خاص بآفاق البيئة والتنمية
أشتعل في السادس عشر من تشرين أول الماضي حريق هائل في مكب زهرة الفنجان، وفتحت الحادثة نوافذ عديدة، حول المكب وما يرافقه. وبحسب وكالة الأنباء الرسمية(وفا)، فقد قرر وزير الحكم المحلي سائد الكوني، تشكيل لجنة تحقيق في الحريق الذي اندلع في حفرة تحوي اطارات مطاطية في مشروع مجلس الخدمات المشتركة للنفايات الصلبة "زهرة جنوب جنين".
وقال الكوني خلال تفقده للمكب: إن التحقيق سيجري في كافة الاتجاهات لمعرفة الحقيقة وإذا ما ثبت أن الحريق بفعل فاعل فإن القانون سيأخذ مجراه، انطلاقا من التزام الحكومة بمحاربة الفوضى والفلتان. مضيفا أن المشروع بيئي وطني استراتيجي، وأن واجبنا جميعا الحفاظ عليه وتفعيل دوره وضمان استمراره بما يخدم أهالي المحافظة.
ودعا إلى رفع مستوى الوعي بأهمية المشروع بيئيًا وصحيًا، والوصول إلى مختلف شرائح المجتمع المحلي لتحقيق هذا الهدف، مشددا على أن لا بديل لمشروع زهرة الفنجان، فالمكبات العشوائية تحمل أخطارا بيئية كبيرة وتهدد المياه الجوفية.
وطالب الكوني بإعداد دراسة فنية لإمكانية الاستثمار في مجال النفايات الصلبة مما سيعود بالفائدة على البلدات المجاورة. وقال 'إن الحكومة جاهزة لمعالجة أي إشكاليات قد تعترض عمل المشروع، وإنها تتعامل مع كل نقد أو شكوى بروح المسؤولية والقانون. كما دعا مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للمشروع إلى أخذ مصالح البلدات المجاورة بعين الاعتبار، انطلاقا من المسؤولية الاجتماعية للمشروع.
أرقام وإستراتيجية
ووفق الموقع الإلكتروني للمجلس، تبلغ مساحة أراضي المشروع حوالي 220 دونماً، حيث سيستغل منها حوالي 120 دونماً ستخدم لمدة ثلاثين عاما. ويقع المشروع في منطقة زهرة الفنجان ( واد علي) بين بلدتي عرابة وعجة، ويبعد حوالي 15 كم جنوب جنين و25كم غرب طوباس. و23 كم شمال نابلس، 24 كم شرق طولكرم و50 كم شمال قلقيلية. فيما تبلغ التكلفة حوالي 14 مليون دولار.
والمجلس مؤسسة شبه حكومية اقليمية تم انشاؤها للاستجابة لاحتياجات خدمة المجتمع بطريقة اقتصادية فعّالة طبقا لنظام مجالس الخدمات رقم (1) لعام 1998، وقد تم دمج الهيئات المحلية تحت هذه المظلة من اجل ان يكون اهمية للقرارات والتحركات لهذه المؤسسة.
ويدار المكب بواسطة مجلس إدارة يتكون من 20 هيئة محلية، 15 بلدية، ومجالس قروية قابلة للتغيير كل سنتين، علما أنه يوجد بالمحافظة ومنطقة طوباس 15 بلدية، و63 مجلس قروي إضافة إلى بعض الهيئات الصغيرة الممثلة بلجان المشاريع.
ووفق المجلس، بدأ في عام 1998 توجه شامل لتحسين خدمات النفايات في الضفة الغربية ضمن مشروع ادارة البيئة والنفايات الصلبة الذي أوصى بأن هناك حاجة لتحسين طرق التخلص من النفايات وادارة خدمات جمع النفايات بفعالية اكبر، وكلاهما تزيدان من احتمالات تحسين وضع البيئة بشكل واضح في معظم انحاء الضفة الغربية. أما الاراضي التي تم شراؤها 240 دونماً، ومساحة الخلايا الجاهزة للاستخدام 95 دونماً، فتخدم محافظات الشمال لمدة تصل الى 15 عاما في المرحلة الاولى يتم التوسع بعدها في الاراضي المتبقية والمملوكة للمجلس. ويتسع المكب 2.25 مليون طن. فيما يستقبل المكب حوالي 800 طن يوميا من محافظة جنين وطوباس ومدينة نابلس ومحافظة طولكرم ومحافظة قلقيلية، وسترتفع الكمية لاحقاً في حال قامت بلدية رام الله بترحيل النفايات الى المكب. فيما يبلغ عدد السكان المستفيدين منه في محافظات الشمال حوالي 800,000 مواطن.
