خاص بآفاق البيئة والتنمية
برك صخرية طبيعية في خربة قرقش تحولت إلى مجمع لمياه المستعمرات العادمة
تلاصق خربة قرقش الناحية الشمالية الشرقية لبلدة بروقين بمحافظة سلفيت. هنا تبوح الصخور بحكاية رومانية نحتت قرابة عام 1200 قبل الميلاد، فيما تتزين الأرض بنباتاتها وزيتونها الضارب في الأرض. لكن الرواية لا تصل بعيدًا، فالاستيطان يزحف نحوها، والمكان لا يأخذ حقه كوجهة للسياحة الداخلية، ويتعرض لهجمات لصوص الآثار.
بالنسبة للفتى عدي بركات،17 عامًا، فإن الراوية الأكثر حضوراً في بلدته تتمثل في المكان الأثري الأقرب لمنزل عائلته في أطراف بروقين، وهي منطقة لا تقل أهمية عن البتراء، المدينة الوردية التي نحتها الأنباط في الصخر.
عدي بركات ابن بروقين يروي بأن الأماكن الأثرية في أطراف بلدته لا تقل أهمية عن البتراء مدينة الأنباط
سرطان وتاريخ
لكن الفارق كما يقول عدي يتجلى في الاستيطان الذي يزحف نحو الخربة، وفي مجموعات المستوطنين القادمة إلى المنطقة الأثرية، وخاصة خلال الربيع، التي تدعي أن المنطقة يهودية.
يضيف: "الخربة أقدم من مستوطنتي أرئيل وبركان اللتين تلتهمان أرضنا، وتحيطان بالخربة، وتكبر إسرائيل نفسها بأكثر من 3 آلاف عام فقط، لكن للأسف المكان غائب عن اهتمامات الناس."
وتستلقي الخربة المغمورة على نحو ثمانية دونمات تضع كل ثقلها على تل، وتفيض بالمشاهد غير المعهودة، وتمتد المدينة الرومانية مشرفة على جبال سلفيت، وتعلو البحر بقرابة 400 متر، وتحاط بأشجار زيتون معمرة، وبأزهار فلسطين الأصيلة كالزعموط واللوف وشقائق النعمان.
سعيد علان رئيس بلدية بروقين
شمس وقمر
يقول رئيس بلدية بروقين، سعيد علاّن: "إنها مدينة الشمس والقمر التاريخية، ولو أننا ننعم بالحرية لاختلفت حالة بلدتنا، ولصارت الخربة وجهة هامة. وأخذت قرقش اسمها من قرص الشمس والقمر المنحوتة على مدخل القبر الكبير فيها".
يتابع بشعر يتهدده الشيب، وخطوات تشق طريقها عبر ممرات ضيقة بين الصخور: "ورثنا المدينة عن أجدادنا، وعشنا طفولتنا فيها، وهي للأسف بلا سياح تقريباً، وتتعرض لاقتحام المستوطنين المتكرر، ولو أنها كانت في مكان آخر لتبدل الحال كثيراً".
ووفق علان، فإن "مدينة الشمس والقمر" تتوزع على منطقتين: علوية تضم المنطقة السكنية، وتنتشر فيها من كهوف وآبار ومقالع حجارة كبيرة وبرك منحوتة في الصخر ومعاصر عنب وزيتون، أما القسم السفلي ففيه المدافن.
يزيد: "يضايقنا الاحتلال كثيرًا، ولا يبعد مصنع للحديد في مستوطنة أرئيل سوى أمتار قليلة عنها، ونخشى أن يأتي اليوم الذي تصبح الخربة فيه منطقة عسكرية محرمة علينا".
قرص الشمس المنحوت على مدخل القبر الكبير في خربة قرقش
قبور وطبقات
وبحسب علان، فإن قبور القرية كانت شاهدة على الاختلاف الطبقي للرومان، فهناك قبور واسعة وفخمة، تضم مكاناً كان العامة يتقربون فيه إلى ملوكهم الموتى بالطعام، وفيه متسع لأدوات الطعام والزينة والإضاءة.
ويفيد مسؤول الإعلام في محافظة سلفيت معين ريان، خلال جولة نظمتها وزارة الإعلام للصحافيين، إن المحافظة تسعى للتعريف بالخربة، وتحرص على إيصال الوفود المحلية إليها، فهي مغمورة للأسف، وحتى في محافظات قريبة يجهلها الناس، وسيذهلون عند زيارتها، وبكونها تحفة فنية مصنوعة من الصخور بإتقان.
ووفق ما تؤكده وزارة السياحة والآثار، فإن الخربة أدرجت في العام 1871 من قبل مسح غرب فلسطين، على لائحة التراث الثقافي.
وبحسب مدير سلطة جودة البيئة في سلفيت مروان أبو يعقوب، فإن السلطة نظمت في السابق جولة بيئية للتعريف بالخربة الغنية بالتنوع الحيوي والتراث الثقافي، وهي رسالة لتشجيع المواطنين على الوصول إليها، والتعرف إلى آثارها.
|
|
مبنى في خربة قرقش ببلدة بروقين منحوت في الصخر |
موقع أثري في خربة قرقش |
لصوص الهوية
يعود رئيس بلدية بروقين، ليؤكد أن مدينة الشمس والقمر بين فكي كماشة، فمن جهة تحاط بالاستيطان، وتتعرض في مناسبات عديدة لهجمات لصوص الآثار، الذين يدمرون كل شيء جميل طمعًا في القليل من المال.
وأنهى علاّن: "لا نتشرف بأي فلسطيني ينهب تراثنا ويهربه إلى الاحتلال بثمن بخس، ونعتقد أن من يعتدي على آثار قرقش لا يمكن أن يكون منا وفينا، فالأمر ليس حجارة بل تاريخ وهوية لنا ولأجيال المستقبل".