حوار خاص لآفاق البيئة والتنمية / غزة
حذّر مختص في الشأن البيئي من التأثيرات السلبية لغياب الوعي البيئي في المجتمع الفلسطيني، مؤكدًا أن الاهتمام بالأمن البيئي يحتل المرتبة الأدنى في سلم الأولويات ليس لدى المواطن الفلسطيني فحسب، وإنما لدى المسئولين وأصحاب العلاقة.
وقال الخبير البيئي د. نبيل أبو شمالة: "إن الوعي البيئي له علاقة بالنظافة، والنفايات الصلبة والمخلفات المنزلية وغيرها الكثير (...) و إن نتائج السلوك التي نراها يوميًا تدلل على غياب الوعي والثقافة البيئيين ".
وأضاف في حديث لـ"أفاق البيئة والتنمية"، حول مدى منهجية الوعي البيئي في سلوك الغزيين، أن البيئة باتت اليوم تعرف ضمن مفهوم أشمل وهو البيئة والتنمية المستدامة، و كل ما نراه من ممارسات لدى المواطنين يؤكد ضعف الوعي البيئي، لأن الثقافة والوعي البيئي يجب أن يتحولا إلى سلوك مُمارس.
مستويات ثلاثة
وشدد المختص البيئي أبو شمالة أنه وفي ظل غياب السلوك البيئي بمفهومه الشامل، فإن ذلك بمثابة دليل على غياب الوعي.
وفي معرض رده على سؤال حول آليات العلاج التي من شأنها أن تعزز السلوك البيئي، أشار إلى وجود ثلاثة مستويات رئيسية، أولها: المستوى الكلي ويتمثل في المؤسسات الحكومية والرسمية ذات العلاقة سواء كانت وزارة الثقافة، سلطة جودة البيئة، وزارة الزراعة، وسلطة المياه، وكذلك الجامعات والمدارس.
وأوضح د.أبو شمالة، أن وزارة الثقافة مطالبة بالعمل على تعزيز وترسيخ الوعي البيئي لدى المواطنين من خلال اعتماد سلسلة من البرامج والفعاليات ذات العلاقة بنشر ثقافة البيئة، كما أن المؤسسات ذات العلاقة مطالبة أيضًا بإلقاء الضوء على قضايا بيئية جوهرية لتعزيز السلوك البيئي الايجابي.
ولفت إلى أن الجامعات والمدارس يقع على عاتقها دور كبير في تعديل السلوك تجاه البيئة سيما وأنها مؤسسة تعليمية، منوها إلى أن الجامعات لديها منهاج خاص بالبيئة ولكنه ليس بالمستوى الشامل وإنما بتعلق بالموارد.
وقال :" يجب أن يكون الوعي البيئي في صميم عملها لأن البيئة هي الحياة.
وفيما يتعلق بالمستوى الثاني بيّن أنه يتمثل في البلديات أو ما يعرف بالسلطات المحلية وشدد على ضرورة لعب دور أكبر في تعزيز الوعي البيئي، من خلال مشاركة الأحياء السكنية في برامج تعزز الأبعاد البيئية لكافة الأنشطة التي يمكن ممارستها وتطبيقها.
وتابع د.أبو شمالة قائلًا: يتعلق المستوى الثالث في الأسرة والتي عليها أن تدرك جيدًا أهمية الوعي البيئي لدى كافة أعضائها، لأن المحافظة على البيئة يعنى المحافظة على صحة أفرادها وحياتهم يقول د.أبو شمالة.
وضرب مثلًا على أهمية إدراك خطورة انتهاك البيئة قائلًا إن:" إلقاء قطعة بلاستيك في البحر تحتاج إلى سنين حتى تتحل وهو كذلك الأمر فيما يتعلق بدفنها في التربة ... المطلوب التعامل معها بطرق سليمة حفاظًا على البيئة التي باتت تنتهك في كل لحظة".
آثاره بعد سنوات
وفيما يتعلق بالوعي الصحي وعلاقته بالبيئة، بيّن د.أبو شماله أن الوعي الصحي أهم بالنسبة للمواطنين لأن نتائجه تظهر خلال 24 ساعة على خلاف الوعي البيئي، إذ أن نتائجه وآثاره لا تظهر بسرعة وإنما قد تأخذ بضع سنين، مضيفا، هنا تكمن الخطورة ومثال على ذلك الاستنزاف الجائر للخزان الجوفي للمياه.
