على أبواب كارثة صحية في قطاع غزة ... نقص حاد في عدد الأطباء البيطريين
خاص بآفاق البيئة والتنمية
عدد أطباء البيطرة في قطاع غزة لا يتجاوز 104
لم يكن يعلم عبد الله جلال سابقاً أن في منطقته طبيبة بيطرية يمكنها أن تساعده في حل مشكلة طيوره التي أصابها المرض، وبدأت في الموت بشكل متسارع بحظيرته المتواضعة أعلى منزله بمخيم خان يونس جنوب قطاع غزة.
وعندما أخبره أحد أصدقائه بضرورة التوجه لوزارة الزراعة، ذهب مسرعاً وعرض عليهم مشكلة طيور الحمام الذي يربيه.
يقول:" قابلتُ طبيبةً بيطرية طلبت مني أن تعاين عدداً من الطيور التي نفقت لدي وأخرى مصابة على ما يبدو بنفس المرض، فأخبرتني أنها مصابة بعدوى جرثومية، وكتبت لي "روشتة" بالدواء المناسب".
وبالرغم من عدم صرف الدواء المناسب بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها وزارة الزراعة من حيث ضعف الإمكانيات، إلا أنّ جلال آثر على نفسه ووفرّ عليه الانتظار، ليذهب إلى أقرب الصيدليات ويشترى الدواء الموصى به، ليعطيه لطيوره التي سرعان ما تحسنت صحتها بشكل ملحوظ ومُطمئن.
الدكتورة ننيس الفرا هي الطبيبة البيطرية المشرفة على متابعة الحيوانات والكثير من المهام بوزارة الزراعة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وتعتبر الفرا من بين 104 طبيب بيطري في قطاع غزة، 60% منهم متقاعد أو أوشك على اقترابهِ من سن التقاعد، ويبين الجدول التالي عدد الأطباء البيطريين في قطاع غزة وفق نقابتهم:
العمر
|
عدد الأطباء البيطريين
|
النسبة المئوية
|
فوق سن 55
|
58
|
55.7
|
من 45-54
|
13
|
13.5
|
من40-44
|
14
|
14.5
|
أقل من 40
|
19
|
19.7
|
ومن بين من سيتقاعد مع بداية العام الجديد الدكتور زكريا الكفارنة في تاريخ 23/1/2017م، وهو مدير عام الادارة العامة للخدمات البيطرية الحيوانية، والذي اعتبر مهنة الطبيب البيطري ذات شأن كبير ويسمونهاVET" " أي أنها خط الدفاع الأول عن الإنسان وحمايته من الأمراض خلال حديثه.
وأضاف:" هذه المهنة تعتبر من العلوم الطبية التي توفر الأمن الغذائي من حيث تربية الحيوانات، فهم المسئولين عن صحة وعلاج والوقاية من الأمراض التي تصيب الحيوانات، والتي من الممكن ان تنتقل للإنسان أيضاً، كما أن هذه المهنة تحتاج لصبرٍ وجهدٍ كبيرين، كونها تتعامل مع كائن لا يستطيع التعبير عن مرضه، وكذلك هي تحمي المجتمع من الأمراض التي تنتشر حالياً وتفتك بالإنسان بسبب الحيوان".
|
|
طبيب بيطري في أحد المختبرات بغزة |
مختبر البيطرة في غزة |
نقص عدد الاطباء
وعن النقص في عدد الاطباء البيطريين قال الكفارنة:" هناك عجز كبير في وزارة الزراعة كذلك في وزارة الصحة والاقتصاد الوطني والخدمات الطبية العسكرية والبلديات، وخاصة بعد أحداث الانقسام عام 2007م، الذي تسبب في حدوث خللٍ كبيرٍ بأعداد الأطباء البيطريين القليل عددهم أساساً.
ويتابع حديثه:" بسبب النقص في كوادر الأطباء البيطريين، هناك تعاون مشترك ما بين وزارة الزراعة وباقي المؤسسات التي تحتاج لوجود طبيب بيطري، فمثلا في وزارة الصحة هناك ما يقارب الـ 220 مرضاً مشتركاً ما بين الإنسان والحيوان، لذلك يتم التعاون بيننا وبين الأطباء في وزارة الصحة لمنع انتشار الأمراض المشتركة، كمرض انفلونزا الطيور والخنازير والذي تم القضاء عليها بفضل التعاون المشترك".
وبين الكفارنة أن وزارة الزراعة تُقدّم من خلال الأطباء البيطريين الكثير من الخدمات من بينها الحفاظ على الثروة الحيوانية، وتحديد برامج التحصينات المختلفة وتنفيذها، ومراقبة وحجر الحيوانات الواردة للقطاع، ولذلك يوجد عدد من الأطباء في كل معبر لمراقبة المنتجات الحيوانية ووضع الاشتراطات الصحية المتعلقة بها، وعلاج الحيوانات المختلفة ومكافحة الامراض التي تصيبها بالتعاون مع وزارة الصحة ووضع البرامج التي تضمن ذلك، ومراقبة المسالخ والتأكد من صلاحية اللحوم المستهلكة.
وأضاف أن وزارة الزراعة تحافظ أيضاً على الثروة الداجنة والتي توفر الكمية الأكبر من البروتين الحيواني للسكان، وتقوم بترخيص مزارع الثروة الحيوانية والتأكد من سلامة إجراءات التربية، وتقديم الاستشارات الفنية فيما يتعلق بالإشكاليات الناشئة بكل ما يتعلق بالثروة الحيوانية، وعمل لجان طوارئ في حالات الأوبئة التي تصيب الثروة الحيوانية، وكذلك المحافظة على سلامة الحيوانات البيتية ومعالجتها، ومتابعة مراقبة الأغذية التي تقدمها وزارة الصحة للمرضى ووزارة الداخلية للجنود والشرطة".
