خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتحلق صحافيات طوباس الصغيرات حول طاولة مستطيلة، وتبدو من النوافذ سماء شباط صافية وباردة، لكن أحلام الزهرات مغايرة، فهن يفتشن خلال اللقاء الشتوي للمخيم المستمر منذ خمس سنوات في البحث عن هموم مدينتهن، ويرسمن لها في الوقت نفسه لوحة أحلام وردية.
تتلقى أماني دراغمة، وأحلام صوافطة، ومرام طيطي، وإكرام صوافطة، وسديل محمود، وهامة وهالة دراغمة، ووجدان وصمود أمجد، وجبة تدريبية جديدة، تتركز على الحوار التلفزيوني، ويشاهدن مقاطع فيديو لأسس المقابلة المرئية وفنياتها، ويبدأن بوجبة أسئلة افتراضية، فيتقمصن دور السائل والمجيب، وينتقلن بين موقع المواطن وكرسي المسؤول.
لائحة هموم
تبوح الصغيرات بلائحة تشير إلى هموم مدينتهن، فيأتي الكابوس الأول في احتلال يحرم المدينة من غورها الشاسع، ويجردها من جبالها، ثم تتوالى التحديات وتصغر.
قبل 16 عامًا، أبصرت أماني دراغمة النور في طوباس، يومها كانت الأغوار تستذكر مرور 34 على احتلالها، لكنها اليوم تستعد لإكمال نصف قرن من نهب الأراضي والمياه. تقول: نذهب إلى عين البيضاء وعين الساكوت في الأغوار كل أسبوع تقريبًا، نشاهد ما تعانيه بفعل الاحتلال، ونرى الأرض الخضراء ونتحسر.
تخط رسالة إلى العالم من الأرض الممتدة على قرابة 400 كيلو متر مربع: " ترون هذه السهول الجميلة، وذات التربة الخصبة، وتشاهدون عين الساكوت كالبحيرة الصغيرة، وترون الجبال التي بدأت بالاخضرار، لكننا نحرم منها، فلا نصل إلى المرتفعات، وإن قدمنا إلى النبع نُلاحق، والمزروعات مثل الناس تتعرض للاقتلاع. وهنا كل شيء يُحرّم علينا."
الصحافيات الصغيرات أثناء إجرائهن مقابلة مع المسؤولين
غور حزين
التحقت أماني بالمخيم عام 2009، وصارت اليوم توزع هي ورفيقاتها عينها إلى زاويتين متباعدتين: الحرية الغائبة، والخدمات الأساسية. تروي: "أقل ما نحلم بتحققه اليوم، هي شوارع منظمة وملونة بالأشجار، ومنتزه يوفر لنا ما نحتاجه، وأن لا نغرق في العتمة".
تبوح أحلام صوافطة: "استطعنا بالمهارات الصحافية التي حصلنا عليها أن نقترب من هموم المواطنين، فالتقينا بهم في الشوارع والحقول، ولمسنا قلقهم، وتعلمنا وصف الهموم اليومية التي تعكر عيشتهم، وأنتجنا فيلمين وثائقيين قصيرين عن مدينتنا: الزراعة والبيئة".
وترعى وزارة الإعلام بالشراكة مع جمعية طوباس الخيرية ومركز التعليم البيئي/ الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة المخيم منذ خمس سنوات، وتواكب مع 20 زهرة كل صيف هموم المدينة، لكنها هذا العام تنظم لقاءات خلال العطلة الشتوية للمدارس، في تجربة أولى، وتخصص حيزًا للتعريف بقضايا البيئة ومفاهيمها الخضراء.
تقول مها دراغمة رئيسة جمعية طوباس الخيرية: "أهلّنا صحافيات صغيرات لنقل هموم الناس، وأصبحن بالفعل يبادرن، وسبق أن التقين بالمحافظ، وبرئيس البلدية، ووزير الصحة، ومدير شركة الكهرباء، ومدير الشرطة، وأطلقت مبادرات مجتمعية، ويخططن في القريب لإدارة حوار متلفز يناقش واقع الخدمات في المدينة".
تتابع: "سيكرسُ اللقاء للبحث عن سبب تواصل الأزمات، واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، والشوارع المليئة بالحفر، ونحن نطمح أن تساهم الصغيرات في الحل، فلن يتهمن أحدًا، ولكنهن سيطالبن بحقوقهن، وهذا أقصى ما سيفعلنه".
كهرباء متعبة
وتواصل الصغيرات سرد همومهم حول المدينة، فيُجمعن على أن القلق الأبرز يتلخص اليوم في: الشوارع المتراجعة، والتيار الكهربائي الذي يتكرر انقطاعه، وغياب مكان مخصص للأطفال والشباب.
تكتب هامة بخط أزرق مزركش على ورقة بيضاء: " أحلم بطوباس مليئة بالحرية والجمال والأزهار والنور، وأن نغني في حضرتها (حلوة يا بلدي)."
وتتقاطع أحلام صمود أمجد وسديل محمود وهالة دراغمة ووجدان في الأماني الخضراء العاجلة والآجلة للمدينة، وأهمها الحرية، والأشجار والأزهار الكثيفة في الطرقات، وانتهاء زمن الكهرباء المريضة.
فيما تسرد إكرام صوافطة: "نحلم بطوباس كنموذج في نظامها وجمالها، بشوارع نظيفة وأزهار مثل الطوفان، وأمكنة خاصة بالفتيان والشبان". أما مرام طيطي فتختتم: "أحلامنا العامة كلها حرية، وحلمنا الخاص أن نجد كل ما نتمناه في المدينة من شوارع ورفاهية وشجر وخدمات."
aabdkh@yahoo.com