آراء
يقول الصحافي عاطف أبو الرب لـ(آفاق): بما أن هذا مكب نفايات، فهو ليس متنزه، ولا بد أن يرافق وجوده أضرار، ولكن الأمور تقاس بحجم الإيجابيات والسلبيات، وحتماً إيجابياته أكثر، ولكن على المنطقة يعود بسلبيات أكثر.
يضيف: أنا أرى أن المكب ترك آثاراً سلبية على المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالروائح، وأعتقد أنها التأثير الوحيد الواضح، وما عدا ذلك مجرد هراء. ومع ذلك أرى أن على الجميع التكاتف للحد من تأثير هذه الروائح، خاصة وأننا لا نتحدث عن رائحة ليوم أو أسبوع. الأمر الآخر يجب أن لا يغيب عن بال الجميع أن المكب أسس لخدمة جنين وطوباس، والآن يخدم جنين، طوباس، نابلس وطولكرم، وقلقيلية، وسلفيت بشكل جزئي، وهذا سيكون له تأثير على فعالية المكب.
تفاعلات
ووفق أبو الرب: ثمة شيء غير مفهوم فيما نريد، ففي الوقت الذي نطالب فيه بمشاريع للنظافة، وأخرى للصرف الصحي نرفض بشكل مطلق وجود مكبات ومحطات تنقية لمياه الصرف الصحي. فمنذ سنوات تعيش جنين، ومؤسسات السلطة الفلسطينية مشكلة مكب زهرة الفنجان، بصورة لا يمكن فهم المراد منها. ومنذ وقت قصير هناك جهود لبناء شبكات صرف صحي، وبالتالي لا بد من برك تجميع للمياه، ولا بد من وجود محطات تنقية، والغريب أنه وبالرغم من مطالبة الكثيرين بمثل هذا المشروع إلا أن هناك رفض مسبق لوجود هذه المحطات.
يضيف: من وقت لآخر تثور قصص حول خطورة المكب، وأحياناً تم اتهام المكب وإدارته باستقبال نفايات سامة من إسرائيل والمستوطنات، وأحياناً قيل إن المكب هو سببٌ في زيادة مرضى السرطان في المناطق المحيطة، وتارة أخرى قيل إن عصارة المكب تتسرب للمياه الجوفية. وحيث أنني لست خبيراً في البيئة، وليس لي أي قدرة على رفض أو قبول أية نتيجة، إلا إنني أرى أن الحديث بهذه الطريقة فيه الكثير من السطحية.
يتابع: إذا كنا نرى أن وجود هذا المكب في غير مكانه، فيجب إغلاقه فوراً، أو على الأقل إيجاد البديل والعمل على إغلاقه، ومنذ سنوات لم أسمع أي مسؤول يقدم مثل هذا الطرح، والسؤال لماذا كل هذا الهجوم على المكب، إذا كنا لا نفكر بإغلاقه؟ أما الحريق الذي اندلع في المكب خلال عيد الأضحى المبارك، لا يمكن أن يحدث تلقائياً، خاصة أن المكب لا يستخدم عمليات الحرق. وعليه فإن النيران إما اشتعلت بفعل شخص من داخل المكب، وإما بفعل شخص من خارج المكب، وهنا لا يمكن القبول بفكرة أن النار اشتعلت بطريق الصدفة، أو من غير قصد.
يختم: الكل ينتظر نتائج لجنة التحقيق بالحريق، ولا بد من إشراك الأمن في التحقيق بمثل هذه الحادثة، لأنه لا يجوز أن ينحصر عملها في احتمال تقصير أو سوء إدارة، بل هناك احتمال، واحتمال كبير أن الحريق نتج عن قصد. وأرى أن نتائج التحقيق في هذه الحادثة ستحكم مستقبل المكب، فإما يتم الكشف عمن ارتكب هذا الفعل الخطير، وتقديمه للقضاء؟ وإما أن تغلق القضية ويبقى المكب ومشاريع كثيرة عرضة لاستهداف فئة لا تريد الخير للبلد. وإن تبين أن إدارة المكب لها دور فيما جرى فلا بد من عقوبة رادعة، وكشف للحقائق، كما أنه في حال تورط أشخاص وجهات في تدبير ما جرى، فلا أحد فوق القانون، يعني لا بد من كشف الجهة التي تقف وراء الحريق، وتعريتها، وإنزال أقصى عقوبة بحق هذه الجهة، وحذار أن تصل لجنة التحقيق لنتيجة تفيد أن الحريق اندلع لظروف جوية، أو غيره من النتائج المرفوضة من حيث المنطق.