وتابع، إن انتهاك الوعي البيئي والسلامة البيئية تتكشف خطورتهما بعد فترات زمنية طويلة، وحينها يبدأ الإعلان عن الخطر الذي سيداهم حياة الأفراد، ونتائجه ستكون وخيمة، داعيا إلى تبني القيام بكل ما من شأنه أن يخلق وعيًا وثقافة بيئية تعزز السلوك الإيجابي في الحفاظ على البيئة لكي تصبح منهاج حياة.
وحول مدى إمكانية تطبيق القانون في لجم المعتدين على البيئة قال:" إننا لا نعاني فقط من فجوة قانونية بسبب الانقسام تتعلق بالتشريعات، وإنما تتعلق بتطبيق القانون، وهي مشكلة كبيرة وزاد عليها تعقيدات الواقع الفلسطيني والحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة التي تستهدف البيئة كما الإنسان".
وأشار أن تعقيدات الواقع أثرت على الأولويات لدى المواطنين، حيث باتت السلامة البيئية شبه مغيبة لأنها تأتي بعد أن يحقق الإنسان جزءاً من الأمن الغذائي والأمن الشخصي، ولكن في ظل تدهورهما بات الأمن البيئي مغيباً ولا يذكر.
وأشار إلى أن الأمم والشعوب بدأت تهتم بالأمن البيئي بعد أن حققت انجازاتٍ في الأمن الغذائي والشخصي وباتت تهتم بنوعية الحياة "جودتها" والتي تشكل فيها البيئة المحور الأساسي.
وأضاف أنه ونتيجةً للوضع الجيوسياسي المعقّد فإن الأولويات غير مرتبة، فالواقع الذي نحياه دفع بنا إلى تحقيق أولويات المفروض أن نكون قد أنهيناها من عقود.
وأوضح أن خصوصية الوضع في غزة تجعل من زيادة الوعي البيئي وتحويله إلى ثقافة وسلوك أمراً صعباً لوجود أولويات أكثر إلحاحا.
الجدوى الاقتصادية
وفي معرض رده على سؤال حول الجدوى الاقتصادية حول الاهتمام بالبيئة، أشار إلى أن الاهتمام بالبيئة يعنى توفير الملايين من الدولارات"ـ مستعرضا عدداً من الأمثلة في ذلك منها: الاعتقاد بأن خلط المياه المعالجة في البحر لا يشكل أي ضررٍ هو عار عن الحقيقة، والصحيح أن لها ضرراً بيئياً ليس فقط على الثروة السمكية وإنما على سلامة المواطنين، إذ كشفت الدراسات عن إصابة السباح بأربعة أنواع من البكتيريا وما يتبع ذلك من رحلة طويلة ومكلفة من العلاج.
وتابع كما أن عدم استخدام المياه المعالجة في ري جزءٍ من الزراعة يفقدنا ملاييناً من الأكواب المائية، لافتا إلى أن الاهتمام بالبيئة على المدى القريب يبدو أنه يحتاج إلى تكلفة مرتفعة، ولكن العكس صحيح، فالاهتمام بالبيئة على المدى البعيد لا يقدر بثمن.
وقال:" إن ثمن كوب المياه اليوم شيكل "على سبيل المثال" لكن السؤال كم سندفع حينما لا نعيد هذا الكوب إلى الخزان الجوفي، مؤكداً أننا سندفع عشرات الشواكل".
الاهتمام بالبيئة مكسب ذو منفعة، يضيف، كما أن تكاليف الحفاظ على البيئة مهما بدت مرتفعة فإن الآثار الايجابية التي ستحققها لا تقدر بأثمان، سيماً وأن هناك منافع مباشرة وأخرى غير مباشرة.
واختتم حديثه قائلًا: "إن لم نحافظ على بيئتنا، فإن الصورة قاتمة"، داعيا الى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
ودعا المؤسسات المختصة بالشأن البيئي إلى العمل على تأهيل كوادر بيئية قادرة على تغيير الأنماط السلوكية لدى الأفراد.