رام الله- 27 أيلول 2016 المنظمة من قبل الائتلاف الفلسطيني من أجل العدالة المناخية
مركز العمل التنموي / معا
تدل المعطيات الإحصائية على اتجاهات ومؤشرات مُناخية بارزة، تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة في مختلف أنحاء فلسطين. وقد سُجِّل الارتفاع الحراري الأهم في المناطق الفلسطينية الوسطى، بما في ذلك المنطقة الساحلية الوسطى (مثل يافا، والرملة وغيرهما) وفي النقب (بئر السبع) حيث ارتفعت درجات الحرارة بدرجة ونصف درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وقد يبدو هذا الارتفاع قليلا؛ لكن، بالمقارنة مع متوسط التسخين العالمي خلال السنوات المئة الأخيرة والبالغ نحو 0.8 درجة مئوية، فإن سرعة ارتفاع الحرارة في فلسطين أكبر بمرتين من متوسط التسخين العالمي.
وفي ذات الفترة، سجل على طول مستوى الساحلين الجنوبي (أي أسدود وغزة) والشمالي ارتفاعا حراريا بنحو ثلاثة أرباع درجة مئوية.
وفي سياق تفسيرهم لظاهرة ارتفاع الحرارة في فلسطين أكثر من المتوسط العالمي، اكتفى بعض الباحثين الأجانب بأن عزوا المسألة إلى طريقة احتساب متوسط التسخين العالمي؛ متجاهلين الزيادة الضخمة في الانبعاثات الغازية الإسرائيلية، خلال العقود الأخيرة، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، ما أثر بشكل كبير ومباشر على ارتفاع درجات الحرارة في فلسطين، وبالتالي على التغير المناخي الواضح فيها.
وفي الوقت الذي يطمح فيه العالم إلى تقليل الانبعاثات الغازية بنسبة 20% على الأقل عن مستواها في عام 1990، وذلك حتى عام 2020، فإن الأمر في إسرائيل لا يقتصر على أن انبعاثاتها لن تقل، حتى عام 2025، بل هي ستزداد بعشرات في المئة.
وبالرغم من كونها قوة نووية عالمية، فلا تزال إسرائيل تولد معظم طاقتها الكهربائية بطرق بدائية قديمة وخطيرة وملوثة جدا للبيئة الفلسطينية، وتحديدا من الفحم الذي يُحْرَق لتوليد الكهرباء؛ علما أن استخدام الغاز الطبيعي في إسرائيل آخذ في الازدياد. وتؤدي عملية حرق الفحم إلى انبعاث كميات كبيرة من الملوثات المسببة لأمراض خطيرة وارتفاع نسبة الوفيات في المناطق المحيطة بمحطات الطاقة العاملة على الفحم، فضلا عن تسببها في ارتفاع نسب الاحتباس الحراري وبالتالي تسريع التغيرات المناخية التي تشهدها فلسطين.
ويعد إنتاج الكهرباء في إسرائيل والقائم أساسا على حرق الفحم، مصدر نحو 60% من إجمالي الانبعاثات الغازية الإسرائيلية المدنية. ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك الكهرباء في إسرائيل حتى العام 2025، ما سيضاعف كمية غازات الدفيئة المنبعثة.
وفي إسرائيل ينبعث أكثر من 12 طن غازات دفيئة للفرد سنويا، أي أكثر من المتوسط للفرد في الدول الأوروبية والبالغ 10.5 طن.
وفي المقابل، قدر إجمالي حصة الفرد الفلسطيني من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الضفة والقطاع بحوالي 1.03 طن/ فرد سنويا.
كما تسببت الحروب التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، فضلا عن المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية العدوانية اليومية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب في فلسطين ولبنان وغيرهما، في انبعاث مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وسائر غازات الدفيئة. وتعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية العدوانية تلك الكمية الناتجة عن تسيير ملايين السيارات في شوارع فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي.
