خاص بآفاق البيئة والتنمية
تنطق حجارة البلدة القديمة لبلدة دير استيا، شمال سلفيت، بقصة نظام معماري وتاريخي، خرج عن الخدمة لصالح الإسمنت والنمط الحديث.
يحتمي رئيس البلدية سعيد زيدان من البرد بكوفية وهو يقف على مدخل البلدة الشرقي، ويقول: "كانت دير استيا كالحصن، فأحيطت بأسوار لحمايتها، ووضعت لها أربعة أبواب من جهاتها المختلفة. وتعلو البوابات الأربع مضَافة كانت تستخدم للقيام بواجب الضيوف وللحراسة على مدار الساعة، وأسفلها إسطبل للخيول، وفي الجوار بئر ماء، وعندما كان يصل المسافرون إلى البلدة، يقيمون فيها ليلتهم، ثم يواصلون المسير في الصباح".
أرضية مبلطة بالبلاط العربي القديم في بلدة دير استيا
حصن وزيت
ويرسم زيدان صورة للقرية، فجاءت اللوحة لبناء متراص، فيما كان يعتلي الأبواب حراس من كل جهة، كانوا يقيمون اليوم بطوله في غرف صغيرة، ويراقبون الدروب؛ خشية اللصوص وقطاع الطرق. أما في الداخل فتحتفظ كل عائلة بآبار للمياه، وبجوارها الآبار لحفظ زيت الزيتون.
ويكمل: "في داخل البلدة 80 بئراً للمياه، ومثلها لحفظ الزيت، وكانت البوابات تغلق مع حلول الظلام، ويعاد فتحها في الصباح".
ويكرر زيدان القصة ذائعة الصيت في بلدته، فقد نفذت المياه من منزل عبد الرحيم موسى أبو حجلة، حين كان يبني مدخل البيت، ويومها استعمل زيت الزيتون لإتمام مهنته، فيما لا زالت علامات الزيت واضحة على المدخل.
وبحسب إحصاءات وزارة الزراعة فإن البلدة ذات الخمسة آلاف نسمة، تعد الثالثة في الضفة الغربية على صعيد إنتاج زيت الزيتون.
الأزقة القديمة في البلدة القديمة بدير استيا بنظامها المعماري والتاريخي المميز
تبريد طبيعي
ويعود تاريخ القرية بحسب سكانها ومسؤولي السياحة والآثار إلى 300 سنة تقريباً، فيما تمتد على 65 دونماً، وتحتفظ البيوت بنظام تبريد للأجواء في الصيف، عبر فتحات علوية في الجدران الخارجية، مبنية بشكل هرمي، تسمح للهواء الممزوج بالماء بالدخول.
وأضاف زيدان: "أعدنا إنعاش كل المباني القديمة التي رُممّت، ونلنا لقب (واحدة من أفضل 10 قرى في العالم)، ضمن مشروع تُشارك فيه مدن إيطالية ويونانية وإسبانية، وسنبدأ في القريب في إقامة فندق داخل منزل عبد الرحيم أبو حجلة، سيكون الأول في بلده بالضفة الغربية".
ووفق زيدان فقد تبرعت عائلة أبو حجلة بقصرها لصالح البلدة، الذي شيد قبل نحو 300 سنة، واتخذته سلطات الحكم العثماني مقرًا لها، واستعملت غرفه كسجن، فيما ثُبّتت في إحدى سقوفه أداة معدنية كانت تستخدم لتثبيت حبال أعواد المشانق.
وبحسب الراويات التاريخية التي يتناقلها الأهالي، فإن دير استيا القديمة كانت تتمتع بنظام حماية خاص، وأقيمت في أعلى نقطة بالبلدة ترتفع نحو 400 متر عن سطح البحر.
المضافة التي كانت تستخدم للقيام بواجب الضيوف والحراسة في بلدة دير استيا
معمار طبقي
فيما يقول زير معطان الزير، الذي يقيم في سلفيت ويحمل شهادة التاريخ والآثار من جامعة النجاح الوطنية إن نظام التبريد القديم للمباني، كان يتم حسب الطبقة الاجتماعية والأحوال الاقتصادية. فقد حصل الفقراء على التبريد جراء الاحتماء بالسراديب الأرضية، فيما واجه الأغنياء الحر باستخدام العبيد، الذين كانوا يوفرون لهم مراوح من البوص والقش.
ويضيف: "مع تطور التجارة في عهد المماليك والدولة العثمانية، دخل استخدام الزجاج في المباني، وفي دير استيا القديمة لا زالت شواهد هرمية من الفخار الذي كان يستعمل لإدخال الماء المضغوط في فتحاته، ليتم توزيعه على البناء. مثلما استعمل نظام رفع السقوف إلى أكثر من أربعة أمتار، وأقيمت القباب على السطوح لتقليل حرارة الشمس".
ويؤكد زيدان أن البلدية ستعيد ترميم قصر أبو حجلة، الذي سيتحول بعد نحو عام إلى فندق يتسع لنحو 60 نزيلاً، و10 غرف واسعة، وساحات. فيما سيحافظ الترميم على تاريخ المبنى وسيصون الأبواب والنوافذ والأدراج والقباب، ونظام التبريد، كحال الأبنية التي سبق تأهيلها وتحولت إلى عيادة، وناد رياضي، ومركز نسوي.
ويدور الحديث عن منحة بلجيكية بنحو مليون شيقل، سيعيد للمكان قوة حجارته الأخّاذة بالتداعي، ولتستخدم البلدية الفندق 20 عامًا، قبل أن تعيده إلى مالكيه.
يقول زيدان: "خرجت مشاريع الترميم إلى النور أوائل التسعينيات، ونُفّذت بأدوات بسيطة، ومبادرات شبابية خلال مخيم صيفي لاتحاد الشباب، واهتمت بترميم البيوت المتداعية، ثم تطورت بالشراكة مع مؤسسات أجنية.
جامع تراثي عريق في بلدة دير استيا
17 عائلة
يتابع: "لم تشمل مشاريع الترميم كل مواقع البلدة القديمة، واقتصرت على بعض البيوت والممرات، وفيها اليوم 17 عائلة، ونحتاج إلى المزيد من الجهود لترميم البقية.
وينهى زيدان: "احتفلنا قبل سنوات بعرس فلسطيني تقليدي لعروسين من مخيمات سوريا، واستضفنا طاقم تصوير أغنية فلوكلورية للفنانين محمود بدوية ومنال موسى، ونتمنى أن تعود الحياة إلى البلدة كلها، قبل فوات الأوان".
وتستقطب البلدة الزائرين من غير وجهة، فيقول سامي مروة مدير تربية بيت لحم، إن المكان يشجع على تنفيذ سياحة بيئية للطلبة، وتحفة معمارية. ويؤكد مسؤول العلاقات العامة والإعلام في محافظة سلفيت "معين ريان" أن المنطقة أصبحت وجهة للعديد من الوفود، فكل من يزور وادي قانا القريب يأتي إليها، ويشاهد تحفتها المعمارية.
يختتم الفتى محمد أبو حجلة الذي يسكن البلدة: "منزل عائلتي يشبه ما نشاهده في التلفاز من مسلسلات سورية، ففي قلبها حديقة (أرض ديار)، وفي الداخل عليّة مرتفعة، وبجانبها مضافة، إنها تصلح لمسلسلات قديمة، تعيدنا إلى الأيام الجميلة."
مبنى تاريخي قديم في بلدة دير استيا