شذرات بيئية وتنموية... شتاءٌ خجولٌ وزهرٌ ساحرٌ ومياهٌ منهوبةٌ ومشاهدٌ مؤلمةٌ
خاص بآفاق البيئة والتنمية
مقياس ذاتي للأمطار
حزن
تصاب بالحزن على ضياع الشتاء الحالي، فتواصل الإفراط في متابعة مواقع الرصد الجوي، وتتنقل بين هيئات محلية وعربية ودولية وهواة. العنوان الأبرز الخوف من ضياع شباط الخبّاط، بعد الخسارة الثقيلة في كانون الثاني، والجفاف الذي لازمنا. كان الموسم الحالي غريبًا، فقد دُشّن الموسم بالأمل عقب أمطار كانون الأول، لكن الرياح عاندت سفننا.
تعيش الأمل في منخفض نهاية النصف الأول من الشهر المعروف بتقلباته الحادة، وبالنصائح من عدم الرهان على شمسه المزاجية، وغيمهِ السريع.
تثُبت على سطح منزلك مقياسًا للمطر، منذ بداية العام، لكن لسوء الطالع، لم نعش فعاليات جوية عميقة، وبالكاد تقرأ حصيلة مبشرة ثلاث مرات.
وأنت تتابع (رادار) المطر، تلاحق الغيوم، وتشاهد توزيعها في أقصى شمال فلسطين أو وسطها أو جنوبها، وتختفي الغيوم عن مساحات شاسعة من السماء، وتبدو بإيقاع سريع.
تعيدك الأمطار المتواضعة إلى تعليقات د. هشام عورتاني، على هامش مساق (اقتصاديات فلسطين) خلال دراسة البكالوريوس، فيومها كان يكرر لنا أن مطر فلسطين لا يراهن عليه، ولا يمكن وضع قاعدة ثابتة له، فهو يتسم بعدم الانتظام، وبسوء التوزيع، وبالتذبذب. وكان يقول:" قد تهطل خلال 24 ساعة كمية أكبر مما تهطل في شهر بأكمله."
تدون صباح السادس عشر من شباط المجموع الإجمالي للموسم الحالي في محافظة جنين، وفق معطيات وزارة الزراعة: المدينة ( 265 ملم)، كفرراعي (386 ملم)، اليامون (239 ملم)، يعبد (347 ملم)، قباطية (315 ملم)، ميثلون (357 ملم)، بيت قاد (231 ملم). وتتوقف عند الفارق الكبير بين منطقة وأخرى، كمثال: لا تبتعد بلدة عرابة عن المدينة غير 12 كيلو متر جنوب غرب جنين وثمة 135 ملم كفارق بين المنطقتين، وهذا يدعم محلية الأمطار وتذبذبها ليس فقط في الزمن، وإنما في الجغرافيا الضيقة.
تؤجل الأمل لبقية شباط وشقيقه آذار، فهناك "المستقرضات"، التي تتمنى أن تفُتح فيها أبواب السماء.
زهر اللوز في برقين
جمال
يشكل زهر اللوز نقطة ضعفك، فهو ساحر لأبعد حد. تنتظره بشغف، وتوثقه منذ الطفولة بعدستك، وتمنح وقتًا طويلاً لمتابعته. تختلف كل شجرة في زينتها عن مثيلاتها، ويكاد الشبه يختلف. تعتمد يومًا خاصًا كل ربيع لملاحقة زهر اللوز في منطقة جديدة لم تسبق أن دخلتها، في النصف الثاني من شباط. وتكرر زيارة عقابا البلدة التي تتفاخر بأنها سيدة هذه الشجرة.
تعود إلى طفولتك، وتتوقف مطولاً عند (النجمة) الأرض التي تتوسط برقين وقباطية، وكانت تشبه المحمية الطبيعية بما تمتلكه من تنوع في أشجار اللوز، بمساحات شائعة. اختفى سحر هذه الشجرة غير المُعمّرة، وجفت أشجار كثيرة، وتبدأ هذا العام بإعادة غرس فسائل جديدة.
كانت أحدى أمنياتك قبل اختراع العدسات الرقمية، أن يضاعف صانعو الأفلام حيز الصور في الفيلم الواحد، ليتسع أكبر عدد متاح لهذه الزهرة خصيصًا. ثم تحلم لو يطول عهد هذه الزهرة فترة أطول.
ثمة أزهار بيضاء، وأخرى بلون الثلج، وبعضها موشحة بالنفسجي، وحتى هذا اللون يتدرج في حدته. أما رائحته فلها قصة أخرى تفوح بالعطر الطبيعي.
من الطرائف، حزنك على وقوع أجزاء من الأزهار على الأرض بفعل الأمطار والرياح، فقد كنت تتمنى لو يمنحها الشتاء استثناءً لتدوم طوال الربيع، دون أن تغمض جفنها.
تعود كل صيف إلى أرشيفك، تستمد من جمال اللوز حفنة أمل، وتنتظر أن يأتي شباط سريعًا، لتسرح وتمرح مع الزهرة الأحب إلى قلبك.
مصطفى فقهاء رئيس مجلس قروي عين البيضاء في الأغوار الشمالية يحاور مجلة آفاق البيئة والتنمية
عين
تحاور مصطفى فقهاء رئيس مجلس قروي عين البيضاء في الأغوار الشمالية، فيقول إن عين الحمّة لم يسلم من ملاحقة أوامر الاحتلال بمنع ترميمه، بعد السيطرة على نصيب الأسد من النبع الجاري.