ومنذ عام 2000 حين اندلعت انتفاضة الأقصى الفلسطينية، مرورا بحرب تموز 2006 ضد لبنان، وانتهاءً بحروب الإبادة على قطاع غزة (أي حروب 2008-2009، 2012 و2014)، وكذلك العمليات والتحركات العسكرية اليومية المكثفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ منذئذ تقدر كميات الوقود التي استهلكتها الآليات والمعدات والطائرات العسكرية الإسرائيلية بمليارات اللترات. ويمكننا القول إن كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق هذه الكمية الضخمة من الوقود تقدر بعشرات ملايين الأطنان. هذا دون الحديث عن النشاطات العسكرية التي نفذتها، والحروب التي خاضتها إسرائيل في العقود السابقة لانتفاضة الأقصى.
إذن، تشكل الصناعات والنشاطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة و"إسرائيل"، إضافة للصناعات ومحطات توليد الطاقة داخل إسرائيل- تشكل الخطر الأكبر على تلوث الغلاف الجوي في فلسطين، وذلك بما لا يقارن مع التلوث الذي تسببه الصناعات الفلسطينية الضعيفة والهشة.
مشهد جوي للمجمع العسكري الذري الإسرائيلي في ديمونا الذي يزخر منذ عقود بالإنتاج العسكري النووي المكثف بعيدا عن الرقابة الدولية
البصمة الكربونية (في إسرائيل)
وفيما يتعلق بما يعرف علميا البصمة الكربونية ((carbon footprint التي تعتبر سلما لقياس مساحة الأرض التي يحتاجها الفرد للحياة بنمط معين، بمعنى أن "البصمة الكربونية عبارة عن جانب الطلب على الموارد الطبيعية من قبل الإنسان، في حين تمثل السعة البيولوجية جانب العرض من تلك الموارد. وعندما تتجاوز البصمة الكربونية السعة البيولوجية المتاحة فيعتبر أن هناك عجزاً في الموارد الطبيعية لهذه الدولة".
ولو أردنا استخدام مؤشر البصمة الكربونية للتعبير عن خطورة الدور الإسرائيلي في تفاقم الانبعاثات الغازية في المنطقة وبالتالي دورها في التغير المناخي الحاصل؛ سنجد عندئذ بأن إسرائيل تملك أكبر البصمات الكربونية في العالم.
ولو علمنا أيضا أن المعدل العالمي للبصمة الكربونيةهو نحو 22 دونما للفرد، فعندئذ، سنجد أن الولايات المتحدة تتصدر هذا السلم؛ إذ إن البصمة الكربونية لديها 95 دونما للفرد، ثم تليها كندا: 64 دونما للفرد، وفي المرتبة الثالثة إسرائيل: 53 دونما للفرد. وبينما ينقص الولايات المتحدة 46 دونما للفرد (العجز في الموارد الطبيعية)؛ فإن إسرائيل ينقصها 49 دونما للفرد، وبهذا تكون هذه أكبر فجوة عالمية بين المطلوب (البصمة الكربونية) والموجود (السعة البيولوجية). السبب الأساسي لهذا العجز هو نهب إسرائيل الضخم واستنزافها للموارد الطبيعية الفلسطينية، مثل الأرض والمياه ومصادر طبيعية أخرى.
وفي المقابل، بلغت البصمة الكربونية للضفة الغربية وقطاع غزة خلال العام 2013 حوالي 4.6 دونم للفرد الواحد، بينما بلغت السعة البيولوجية للضفة والقطاع خلال ذات العام 1.3 دونما للفرد الواحد وبذلك يبلغ العجز الفلسطيني 3.3 دونم. وبالطبع، سبب هذا العجز الفلسطيني هو أيضا السرقة الإسرائيلية الهائلة للموارد الطبيعية الفلسطينية، وبالتالي اقتلاع الفلسطينيين وسلخهم عن أراضيهم ومواردهم المائية، وحشرهم في معازل جغرافية صغيرة مفتتة ومتناثرة، ومحاصرة بالمستعمرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية وجيش الاحتلال وجدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية المخصصة لليهود فقط.
