خاص بآفاق البيئة والتنمية
تستلقي بضعة بيوت على ربوة مقابل قرية عنزا بمحافظة جنين، ويطلق الأهالي على تجمعهم "ظهرة أبو زيّاد"، الذي تأسس في ستينات القرن الماضي، ثم تحول من منطقة جميلة وهادئة إلى مكان لا يُطاق.
يرسم جمال لطفي ألوني، المولود عام 1961 في المنطقة، صورة سوداء لحال قرابة 70 فرداً من أبناء عائلته الممتدة، فيقول: كنا نعيش في حال نحسد عليه، لكن منذ خمس سنوات تقريبًا صرنا في جحيم لا يطاق، وبتنا نعيش في حظر تجول بأمر من روائح النفايات، والكلاب والخنازير البرية، والطيور العفنة التي تخرب كل شيء.
ووفق الوني، فإن تجمع العائلة أقيم سنة 1970، وكاد يتحول إلى منتزه، لولا رفض والده بيع أراض أو تأجيرها لأحد المستثمرين، فصار منطقة موحشة.
بيوت أم سجون؟
يروي الشاب مؤيد فيصل الوني، الذي ولد بعد ثلاثة عشر عامًا من إقامة "ظهرة أبو زيّاد": تحاصر أطفالنا الأمراض طوال العام، ونملك تقارير طبية تؤكد ذلك، والرشح والسعلة لا يفارق صغارنا، وصارت نوافذ منازلنا محرمة علينا، وتهاجمنا الكلاب الضالة، وسطوح منازلنا ممنوعة علينا، فلا نستطيع جمع مياه الأمطار للآبار بسبب روث الطيور، ولم نعد نتمكن من نشر غسيلنا، وصرنا زبائن دائمين لتجار الأنابيب وخزانات المياه، وكل هذا بفعل أسراب الطيور التي تتلفها دائمًا. ونشعر بالفعل أننا نعيش في سجون.
وبحسب مؤيد، فإن على الأسر أن تبقى حبيسة منزلها، وبخاصة في فصل الصيف، مع انتشار الغبار بفعل شاحنات جمع القمامة والآليات الثقيلة، كما تحرمها أصوات المعدات التي لا تتوقف تقريبًا من النوم، ويُمنع عليها زراعة حديقة المنزل بسبب الروائح والغبار والطيور والخنازير والكلاب.
يضيف: إذا أردت أن تعيش معاناتنا، فعليك أن تسأل كل من مر بمركبة على شارع جنين – نابلس القريب، فهو سيخبرك كيف لا يطيق نفسه، ويسرع في أقفال النوافذ، لأن الروائح لا تطاق.
وتشعر عائلة الوني أنها وحيدة، فقد سبق أن زارها وزير شؤون البيئة السابق د. يوسف أبو صفية وأبدى تضامنه معهم، وقال لهم وفق مؤيد حرفيًا: "الله يعينكم على وضعكم"، لكنه في اليوم التالي نفى ذلك في وسائل الإعلام.
شارك مؤيد في حراك إعلامي برام الله ضد المكب، لكن شيئا لم يتغير، وناشدت الأسر الرئيس محمود عباس، وزارها أعضاءٌ في المجلس التشريعي، دون أن يتغير شيء على الأرض.
حق الهواء!
يقول جمال: خسرنا كل شيء، وتراجعت أسعار عقاراتنا من 25 ألف دينار للدونم الواحد إلى 4 آلاف بسبب الروائح، وحين نطالب بتنفس هواء نظيف، وفتح نوافذ منازلنا، تقول لنا الجهات الرسمية، إن مكب زهرة الفنجان "مشروع وطني". ويضيف: لم يبق أمامنا غير رفع شكوى للمحاكم الفلسطينية، مطالبين باستنشاق هواء نظيف.
غير أن الشاب مؤيد يقول: لو فكر أحدنا في يوم من الأيام ببيع أرضه للاحتلال، فعندها سيجبر أصحاب المسؤولية على نقل المكب بالقوة.
ويؤكد مدير مكتب سلطة جودة البيئة في جنين م. عبد المنعم شهاب، أنه يجري زيارات دورية وأسبوعية للمنطقة، ويشعر بمدى معاناة السكان من "زهرة الفنجان"، ويطالب مجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة بتوفير اشتراطات عديدة للمكب، لكنه يحصل في أحيان على رد، وفي أخرى لا تتحرك إدارة المكب.
يضيف: نحصل أحيانًا على ردود تفيدنا بتلف الآليات، أو بسبب الأحوال الجوية التي تمنع من تطبيق الإجراءات الفنية الضرورية.
ويؤكد شهاب أن مشكلة زهرة الفنجان في أنه صمم خصيصًا لمحافظتي جنين وطوباس، لكنه صار يتلقى نفايات تفوق قدرته الاستيعابية.
وكانت آفاق البيئة والتنمية سلطت الضوء على " زهرة الفنجان" خلال عدد تشرين ثاني من عام 2012، في أعقاب حريق هائل وقع فيه، ويومها قرر وزير الحكم المحلي سائد الكوني، تشكيل لجنة تحقيق في الحريق الذي اندلع في حفرة تحوي إطارات مطاطية في مشروع مجلس الخدمات المشتركة للنفايات الصلبة "زهرة جنوب جنين".