حريق الإطارات في مكب زهرة الفنجان
صورة قاتمة
ويقول المرشد التربوي محمد ملحم، الذي يسكن بلدة كفر راعي: من أقل أضرار المكب، اضطرار المسافر على طريق جنين - نابلس إلى إغلاق نوافذ السيارة بالحرّ الشديد، وبخاصة أننا لسنا معتادين على استخدام المكيفات، أو المرور وسط الروائح الكريهة، وبالتأكيد فإن المعاناة ستتصاعف لمرضى الجهاز التنفسي، وبخاصة الذين يشكون "الربو".
يضيف: قرّب المكب بلدنا من جنين، بفتح شارع جديد، فيما انتشر البعوض والذباب، بشكل ملفت. ومن آثاره ، كما نسمع من المزارعين تلف الثمار اللوزية وتعفنها حتى وهي على الشجر خاصة المشمش. وصرنا نعيش مع الروائح الكريهة والأمراض، ونسمع عن ارتفاع حالات السرطان في بلدنا إما بسببه أو بسبب أبراج شركات الاتصالات والتلفاز، ولا بد لدراسة علمية جادة.
يتابع: ثمار الزيتون أيضاً مصابة بشكل كبير بأمراض، وجزء كبير منها يسقط على الأرض. وجزء من المشكلة عدم وجود أي تشاط بيئي في بلدنا، الكل يشكو من تداعيات المكب، من دون فعل أي شيء.
"حياة بطعم النفايات"!
بدوره يقول الصحافي زهران معالي، الذي يسكن قرية عجة: "حياتنا باتت بطعم النفايات".. بهذه العبارة ممكن أن تلخص معاناة نحو سبع بلدات وقرى تجاور مكب "زهرة الفنجان" للنفايات الصلبة الذي أقيم جنوب مدينة جنين عام 2007. وكل ما نتمناه بالقرى المجاورة وقريتي، العيش بلا روائح تكدر حياتنا، ولا حشرات تنقل الأمراض إلينا، بما أنه حق طبيعي لكل مواطن، كما كنا قبل العام 2007، نستطيع الجلوس على شرفة المنزل بحرية في هواء منعش لا بروائح تعكر صفونا.
يضيف: أصبحنا لا نستطيع العيش وسط الروائح المنبعثة من المكب، وأسراب الذباب "الجناح العسكري للمكب" التي تهاجمنا في النهار بينما يتسلم البعوض المهمة منها ليلا. بتنا لا نستطيع فتح نوافذ البيوت ولا السهر في ليالي الصيف. ودائما يتولد سؤال لدي حينما أسمع بتباهي المسؤولين بأن المكب الذي يعمل بأسلوب طمر النفايات بالتراب، هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط الذي يطبق مواصفات بيئية وفنية عالمية: إذن لماذا تنبعث من المكب روائح كريهة طالما أنه مصمم وفق المعايير العالمية؟.
يتابع: سمعت روايات كثيرة من أبناء البلد الذين يذهبون لأعمالهم غالبًا بساعات الفجر، عن تجاوزات في المكب، تمثلت بدخول ناقلات نفايات في وقت متأخر من الليل وتفرغ حمولتها وتبقى دون طمر حتى اليوم التالي، طبيعي أن تسبب روائح.
ووفق معالي، فإن قرية عجه باتت تعاني مشكلة حقيقية بالسكن في ظل تراجع مساحات البناء في المناطق البعيدة عن الجنوبية بالبلدة ومناطق "الوعر"، التي أجبرت الناس على البناء ببقية أراضي البلدة في المناطق الشمالية أي القريبة من المكب.
ويتساءل: ماذا يفعل هؤلاء الناس؟ ويجيب: كما قال لي بعضهم. بتنا نفكر فعليا بالرحيل عن بيوتنا والبحث عن مكان نعيش فيه حياة طبيعية بعيدًا عن روائح المكب وغزو أسراب البعوض والذباب". ولا أريد أن أتهم، ولكن لاحظت منذ أربع سنوات أو خمس ازدياداً بحالات الوفاة بسبب مرض السرطان بالقرية وظهور أمراض جديدة بالبلد، وجود أكثر من 200 حالة "الدوار(الدوخة) أو فقدان الوعي، خاصة بالحفلات" لم تكن موجودة سابقاً هذه الظاهرة بالبلد!
ويتابع: قضية أخرى بحاجة للتوضيح فيما يتعلق بالمناطق التي يغطيها المكب، في البداية كانت تقتصر على جنين وطوباس، ولكن مؤخراً شمل منطقة الشمال ورام الله والبيرة بعد اغلاق مكباتها! ألم تقولوا أنه لمنطقة الشمال وسيخدم 15 عاماً... كيف سيخدم تلك المدة في ظل توسع المناطق التي يخدمها!
