المجتمع المدني في المنطقة: شبكة لحماية النازحين
في أحدث خريطة للنزوح السوري في المنطقة، لا سيما في البلدان الأساسية الخمسة، تبين أن هناك أكثر من ثمانية ملايين نازح سوري، منهم 4.800.000 نازح في البلدان الخمسة تركيا، لبنان، الأردن، العراق ومصر (حسب الإحصاءات الرسمية لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين للعام 2016). في تركيا 2.724.000 نازح، لبنان 1.033.000 نازح (نظامي)، الأردن 656 ألف نازح، العراق 250 ألف نازح، مصر 115 ألف نازح. بالإضافة الى ثلاثة ملايين نازح داخل سوريا وما يقارب المليون في أوروبا.
هذه الخريطة أعلن عنها في المؤتمر الذي عقد في عمان ونظمته مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين (6 و7 الجاري)، والذي جمعت فيه "شبكة المجتمع المدني للنزوح لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، على مدى يومين لتعزيز التعاون بين أعضاء الشبكة (من المجتمع المدني) الذين يقومون بحماية النازحين ومساعدتهم وتطوير قدراتهم وتوحيد الأهداف والرسائل والمناصرة والتدريب والتطوير والتنسيق، بالإضافة إلى تقديم الدعم للمجتمعات المضيفة. المشاورات التي شارك فيها ممثلون لمنظمات مدنية من الأردن ومصر والعراق ولبنان واليمن (تعثر وصول مشاركيها)، غاب عنها ممثلون عن المجتمع المحلي السوري نفسه!
معدلات الحروب الأهلية
حول توقعات عمل هذه المنظمات، قيل الكثير، إلا أن ربطها بانتهاء الحرب دفع البعض الى توقع عمل هذه الشبكة الى ما لا يقل عن عشرين سنة على الأقل، على اعتبار أن معدلات الحرب الأهلية في منطقتنا لا تقل عن عشر سنوات، مع إشارة الدكتور ناصر السعيدي إلى ان التجربة اللبنانية دلّت على أن آثار الحرب تستمر لفترة طويلة جدا، والدليل أن لبنان لا يزال يعاني من آثار الحرب الاهلية بعد نهايتها بأكثر من ربع قرن، لا سيما على المستوى الاقتصادي.
طرح موضوع اللجوء والنزوح من مختلف جوانبه، لا سيما أنه يأتي في منطقة عربية تشكو من وضع ديموغرافي متفجر، بمعنى الزيادة الدائمة في عدد الولادات والسكان، مع توقع أن يصبح العدد بعد عشر سنوات ما يقارب النصف مليار عربي... في ظل وضع اقتصادي متراجع النمو وغير متقدم في إيجاد فرص العمل. يضاف الى كل ذلك زيادة الولادات عند اللاجئين (عشرون ألفا سنويا في لبنان) وزيادة ضخمة في طالبي العمل وزيادة التمركز في المدن... بالإضافة الى المشاكل الثقافية التي يولدها الموضوع والمشاكل البيئية المختلفة التي يمكن أن تحصل بسبب تدهور وضع الاراضي واستنزاف المياه أو تلوثها وزيادة استهلاك الطاقة وإنتاج النفايات... ما قد يتسبب بنزاعات جديدة وموجات نزوح من نوع بيئي جديد.
من الإنساني الى التنموي
وطرح المؤتمر مشكلة بداية تراجع الدول الأوروبية مثل ألمانيا عن تعهداتها باستقبال اللاجئين، واستبدال كلمات الترحيب بكلمات "الترحيل"، لا سيما بعد انعكاس الموضوع على الوضع السياسي والانتخابي الأوروبي وصعود اليمين المتطرف، وكيفية التعامل مع منطق "ليبقَ النازحون عندكم ونحن نساعدكم"، مع العلم أن حجم المساعدات الأوروبية الموعودة لم يتجاوز حجمها 40 إلى 50%. بالإضافة الى مشكلة استغلال أوضاع اللاجئين من قبل المافيات أو الفاسدين أو مواطنين آخرين، وكيفية حمايتهم، من قبل المجتمع المدني المهتم. كما طرحت المستشارة الأقدم للسياسات العامة في المكتب الاقليمي للشرق الاوسط وشمال إفريقيا في عمان، شادن خلّاف، أفكارا متقدمة حول ضرورة تغير النظرة الى قضية النازحين من النظرة الإنسانية إلى النظرة التنموية، وحول دور المجتمع المدني في تغيير السياسات والثقافات وفي إنتاج ثقافة جديدة متسامحة وتنموية في آن.
للعراق نازحوه أيضًا
على هامش جلسة المشاورات حول النزوح السوري، لم تكن قليلة الأرقام التي عرضها أحد الناشطين في المجتمع المدني العراقي لـ "السفير" حول النزوح العراقي. ففي العراق هناك أربعة ملايين نازح داخلي وأربعة ملايين في أميركا وأوروبا والعالم. بالإضافة الى 800 ألف في الأردن و480 ألفا في تركيا، و250 ألفا في مصر و200 ألف في لبنان. ويقول الناشط العراقي إن العراق تلقى خلال العام 2015 ملياري دولار أميركي مساعدات من أجل النزوح، إلا أن 780 ألفا منها ذهبت كإيجارات ونقل ورواتب للموظفين العاملين في مساعدة النازحين!
وقد علّقت المديرة التنفيذية لشبكة العيادات القانونية غير الحكومية في العراق أفراح مهدي أن الرقم العراقي كبير بسبب تعدد موجات النزوح من الحرب العراقية الإيرانية والحرب على العراق العام 2003، مع الإشارة إلى أن التفجيرات الأخيرة تتسبب بالهجرة وطلب اللجوء الى الكثير من دول العالم، لا سيما أوروبا وأميركا. ويقول أحد الناشطين العراقيين، إن كيفية التعامل مع عمليات النزوح الى إقليم كردستان في العراق من سوريا، يمكن أن تشكل نموذجًا، إذ استقبل هذا الإقليم أكثر من 500 ألف لاجئ سوري، وان الكل بات يعمل من دون أن يشكل مشكلة، ملمّحا إلى أن التجانس بين الاكراد من العراق وسوريا هو السبب الرئيسي للنجاح في استيعاب النازحين. كما تم التحذير من أن تفجير سد الموصل كما بات رائجا مؤخرا، سيتسبب بتدمير قرى ونزوح ما لا يقل عن مليونين ونصف مليون نازح عراقي.