خاص بآفاق البيئة والتنمية
أحد حقول اللوز في بلدة عقابا
يتباهى أهالي بلدة عقابا بلقب "سيدة اللوز"، فيما يشتعل الزهر من الأشجار المحيطة بالبلدة الواقعة شمال غرب طوباس، معلنًا بداية لوحة ساحرة تسبق الربيع، تبدو من الجبال المحيطة كالثلج الناصع، فيما تنشر عطرها لمسافات طويلة.
يسرد نائب رئيس البلدية سميح غنام، 65 عامًا: نمتلك نحو ثلاثة آلاف دونم لوز، ويمتد بعضها في حقول الكفير المجاورة. وتوفر هذه المساحات فرصة لنحو 40 عائلة في البلدة، يتضاعف العدد في مواسم الحصاد، وبخاصة إزالة القشور.
يضيف غنام وهو عضو في جمعية عقابا الزراعية: "هناك علاقة خاصة بين عقابا واللوز، تشبه علاقة الجسد بالروح." ويكمل: "تزهر أشجارنا في أواسط شباط، وتبقى في كامل عافيتها حتى أوائل آذار".
إزهار أشجار اللوز في قرية عقابا
فستان زفاف
وينتظر الكثير من الأهالي موسم إزهار اللوز لالتقاط الصور، والمشي في جوار الحقول، التي تفوح بالعطر. يقول جمال غنام، الذي يعمل في البلدية: تعطينا الأزهار راحة نفسية، ونُسرُّ بالمنظر الرائع، وتخرج الكثير من العائلات في رحلات للطبيعة، وترتدي بلدتنا "فستان زفافها" قبل حلول الربيع.
وبحسب الأربعيني غنام، فإن بلدته التي يسكنها 9500 مواطن، تمتاز بمشهد ساحر لا يتوفر في قرى فلسطين ومدنها؛ بسبب كثافة الأشجار، وزراعتها المنتظمة في أسراب مستقيمة.
وبحكم موقع البلدة على الطريق الرابط بين طوباس وجنين، فإن الكثير من المارة يوقفون مركباتهم لالتقاط صورة تذكارية للحقول. فتقول هبة الشيخ، القادمة من طولكرم: لا نرى هذا المشهد في مناطق أخرى. هنا كل شيء مُنسّق، وكأنه لوحة فنية محسوبة بكل التفاصيل، ومن دخل المكان ينسى نفسه، ويتمنى لو يمكث طويلاً.
بلدة عقابا الواقعة على الطريق الرابط بين طوباس وجنين
دورة حياة
يسرد نائب رئيس البلدية حكاية الشجرة من بابها إلى محرابها: نزرع الأشتال في كانون الثاني، وبعد ثلاث سنوات تبدأ الأشجار بإعطاء محصولها الوفير، وينتج الدونم الواحد بين 80 -100 كيلوغرام، ولطبيعة بلدتنا الباردة، فإن بيع اللوز الأخضر غير اقتصادي، لسعره المتدني في الأسواق، فنتركه حتى تموز.
وبحسابات غنام، الذي يعمل أيضًا مدرسًا للغة العربية، فإن شجرة واحدة من اللوز تعطي بين 5-8 كيلو غرامات، ويرتبط الإنتاج عادة بالأصناف، ويأتي في المكان الأول صنف (حسن الأسعد)، نسبة إلى المهندس الزراعي الذي طوّره. فيما يتفاوت المحصول تبعًا لمعدلات سقوط الأمطار، ويتأثر بالأحوال الجوية المتقلبة، ويفقد الكثير إن تعرض لرياح خماسينية، أو عواصف رملية كما حصل قبل عامين.
ويؤكد أبو عرة أن لوز عقابا بدأ يزدهر في العقدين الماضيين، وصارت الأشجار الخضراء تحيط بالبلدة من كل الجهات، وتصدر محصولها عبر شركتين محليتين إلى أوروبا وخاصة فرنسا.
بلغة الأرقام، يحصل المواطن في البلدة على نحو 4 شجرات لوز، وهو نصيب كبير يتجاوز حصة الفرد من أشجار الزيتون، ويؤكد رئيس البلدة جمال أبو عرة، أن البلدية تضع في خططها المستقبلية حفر بئر لري اللوز؛ ليتضاعف الإنتاج.
ويقول: "دخلت هذه الشجرة إلى البلدة عبر جمعيات زراعية، وخاصة الإغاثة الزراعية، التي وفرت الأشتال للمزارعين قبل عدة سنوات، وصارت تمتد لمساحات أكبر بالتدريج ساعدها في ذلك المناخ المناسب للبلدة، والتربة الرملية، والأمطار الجيدة".
