التسعيني راضي فقهاء لا يزال يمارس حتى اليوم في طوباس نشاطه التجاري في الأدوات والمعدات القديمة والتراثية التي لا يعرف جيل اليوم اسمها وطبيعة استخدامها
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يحافظ التسعيني راضي عبد الله فقهاء على بشاشته، ولا يبالي كثيرًا بتجاعيد الوجه وهشاشة العظام التي نالت منه قبل أشهر، ويعيد سرد حكايته في طوباس، المدينة التي بدأ فيها نشاطه التجاري قبل نكبة عام 1948 حتى اليوم
يروي: "ولدت عام 1924 في طوباس، ودرست للصف الثالث الابتدائي، وأكثر ما كان يضايقني في المنهاج الرياضيات والجبر، وأجلس في هذا المكان منذ نحو سبعة عقود، وتغير كل شيء من حولي: أصحابي، والبيوت، والطرقات، والسيارات، والنفوس، طبيعة الغذاء، والأدوات التي أتعامل بها، وبقيت أنا وحيدًا، هذه هي سنة الحياة".
شاهد
كان فقهاء شاهدًا على إنتاج القمح والسمسم وسائر المحاصيل بوفرة في أراضي طوباس والأغوار، ولا زال يذكر جيدًا البيادر التي كانت تستضيف استخراج قشور القمح والحبوب عن حباته، مثلما بدأ يفتقد غياب البذور البلدية كالشمام والبطيخ والفقوس، ولا تعجبه طريقة الزراعة اليوم ولا كيفية إنتاج اللحوم وسائر الأطعمة.
يقول بابتسامة تحتل وجهه: "كنا نجفف ثمار البندورة بالمحل ونخزنها إلى الشتاء، ولم نكن نعرف البيوت البلاستيكية المنتشرة اليوم، وكان لغذائنا طعم ورائحة وشكل أفضل من الدارج اليوم، والذي يُنتج بالكيماويات والأدوية. أما اللحوم فكلها علف، وبخلال 40 يومًا تصير البيضة دجاجة، وكله على حساب صحتنا".
كان الشائع في الماضي أن يتناول الناس، وفق الراوي، اللحوم في المناسبات السعيدة، وبكميات شحيحة، وبالرغم من قلتها إلا أنها كانت أطيب في الطعم، وصحية في الإنتاج، وأرخص ثمنًا. فيما درجت العادة أن تباع الطحينية والسمن البلدي ودبس الرمان بالمفرق وبأواني يحضرها أصحابها من بيوتهم، فيما تراجع زمن الأكياس الورقية وغزا البلاستيك كل شيء، وانقرضت أدوات الزراعة القديمة، وتراجعت مبيعات أدوات المطبخ والخيول ومصائد الفئران والخلد كثيراً، واختفت من الأسواق سلعٌ عديدة، لا زال فقهاء يصون عهدها.
المحل التجاري التراثي للتسعيني راضي فقهاء في طوباس
ألوان
تتجاور داخل حانوت فقهاء مسلات الخياطة، وأغطية (شنبر) اللوكس، ورباط الأحذية، والغربال، والكربالة، والمذراة، ومصائد الفئران، وأفخاخ صيد العصافير، وبكرات بأحجام عديدة، ومكانس يدوية، ومناجل، ولجام الخيول، وأدوات خبز الصاج، وألعاب أطفال قديمة، وعشرات الأدوات التي لا يعرف جيل اليوم اسمها وطبيعة استخدامها.
يتابع: "كنا نربي الدجاج في المنزل، ونأكل من الأرض، ولا نشتري القمح، ولم تكن لدينا مخابز، وكان عدد السيارات في البلد "اثنتين" وحافلة. وكان الطلب على بذور الذرة البيضاء والكوسا والبندورة والفقوس والبطيخ والشمام كبيراً، أما اليوم فلا بذور بلدية. ولم يستعمل المزارعون غير الكبريت وبعض العلاجات الشعبية لمحاصيلهم، وكانت الأسمدة الكيماوية غير معروفة لأحد".
يتحسر فقهاء على ضياع محاصيل القمح، وتحول نمط معيشة الناس، وابتعادهم عن إعداد خبزهم بأنفسهم داخل بيوتهم، واختفاء البذور البلدية، وضياع طعم الخضروات والفاكهة، والأهم كما يقول تغير القلوب التي صارت تضيق، وانتشار الأمراض الكبير.
تزوج فقهاء المرة الأولى عام 1948، وكان مهر العروس 150 جنيهًا، وأعاد الكرة بعد رحيل شريكة عمره عام 2006، ودفع 6 آلاف دينار، فيما تعامل بالشيقل وقبله الدينار الأردني، والجنيه الفلسطيني، والدينار العراقي من الجنود الذين كانوا يدافعون عن فلسطين ويقيمون في محيط المدينة، قبل ضياع البلاد والعباد.
واللافت أن فقهاء أب لولدين أكبرهم محمد ( 70 عامًا) وأصغرهم عمر وشهد (8 و9 سنوات على التوالي).
ينهي: أتمنى أن تعود طوباس كما كانت بعاداتها الجميلة، وسهولها الواسعة، وثمارها الطيبة، وأن نكف عن استخدام البلاستيك الذي يلف كل حياتنا، وصار يتدخل في إنتاج خضرواتنا ويفقدها طعمها ورائحتها ولونها.
aabdkh@yahoo.com