وطالب بإعداد دراسة فنية لإمكانية الاستثمار في مجال النفايات الصلبة مما سيعود بالفائدة على البلدات المجاورة. وقال "إن الحكومة جاهزة لمعالجة أي إشكاليات قد تعترض عمل المشروع، وإنها تتعامل مع كل نقد أو شكوى بروح المسؤولية والقانون". كما دعا مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للمشروع إلى أخذ مصالح البلدات المجاورة بعين الاعتبار، انطلاقا من المسؤولية الاجتماعية للمشروع.
مواطن يقطن في محيط مكب زهرة الفنجان
أرقام
ووفق الموقع الإلكتروني للمجلس، تبلغ مساحة أراضي المشروع حوالي 220 دونماً، حيث سيستغل منها حوالي 120 دونماً ستخدم لمدة ثلاثين عاما. ويقع المشروع في منطقة زهرة الفنجان ( واد علي) بين بلدتي عرابة وعجة، ويبعد حوالي 15 كم جنوب جنين و25كم غرب طوباس. و23 كم شمال نابلس، 24 كم شرق طولكرم و50 كم شمال قلقيلية. فيما تبلغ التكلفة حوالي 14 مليون دولار.
والمجلس مؤسسة شبه حكومية إقليمية تأسست للاستجابة لاحتياجات خدمة المجتمع بطريقة اقتصادية فعّالة طبقا لنظام مجالس الخدمات رقم (1) لعام 1998، وقد تم دمج الهيئات المحلية تحت هذه المظلة من أجل أن يكون هناك أهمية للقرارات والتحركات لهذه المؤسسة. ويدار المكب بواسطة مجلس إدارة يتكون من 20 هيئة محلية، 15 بلدية، ومجالس قروية قابلة للتغيير كل سنتين، علما أنه يوجد بالمحافظة ومنطقة طوباس 15 بلدية، و63 مجلس قروي إضافة إلى بعض الهيئات الصغيرة الممثلة بلجان المشاريع.
ووفق المجلس، بدأ في عام 1998 توجه شامل لتحسين خدمات النفايات في الضفة الغربية ضمن مشروع إدارة البيئة والنفايات الصلبة الذي أوصى بأن هناك حاجة لتحسين طرق التخلص من النفايات وإدارة خدمات جمع النفايات بفعالية اكبر، وكلاهما تزيدان من احتمالات تحسين وضع البيئة بشكل واضح في معظم إنحاء الضفة الغربية. أما الأراضي التي تم شراؤها 240 دونماً، ومساحة الخلايا الجاهزة للاستخدام 95 دونماً، فتخدم محافظات الشمال لمدة تصل إلى 15 عاما في المرحلة الأولى يتم التوسع بعدها في الأراضي المتبقية والمملوكة للمجلس.
ويتسع المكب 2.25 مليون طن. فيما يستقبل المكب حوالي 800 طن يوميا من محافظة جنين وطوباس ومدينة نابلس ومحافظة طولكرم ومحافظة قلقيلية، وسترتفع الكمية لاحقاً في حال قامت بلدية رام الله بترحيل النفايات إلى المكب. فيما يبلغ عدد السكان المستفيدين منه في محافظات الشمال حوالي 800,000 مواطن.
رد سابق
فيما قال المدير التنفيذي لـ"زهرة الفنجان" هاني شواهنة لـ(آفاق) في تغطيتها السابقة: إننا نتحدث عن مكب، وهذا يعني وجود روائح فيه. وقد صمم بالفعل لجنين وطوباس، ولكن الأمر أحيل لإستراتيجية السلطة الوطنية، التي رأت أنه من المناسب وجود أربعة مكبات مركزية فقط: واحد في الجنوب بغزة، والثاني لمحافظات الخليل والقدس وبيت لحم، والثالث في الوسط لرام الله وأريحا والأغوار، والرابع في الشمال( زهرة الفنجان)، الذي قضى على 85 مكباً عشوائياً كانت تنتشر بآثارها السلبية.
وأضاف: ليس غريباً، وجود مكبات مركزية، ففي الأردن هناك مكب مركزي يجري ترحيل نفايات الزرقاء والسلط إلى عمان بنحو 2000- 2500 طن يوميا، رغم وجود الأراضي الصحراوية البعيدة عن التجمعات السكانية.
ويعود شواهنة بذاكرته إلى الوراء، حين كانت مناطق عديدة في جنين تعاني المكبات العشوائية، وإحراق النفايات والروائح، ولم يكن الأمر يواجه باحتجاجات من المواطنين. وللأسف، يبدو أن بعضهم يرفض العمل الرسمي والقانوني، ويدافع عن الخطأ، ولو كان الأمر متصلاً بمكب عشوائي اسمه(زهرة الفنجان) تُنقل إليه مخلفات نووية من مفاعل (ديمونا)، وتجري فيه عمليات حرق، وتنتشر روائح، لما حدث كل هذا الجدل حوله.
وهناك روائح أكثر إزعاجاً داخل جنين بفعل المجاري ( نهر المقطع سابقا)، ولا أحد يتحدث عنها، وفي حال نفذت البلدية مشروع معالجة المياه العادمة، فستتضاعف الروائح. ويقول: لكل مشروع بيئي العديد من الآثار الجانبية، فالمسالخ مثلاً تهدف إلى تنظيف البيئة، لكن بالقرب منها تصبح المنطقة بوضع لا يطاق.
aabdkh@yahoo.com