وعلى ذلك إذا لم يتواجد الاطباء البيطريون ستفقد الوزارة كل ما ذكره الطبيب الكفارنة من الخدمات التي تقدمها، حيث أن احتياجات الوزارة 21 طبيباً موزعين في عدة إدارات لوزارة الزراعة، بينما يتواجد حاليا 11 طبيباً. ومع تقاعد الطبيب كفارنة سيصبح العدد 10أطباء، وهناك عددٌ منها أقترب موعد تقاعدهم ولم يتم منذ بداية الانقسام أي إعلان توظيف لأطباء جدد لسد العجز الأساسي، وملء الشواغر الهامة داخل الوزارة.
وبيّن زكارنة أن الإدارة العامة للخدمات البيطرية تعمل حاليا بأقل عدد ممكن من الأطباء البيطريين منذ عام 2007م، منوهاً أن عدد الاطباء البيطريين غير كافٍ حسب الهيكلية الخاصة لوزارة الزراعة. حيث سيتقاعد عشرة أطباء خلال العشر سنوات القادمة ليصل عددهم إلى (2) طبيب يعملون داخل الوزارة.
ولا تعاني وزارة الزراعة فقط من هذا النقص بل كافة الوزارات مثل وزارة الصحة والاقتصاد والبلديات، ليقف الجميع عاجزاً عن توفير وظائف جديدة، ويعود السبب الأساسي إلى عدم وجود أطباء بيطريين في القطاع، أيضاً إلى ضعف الإمكانات لدى الحكومة في غزة، وأخيراً ضعف معرفة المجتمع بأهمية الطبيب البيطري داخل هذه الوزارات، وحتى من قبل المؤسسات المجتمعية.
مقر قسم البيطرة في قطاع غزة
حاجة ملّحة
وفي دراسة أعدّها سامي النخالة مدير دائرة التنمية البشرية "المكلف" حملت عنوان ( نقص العنصر البشري في تخصص طبيب بيطري)، فقد تحدث فيها عن أهمية الطب البيطري والخدمات التي تقدم في الوزارات والمؤسسات الأخرى، ففي وزارة الصحة يعمل الأطباء البيطريون على مراقبة الأمراض المشتركة والصحة العامة والرقابة على الأغذية ذات المصدر الحيواني التي تقدم للمرض وتفحص المنتجات الحيوانية مخبرياً.
أما الاقتصاد الوطني فهي تعمل على حماية المستهلك وفحص عينات مخبرية من المنتجات المحلية والمستوردة، بينما الخدمات الطبية العسكرية فهي تحافظ على الحيوانات المستخدمة عسكريًا (الكلاب-الخيل) ومراقبة المنتجات الحيوانية التي تقدم للجنود والشرطة، أما البلديات فالطبيب البيطري يعمل على سلامة الذبائح والرقابة عليها في الأسواق وخلال ذبحها.
والجدول التالي يوضح عدد الاطباء البيطريين في الوزارات والمؤسسات الأخرى مقارنةً باحتياجاتها من الأطباء
الكادر البشري من الأطباء البيطريين
الموجود الاحتياج الفعلي
|
الوزارات والمؤسسات
|
الرقم
|
25
|
9
|
البلديات
|
1
|
15
|
4
|
وزارة الصحة
|
2
|
15
|
1
|
الخدمات الطبية العسكرية
|
3
|
6
|
1
|
الاقتصاد الوطني
|
4
|
61
|
15
|
الاجمالي
|
5
|
وبذلك يجد النخالة أن هناك مشكلة حقيقية ستواجه القطاع خلال الأعوام القادمة في هذا المجال فقد حصر عدد(2) طبيب خريج جديد فقط من الأطباء الجدد خلال العشر سنوات القادمة، ونوه إلى أنه لا يوجد لطلاب الثانوية العامة توجه وحافز لدراسة الطب البيطري؛ خاصة أن تكلفة الدراسة عالية وتقارب دراسة الطب البشري.
ويرى أن المشكلة الحقيقية تكمن بأنه لا يوجد حتى اليوم أي توجه من الجهات الرسمية لتشجيع دراسة الطب البيطري، والعمل على ابتعاث طلاب الثانوية العامة بمنح للدراسة في هذا المجال، كما لم تفتح أي آفاق بإعلان طلب توظيف لوظيفة خاصة بهذه المهنة خلال العشر سنوات الماضية.
توصيات عاجلة
بينما طالب الدكتور حسن عزام نائب مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة بالتحفيز من قبل الحكومة للتوجيه نحو دراسة الطب البيطري من خلال تعديل قانون الخدمة المدنية بزيادة الرواتب وعلاوة المهنة والمخاطرة للطبيب البيطري لتتساوي مع الطب البشري.
وشدد أيضا على ضرورة وضع برنامج لابتعاث الطلبة لدراسة الطب البيطري خلال الخمس سنوات القادمة، وإيجاد منح دراسية لهم، والتعاون المشترك بين وزارة الزراعة والمؤسسات والوزارات الأخرى التي هي بحاجة للأطباء البيطريين بشكل أكبر، والعمل على سرعة توظيف (21) طبيباً بيطرياً لسد العجز بالكادر البشري حسب الهيكلية".
وختم عزام بأنه إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة، فقطاع غزة على حافة مشكلة حقيقية في التنمية والحفاظ على الصحة العامة والثروة الحيوانية والاقتصاد عموماً.