للأمطار بلغت 70% من المعدل العام، مضيفة أن متوسط الهطول لكافة المناطق وصل 249.7 ملم.
وبينت الوزارة عبر موقعها الالكتروني، أن عدد أيام الهطول بلغت 25 يومًا، وأن كمية المياه التي هطلت على كافة محافظات قطاع غزة بلغت 84.6 مليون متر مكعب تقريبًا.
مدير عام التربة والري بوزارة الزراعة في غزة المهندس نزار الوحيدي، أكد أن المنخفض الأخير القادم من جنوب جزيرة قبرص، ساهم بالفعل في تجاوز الأزمة.
وقال الوحيدي لـمجلة آفاق البيئة والتنمية: "كان من الممكن أن يكون الموسم سيئًا فيما لو لم تسقط الأمطار خلال المنخفض الأخير (في منتصف فبراير)".
وفسّر أن "هذه المرحلة تعد مرحلة تحول في النبات وهي فترة حرجة، ومع نزول الأمطار فقد انتهت المشكلة".
وتابع أنه إذا استمرت الأمطار بالتساقط بشكلها الحالي، فإننا نكون قد تجاوزنا الأزمة وخرجنا من الموسم رغم قلة الكم إلى جودة وتميز التوقيت".
وأوضح الوحيدي أن المنخفض أنقذ موسم المحاصيل الحقلية وموسم الإزهار كثمار اللوزيات، وتحسنت جودة ثمار الحمضيات كذلك.
وأكد أنه مع بداية انحباس الأمطار فإن مشاكل عديدة كانت ستحدث لكن ومع تحسن كميات الأمطار فإن من زرع سيستفيد، مشيرًا إلى أن أبرز المحاصيل التي استفادت من مياه الأمطار المتأخرة هي المحاصيل الحقلية والبستنة الشجرية.

أحياء الفقر في غزة غرقت في موسم الأمطار الأخير
وبحسب وزارة الزراعة فإن مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة تصل إلى 173 ألف دونم، حيث تبلغ المساحات المزروعة بالخضار 82 ألف دونم، والمساحات المزروعة بالفاكهة تصل إلى 71,400 ألف دونم، أما باقي المساحات الزراعية تزرع بالمحاصيل الحقلية مثل القمح والشعير والنباتات العطرية والمحاصيل التصديرية وتبلغ المساحات التي تزرع بها الأصناف السابقة حوالي 20 ألف دونم.
وتصل نسبة المزارعين إلى 12% من السكان، أي ما يعادل 65 ألف مزارع تقريبًا، وفق بيانات رسمية.
وأكد الوحيدي أن فوائد المنخفض الأخير لم تقتصر على الزراعة وحدها، إذ أن الخزان الجوفي تم تغذيته بما لا يقل عن 20 مليون متر مكعب من مياه الأمطار. وفضلاً عما سبق فإن الدورة الحيوية في التربة جميعها تنشطت وتحسنت وهذا يبشر بانتهاء الجفاف، كما يقول الوحيدي.

فرق الإنقاذ في أحداث الغرق خلال أمطار شباط الماضي في غزة
وبين أن منطقة بيت حانون في شمالي قطاع غزة كان لها النصيب الأكبر من كميات الأمطار التي تساقطت على القطاع، معربًا عن أمله بأن يكون هناك تساقط آخر للأمطار خلال الأيام القادمة، منبهًا في الوقت ذاته بأنه إذا تأخر سقوط الأمطار فستكون هناك مشكلة في عقد ونضج بعض الثمار خاصة اللوزيات.
وفي منتصف تشرين ثاني الماضي، دعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المواطنين في قطاع غزة للمشاركة في أداء صلاة الاستسقاء في جميع محافظات القطاع، بعد تأخر نزول المطر، ويعكس ذلك الخطورة التي كانت ستصل إليها البيئة الفلسطينية، حيث انتشرت الكثير من الأمراض المعدية أهمها الأنفلونزا.
ويفسّر مدير موقع طقس فلسطين، من مدينة نابلس، أيمن المصري، سبب تأخر الموسم المطري في قطاع غزة بالإشارة إلى أنه في بداية الموسم كان اتجاه الرياح جنوبي غربي، وفي هذه الحالة تكون المناطق الشمالية الأكثر استفادة وبشكل أقل مناطق الوسط.