ويتساءل: ماذا تفعل مركبات تحمل اللوحة الإسرائيلية في المكب ولماذا تفرغ حمولتها في ساعات متأخرة؟
فيما يقول الأهالي بالقرية وأصحاب الأراضي القريبة من المكب: "نخشى أن تتلوث التربة وتصبح غير صالحة للزراعة كما نخشى على الأشجار المزروعة"، ويوضح بعضهم أنه في فصل الشتاء تصل إلى الأراضي مياه سوداء من المكب لا نعلم مدى خطورتها!
يوالي: ما جرى مؤخراً بالمكب من حريق في الإطارات إستمر لساعات الصباح، تصاعدت على إثره أعمدة الدخان السوداء القاتمة التي تشي من منظرها بأنها تحمل الأمراض، والغريب بأمرها أنه بعد الساعة العاشرة صباحاً، في اليوم التالي لم نشاهد أي أثر للحريق! والكل يلاحظ في المناطق القريبة أنه عندما يأتي وزير أو شخصية ذات علاقة فالفرق يكون كبيراً، من حيث اختفاء الروائح، ولكن بعد الزيارة يعود الأمر إلى ما كان عليه، وكذلك الحال بالنسبة للحريق، حيث سمعنا بتشكيل لجنة تحقيق أمر بها وزير الحكم المحلي سائد الكوني ولكن أين وصلت، وماذا فعلت اللجنة؟ أم انها تصريحات إعلامية فقط؟
يتابع: لا أحد يعارض النظافة والحفاظ على البيئة، وأنا اعتبر عمل المكب انجازاً وطنيًا، ولكن ليس بالمنطقة التي وضع فيها، وأعلم أنه قضى على أكثر من 80 مكب عشوائي، ولكن لا نريده أن يقضي علينا!
رد
فيما يقول المدير التنفيذي لـ"زهرة الفنجان" هاني شواهنة لـ(آفاق): إننا نتحدث عن مكب، وهذا يعني وجود روائح فيه. وقد صمم بالفعل لجنين وطوباس، ولكن الأمر أحيل لإستراتيجية السلطة الوطنية، التي رأت أنه من المناسب وجود أربعة مكبات مركزية فقط: واحد في الجنوب بغزة، والثاني لمحافظات الخليل والقدس وبيت لحم، والثالث في الوسط لرام الله وأريحا والأغوار، والرابع في الشمال( زهرة الفنجان)، الذي قضى على 85 مكباً عشوائياً كانوا ينتشرونبآثارهم السلبية.
يضيف: ليس غريباً، وجود مكبات مركزية، ففي الأردن هناك مكب مركزي يجري ترحيل نفايات الزرقاء والسلط إلى عمان بنحو 2000- 2500 طن يوميا، رغم وجود الأراضي الصحرواية البعيدة عن التجمعات السكانية.
ويعود شواهنة بذاكرته إلى الوراء، حين كانت مناطق عديدة في جنين تعاني المكبات العشوائية، وإحراق النفايات والروائح، ولم يكن الأمر يواجه باحتجاجات من المواطنين. وللأسف، يبدو أن بعضهم يرفض العمل الرسمي والقانوني، ويدافع عن الخطأ، ولو كان الأمر متصلاً بمكب عشوائي اسمه(زهرة الفنجان) تُنقل إليه مخلفات نووية من مفاعل (ديمونا)، وتجري فيه عمليات حرق، وتنتشر روائح، لما حدث كل هذا الجدل حوله. وهناك روائح أكثر إزعاجاً داخل جنين بفعل المجاري ( نهر المقطع سابقا)، ولا أحد يتحدث عنها، وفي حال نفذت البلدية مشروع معالجة المياه العادمة، فستتضاعف الروائح.
ويقول: لكل مشروع بيئي العديد من الآثار الجانبية، فالمسالخ مثلاً تهدف إلى تنظيف البيئة، لكن بالقرب منها تصبح المنطقة بوضع لا تُطاق.
ويوضح: اندلعت النار وسط إطارات مطاطية تالفة تقدر بـ' 35 ألف' إطار كانت تستخدم لأغراض استثمارية. وأن طواقم العمل في المشروع تمكنت من السيطرة على الحريق وإخماده عن طريق طمر النار بالأتربة بعد ست ساعات. وبين أن النيران اندلعت ليلا خلال فترة عيد الأضحى، وبحسب تقرير جهاز الدفاع المدني، فقد تم بفعل فاعل استغل عطلة العيد لإحداث أفدح الخسائر في المكب، إذ لا يمكن لأعقاب سجائر مثلاً أن تُشعل إطار سيارة!
aabdkh@yahoo.com