ويضيف: "يسبق هذا النبع إقامة إسرائيل، وكان مشهورًا بمياهه المعدنية العلاجية، ونقل لنا الآباء والأجداد قصة العين، التي أقام عليها أهالي المنطقة حمامات كانت وجهة للعلاج الطبيعي، تشبه حمامات ماعين الأردنية".
يصف فقهاء العين الواقعة في الجنوب الغربي لقرية عين البيضاء، والتي تبتعد عنها نحو كيلو متر واحد، وتجاور التل الذي يحمل الاسم ذاته، وتحاط بكردلا وخلة حمد والفارسية وبئر الزعبي وقرية جباريس المُدمرة، فيما كان تدفقها يتجاوز كل ساعة العشرين متر مكعباً، لكنها اليوم فقدت نحو 60% من قدرتها؛ بفعل نهب الاحتلال لجوف الأرض في الأغوار، وحفره لبئر بردلا.
ويشير إلى أول اتفاق مائي فرضه الاحتلال عام 1976 على أهالي المنطقة، كان يقضي بتعويض أصحاب 6 آبار جوفية بـ 20 % من حقوقهم التي كانوا يحصلون عليها قبل النكسة، لكن الاحتلال عاد واقتطع نصف الحصة المتفق عليها.
نبع عين الحمة الذي أصدر الاحتلال أوامره لمنع ترميمه
مما قاله: "كانت آبار الأغوار وينابيعه تنتج قرابة 22 مليون متر مكعب في العام، انخفضت اليوم إلى نحو 1,8 مليون، وتوجهنا مؤخرًا لعين الحمة لتأمين العجز الكبير، وقبلها كنا نسحب الماء بأنابيب ومضخة، توزع على 52 حصة، كانت تروي عطش 650 دونمًا، تراجعت اليوم إلى 280 فقط".
مما يستجمعه رئيس المجلس القروي لعين البيضاء، التجمع الذي لا يفصله عن نهر الأردن سوى أراضي قرية الدير المدمرة، أن مياه الحمة الملاحقة اليوم، كانت تسير في قنوات تقليدية تخترق الحقول بمسافة 1200 متر، وتروي خلال مرورها الخضروات والبطيخ والشمام، وانتشرت فيها أسماك السردين، قبل أن يتغير الحال.
تعرضت الحمة لهدم منازلها بالكامل بعد الاحتلال بوقت قصير ما شرد 20 أسرة، كانت تعيش على الزراعة، وتتنقل بحرية إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن، التي لا تبتعد عنها غير 3 كيلومترات، مثلما سرقت آثارها الرومانية.
وخسرت عين البيضاء نحو 5 آلاف دونم كانت تزرع بالحبوب والخضروات، وتعرضت عام 1967 لعملية هدم طالت المدرسة والعيادة الصحية ومركز الشرطة، وها هي اليوم مهددة بمياهها الشحيحة.
الصناعات الإسرائيلية التي تلوث وديان سلفيت وأراضيها الزراعية
لائحة
تسجل عشرات المشاهد خلال تجوالك في يومين بين جنين ونابلس وسلفيت وطوباس، وتضع لائحة بهموم كبيرة، نعجز عن توفير حل لها، وأخرى تقترفها أيدينا.
تأتي اللائحة: مستوطنات يفوق عددها تجمعات سلفيت ( 19 مستوطنة و6 بؤر) مقابل 18 تجمعًا فلسطينيًا. مجاري المستوطنات الصناعية (بركان وأرئيل) وما تبثانه من تلويث في وديان سلفيت وأراضيها. مواطنون يتخلصون بإرادتهم من نفايات المستوطنات، ويحرقونها مقابل قليل من المال. أرقام هائلة لحجم اليد الوطنية العاملة في المستعمرات. مزارعون يتخذون من مياه المجاري مزارعاً لأبقارهم، دون أدنى اكتراث. ذبح أسود للأبقار خارج المسالخ، وفي الهواء الطلق، بلا أي مراعاة صحية. مواطنون يتخلصون من مياه النضح في حقول زيتون وقمح. حارقو نفايات يبتسمون ويقول أحدهم لرفيقه: التقط لي "سيلفي". أشجار معمرة تُقتلع لأجل القليل من الحطب. صاحب مطعم يتفاخر باستعمال زيت القلي لثلاثة أيام دون تغيير. قصابون يضاربون في الأسعار بشكل حاد. سجائر في الحافلة المغلقة كاد طلب إخمادها يفضي لمشاجرة. تاجر يخلط سلعه القديمة بأخرى جديدة. مزارعون يشكون ارتفاع مستلزمات إنتاجهم وتراجع أسعار خضارهم. ورشة عمل يذهب معظم طعامها للقمامة، فكمية الوجبات أكبر من عائلية. أسعار خبز نعجز عن تنظيمها أو الإلزام بها. اسطوانات غاز غير صالحة للاستعمال تسرح وتمرح. طلبة مدارس يعودون إلى منازلهم قبل الظهر بفرح. نفايات في كل مكان وزمان. متجر يجود بإنارة في وضح النهار تكفي لمجمع سكني بأكمله.....
|
|
أبقار فلسطينية ترعى في أراض فقيرة |
حقول زراعية في منطقة جنين تنتظر رحمة السماء |
للهموم بقية.
aabdkh@yahoo.com