خاص بآفاق البيئة والتنمية
تتسلح رفقة أحمد عبد الله (85 عاماً) بابتسامة دائمة، وتقص حكايتها مع مهارات يديها في غزل الصوف وصناعة السجاد، وطرق تحضير السمن البلدي والزبدة، وقائمة طويلة مما اكتسبته من فنون حرفية وتراثية.
تقول بلهجة متأثرة بالبداوة: "عمري اليوم 85 سنة، وأشعر بأني صبية ابنة 14 عاماً، وحين أشتاق إلى الصوف أطلب من ابنتي إحضار المغزل، وأبدأ بالنسج، وأتذكر أيام طفولتنا في سهول طمون وجبالها، وأتمنى لو أعود إلى بيت الشعر والفلاحة، لأنتج كل ما أحتاجه بيدي."
مهارات
أتقنت الراوية فنون إنتاج الحبال لربط الأمتعة على ظهور الجمال، ثم انتقلت لصناعة (السفايف) المستخدمة في تجهيز ما تحمله الخيول والدواب. وحفظت عن ظهر قلب طرق تصنيع الألبان والأجبان، وتحنُّ كثيراً لصناعة السمن البلدية، والجميد (الكشك)، وتربية الدواجن، وجمع العسل، وتجفيف البندورة والبامية، والبحث عن بقوليات الأرض من جبال البلدة الواقعة جنوب شرق طوباس.
تتابع رفقة: "علمتني أمي أمينة كل مهارات اليد، وكنا نتنقل في الشريعة (نهر الأردن)، وندخل الضفة الشرقية متى نشاء، ونذهب إلى النهر للشرب وتعبئة الماء وغسل الأغنام."
واستنادًا إلى الثمانينية، فإن مراحل تجهيز الصوف لغزله وإعداد الحبال والبُسط (نوع من السجاد المحلي) كانت تبدأ بغسل الصوف وتجفيفه ونفشه، ثم لفه على اليد بعملية تسمى (فلة) تتحول بعدها إلى (مدورة) تحيط باليد لتغزل ذاتياً، ثم تنقله إلى مغزل خشبي، يثبت بأوتاد الخيمة.
تزيد: " يحمل كل مغزل حملين، ثم نسميه (بريم) يتحول إلى (حبل) ويصير (سدة)، فتجتمع الحمال ( من 4-5) لتشكل الحبل الذي نريده"
ووفق الحاجة رفقة، فإنها بدأت بغزل الصوف ونوله وهي في السابعة عشرة، وكانت تعمل طوال النهار، لتجمع كومة كبيرة من الصوف (غمر)، ثم تتجه إلى الحقول لإحضار القش ولإنتاج أطباق القش، ثم تتنقل بحثًا عن أنواع خاصة من الرمل لصناعة تجويف الطابون الدائري، وتعود إلى بيت عائلتها لجمع الحليب وتحويله إلى جميد وسمن بلدي.
تقص:" حين كنا نريد صناعة بسط، نقوم بدايةً بصبغ الصوف، ومن ثم تحويله إلى خيط رفيع، فنمرر المغزل عليه، ونبدأ عملنا ونحن ننشد الشعر البدوي، ونتبادل الحديث، وأحيانًا نغني الشعر البدوي."
رفقة الثمانينية سيدة الاكتفاء الذاتي
أدوات
كانت رفقة تمضي أوقاتًا طويلة في جمع الحنطة وفصل القش عن سنابل القمح والشعير، وتحن كثيرًا إلى لحظات صناعة تجويف الطابون، فتذهب إلى أراضي الفارعة وتحضر التراب الأبيض، ثم تبني شكلاً دائرياً على عدة طبقات، وسرعان ما ترفع بنيانها قليلاً لتصبح الحاضنة لبيت النار، في عمل تطوعي لمساعدة الجيران على إنتاج خبزهم.
تقص:" كنا نعمل زبدة في الغور، نخض اللبن، ونخرج منه الزبدة، ونجمعها فترة أسبوعين، ونضيف لها العصفر، ونضع بداخلها الجريشة ( القمح المجفف والمطحون) لتصفيتها من الماء، ونصفيها مرة أخرى. أما الجميد (الكشك) فنأخذه من اللبنة التي نجففها مرات طويلة، وننشرها في الشمس إلى أن تصير مثل حجر الصوان."
وبحسب الراوية، فإن أدوات العمل لصناعة الجميد والزبدة تتمثل في الشكوة (وهي وعاء مصنوع من جلد الأغنام) و(المخاضة) و(الساجور أو العصا)، فيما تحتاج الشكوة لثلاث خشبات لنصبها.
رفقة سيدة المغزل في فلسطين
تغيّرات
كانت رفقة في صباها تعتمد على ذاتها في كل حياتها، فتزرع بمساعدة زوجها كل أنواع البقوليات والحنطة، وتخزن عائد الأرض لبيتها، وتجمع الحطب من الجبال للطهو، وتربي الأغنام والدواجن للألبان واللحوم، وتوفر العسل البري من بين الصخور، وتجفف البندورة والبامية لتأمينها خلال الشتاء، وتصنع مربى القرايصة، وتطبخ رب الرمان والخروب والقرع، وتعدُّ البرغل من القمح، وتذهب ورفيقاتها إلى الجبال لجمع اللوف والجعدة والخبيزة والعكوب والزعتر والزعمطوط، وصنعت كثيراً الكراديش ( الخبز من الذرة البيضاء والبصل) وأحيانا من الشعير، واحتفظت بالزيت في جرار فخار (أوعية دائرية ذات فتحة صغيرة علوية)، وحرصت على توفير السمسم والقزحة والحلبة من أرضها، وتعاملت بالمقايضة، فبدلت القمح بالبيض والخضروات.
تتابع:" تغير اليوم طعم كل شيء، وصار الدجاج واللحم يصنع صناعة، ويطعمه أصحابه علف لا نعرف ما هو، وتصير البيضة دجاجة كبيرة بعد شهر، والخرفان(الخراف) تأكل خلطة غريبة."
لم تعرف الحاجة رفقة الدروب إلى المتاجر، وتعتبر الأجيال الحالية غير مؤهلة لمواجهة صعوبات الحياة، وتعتقد إنه في لحظة توقفنا عن إنتاج القمح والحبوب تراجعت صحتنا.
أنجبت الحاجة رفقة ثلاثة أولاد: إبراهيم، ومنصور، وعلي، وخمس بنات هن: عائشة، وانتصار ورابحة، ونازك، ومنة الله. تنهي باستعارة مثل عربي:" اللي أكله ما هو منفأسه ... شورُه (قراره)ماهو من رأسه"،وتتذكر أنت مقولة "إحمل مغزلك واتبعني"...