_____________
وفي المجال النووي العسكري الإسرائيلي، تملك إسرائيل ترسانة نووية يقدرها خبراء أجانب بما لا يقل عن 300 رأس نووي وصواريخ نووية بعيدة المدى.
إن ما يسمى "المجتمع الدولي"، والحركات البيئية في إسرائيل لم تُبْدِ تخوفاتها إزاء هذا المخزون النووي العسكري الإسرائيلي المخيف، ولم تحرك ساكنا ضد الترسانة النووية الإسرائيلية العسكرية المرعبة التي تشكل تهديدا وجوديا ليس فقط على مجرد الوجود الفيزيائي البشري للشعوب العربية والإسلامية في المنطقة، بل أيضا على جميع أشكال الحياة البرية والنباتية والحيوانية والبحرية.
إن الغرب الاستعماري الرسمي المنافق بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، "يقيم الدنيا ولا يقعدها" احتجاجا على تجارب كوريا الشمالية النووية، لكنه يصمت صمت القبور على الترسانة النووية الإسرائيلية المرعبة، وجرائم الحرب التي تقترفها دولة إسرائيل المارقة في حق الابرياء في فلسطين ولبنان دون اي رادع.
وفي المقابل، ما يسمى الحركات البيئية في إسرائيل تمارس نفاقها السياسي والأيديولوجي البيئي، من خلال ادعائها بأنها "قلقة" من نية الحكومة الإسرائيلية إنشاء محطة طاقة نووية لإنتاج الكهرباء؛ علما بأن تحالفا عسكريا أميركيا-إسرائيليا –غربيا- عربيا خليجيا كان، قبل توقيع الاتفاق النووي الأخير مع إيران- كان يدق طبول الحرب ضد إيران التي يعمل علماؤها وخبراؤها على إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية أيضا؛ وهي، أي إيران، لا تملك صفرا بالمائة مما تملكه إسرائيل من سلاح نووي مدمر، إضافة إلى أن إيران وَقَّعَت منذ زمن طويل على المعاهدة الدولية لمنع انتشار السلاح النووي، تلك المعاهدة التي ترفض إسرائيل التوقيع عليها أصلا.، كما أن إسرائيل أعلنت رفضها الانضمام إلى "شرق أوسط منزوع السلاح النووي"؛ ولم تعترف بحيازة ترسانة نووية؛ رغم أن العديد من الخبراء الأجانب ومصادر عالمية متعددة يؤكدون بأن إسرائيل تعتبر حاليا قوة نووية عسكرية وهي تمتلك مئات الرؤوس النووية والصواريخ بعيدة المدى.
والحقيقة أن إسرائيل تعد متخلفة في مجال استغلال الطاقات المتجددة، بالمقارنة مع الدول الصناعية المتقدمة؛ ففي الوقت الذي نصبت أمامها هدف إنتاج 5% من الكهرباء من الطاقة المتجددة حتى عام 2013؛ فإنها لا تزال تولد من الطاقات المتجددة أقل من 2% من الاستهلاك الإسرائيلي الحالي للكهرباء.
يفترض بإسرائيل التي تدعي تفوقها في مجال تكنولوجيا الطاقات المتجددة وتعمل على تسويقها في البلدان العربية، كما كان الحال في مؤتمر الطاقة المتجددة الذي انعقد في أبو ظبي عام 2010 وشاركت فيه إسرائيل – يفترض بها، أن تعمل أولا على تخفيض انبعاثاتها الغازية الضخمة الناجمة عن نشاطاتها العسكرية ومحطاتها الفحمية المولدة للكهرباء، من خلال استثمارها في الطاقة المتجددة، بدلا من خوضها مغامرات نووية مرعبة تعرض حياة الملايين للخطر.