مستنقعات مياه الأمطار بغزة في شباط الماضي
وأضاف المصري أن ما ميز الحالات الجوية في بداية الموسم هو الرياح الجنوبية الغربية، فالمنخفضات تكون محمّلة برياح جنوبية غربية تدفع الغيوم نحو المناطق الشمالية، فكانت بداية الموسم ممتازةً لهذه المناطق، وسيئة لمناطق جنوب الضفة الغربية وكذلك قطاع غزة.
وذكر أن الأمور اختلفت خلال المنخفض الأخير الذي ضرب قطاع غزة وما سبقه من منخفض في نهاية كانون ثاني، فأصبح اتجاه الرياح غربي أو شمالي غربي، وفي هذه الحالة تكون الاستفادة بشكل أساسي للمناطق الجنوبية في حين أن المناطق الشمالية تكون على الهامش.
ونفى ما أشيع في بعض وسائل الإعلام من أن بداية الموسم الحالي هو الأكثر انحباسا للأمطار منذ عشرات السنوات، مشيرًا إلى سنوات سابقة كان الوضع فيها سيئًا مثل عام 2010 الذي شهد أول منخفض ماطر في 12 كانون أول.
البهجة بتساقط الأمطار بدت ظاهرة على وجه المزارع رامز صالح خلال حراثته لأرضه الواقعة في منطقة الشيخ عجلين جنوب مدينة غزة، إذ يعتبر أن الأمطار الأخيرة كانت بمثابة جرعة إنعاش له ولآلافٍ من أقرانه، بعد أن انتهى فعليًا موسم الزراعة الباكر بسبب انحباس المطر وذلك في بداية الموسم.
وذكر صالح (45 عامًا) ويعيل أسرة من ثمانية أفراد، أنه بسبب انحباس المطر وتأخره عن المعتاد، اضطر المزارعون إلى تأجيل زراعات عديدة إلى موسمها في العام القادم. وضرب مثلا على ذلك بـ"البازيلاء" بحيث في كل مرة يتم زراعتها باكرًا لكن في هذا العام فإنه تم زراعة ثلث الكمية فقط.
وبالفعل لوحظ هذا العام أن سعر كيلو البازيلاء الواحد يبلغ في الأسواق في غزة سبعة شواكل في حين بلغ الأعوام الماضية سعرها أربعة شواكل. وهو ما يعزوه المزارع صالح إلى تأخر تساقط الأمطار.
وعن ذلك يقول: "لو أن الموسم المطري بدأ في نهاية أكتوبر لكنا زرعنا حقولنا بالبازيلاء وتشبع السوق بها، لكن الآن لا يوجد إلا البازيلاء على المياه المروية. أما العادية فتحتاج إلى شهر ونصف الشهر حتى يتم توريدها إلى الأسواق المحلية".

مواقع كثيرة في قطاع غزة غرقت خلال موسم الأمطار الأخير
بدوره، يقول المزارع يحيى شملخ (30 عامًا)، إن زراعات كثيرة تأثرت بسبب تأخر الموسم المطري مثل البازيلاء والشعير، مشيرًا إلى أن بعض المزارعين تخوفوا من زراعة البطيخ كونه يحتاج إلى مياه عذبة حيث تقضي الأمطار على ملوحة الأرض.
ووصف شملخ كمية الأمطار التي هطلت آخر مرة بأنها ممتازة وتبشر بالخير. كما أن جميع أشجار الزيتون ستستفيد بشكل كبير.
وتابع: "معظم زراعاتنا تبدأ بعد منتصف شهر أيلول وحاليا هناك زراعات تبدأ من شهري آذار ونيسان مثل البامية واليقطين والفقوس والخيار والبطيخ، وهذه الزراعات هي الأكثر استفادة من مياه الامطار المتأخرة وستفيد المزارع وتعوضه عن تأجيل زراعات الموسم الباكر".
بدوره، أكد الخبير الزراعي شفيق العراوي، أن جميع المزروعات ستستفيد من الأمطار فهي من النوعية الممتازة وتعمل على غسيل الأملاح التي تراكمت على النباتات والتربة مما يحسن من نمو النبات ويجعل التربة أكثر نشاطًا، ومن ثم ستغذي الأمطار الخزان الجوفي في القطاع.
وأشار العراوي في تصريح نشره الموقع الالكتروني لوزارة الزراعة بغزة، إلى أنه لا يوجد أي مؤشرات لأي أضرار يمكن أن تلحق بالمحاصيل المزروعة جراء الرياح أو الأمطار، داعيًا المزارعين للاستفادة من الأمطار المتساقطة بتجميعها والاستفادة منها في ري المزروعات.