جمال غنام من بلدة عقابا في أحد حقول اللوز المكسوة ببياض أزهار اللوز الذي يبدو كالثلج الناصع
جهود وآفات
يتفقد المزارع محمد أبو عرة حقله، ويقول إن الإزهار هذا العام جيد في بعض المناطق، ومتوسط في أخرى. ويقول: يحتاج حقل اللوز إلى حراثة أربع مرات، إضافة إلى تسوية الأرض لمنع عدم تشققها صيفًا، والمحافظة على رطوبتها. فيما ترش في كانون الثاني بزيت معقم، وتحتاج إلى معالجة الحشرات والمن، مثلما يلاحقها "دبور اللوز" والصمغ.
ويقول الشاب أحمد المصري إن موسم اللوز يميز عقابا عن غيرها في مناسبتين، فهو يوفر منتزهًا طبيعيًا جميلاً في الربيع، ويؤمن فرصة عمل للشبان والنساء، وقد طوّر المزارع والمربي سميح غنام، آلة نزع القشور صارت تختصر الوقت، ورفعت إنتاجية العاملات في تقشير المحصول لأكثر من ثلاثة أضعاف.
وتنتج الشجرة الواحدة بين 10-12 كيلوغرام، فيما تزيد غلتها إلى 15 كيلوغرام في حالة الري، بينما تقلل آفة دبور اللوز والصمغ وتراجع الأمطار العائد بشكل لافت، وتتوزع، فيما يستوعب الدونم الواحد نحو 25 شجرة تضرب جذورها في الأرض بدورة حياة قصيرة نسبية تقل عن العشرين سنة. وتعاني البلدة جراء اللوز الإسرائيلي الذي يغرق السوق، حين يهرب إلى جنين بدعوى إزالة قشوره، ثم يباع على أنه محلي.
وكانت قرية عنزا وجارتها عجة جنوب جنين تشتهران بمحصول اللوز في السابق، قبل أن تختطف عقابا منهما اللقب، وصارت تجمع في الموسم الجيد 80 طنًا من أصناف أربعة أشهرها حسن الأسعد ونابة، و(م.د) والأمريكي.
ويباع اللوز الأخضر بمبالغ كبيرة أول الموسم في المناطق الدافئة، ثم تتهاوى أسعاره في نهاية آذار ونيسان. أما بعد تجفيفه فيسّوق بـ 25 شيقلاً للكيلوغرام الواحد، فيما يشيع في معظم بيوت عقابا، ويدخل لتزيين أطباق الأرز، ويُدفع به لصناعة معظم أنواع الحلوى الشرقية التي تتقنها نساء البلدة كالكلاج والقطايف، وتضاف لمشروب القرفة وغيرها.
يعود سميح غنام ليؤكد أن اللوز البلدي تراجع كثيرًا في البلدة، التي ترتفع نحو 800 متر عن البحر، لأن إنتاجيته ضعيفة.
سميح غنام نائب رئيس بلدية عقابا في أحد حقول أشجار اللوز
فوائد ووصف
وتبعًا لموقع (ويب طب) فإن فوائد اللوز الصحية عديدة، فهو يحتوي على أحماض دهنية غير مشبعة تساعد على خفض الكوليسترول، وغني بالمغنيسيوم، والكالسيوم، وفيتامين E والبوتاسيوم. ويساعد اللوز على خفض ضغط الدم، وتقوية العظام. وله ميزة موازنة السكر في الجسم وتخفيف الحرقة، ويحسن مرونة الجلد وحتى الحالة المزاجية، ويخفف الغثيان الذي يصاحب الحمل، وبينما العديد من مرضى السرطان يدمجون اللوز في نظامهم الغذائي بسبب احتوائه على كميات كبيرة من الفيتامينات، والمعادن، والبروتينات، والأحماض الدهنية والمواد الكيميائية النباتية، والتي يمكن أن تمنع انتشار السرطان في الجسم.
ويحفظ طلبة من البلدة أشعار الراحل محمود درويش في وصف زهر اللوز، فيقول عادل عبد الكريم:" أتخيل أن هذه الأشعار كُتبت خصيصًا للوز عقابا دون غيرها." يقتبس:" لوصف زهر اللوز، لا موسوعة الأزهار تسعفني، ولا القاموس يسعفني...فكيف يشع زهر اللوز في لغتي أنا... لوصف زهر اللوز تلمزني زياراتٌ إلى اللاوعي ترشدني إلى أسماء عاطفة معلقة على الأشجار. ما اسمه؟... في وصف زهر اللوز، لانحسر الضباب عن التلال.."
أما المعلم والمزارع سميح غنام، فيؤكد أنه يُعلّم طلبته أن لا معنى للحياة دون الأرض، وأن عقابا تتكحل بلوزها، وتتحول "إلى ملكة."
لوحة أشجار اللوز الساحرة في بلدة عقابا كما تبدو من الجبال المحيطة