خاص بآفاق البيئة والتنمية
بدأت الفكرة خلال لقاء إرشادي مع مجموعة مزارعين في شمال الضفة الغربية، كان يدور محورها حول أهمية الابتعاد عن المدخلات الكيماوية في الزراعة لحياة وبيئة صحية، أفضى النقاش إلى مجموعة أفكار ازدحمت في ذهن المهندس الزراعي "سعد داغر" الذي حاول أن يترجمها لواقع قائم على فلسفة تعمق علاقة الإنسان بالبيئة من خلال طرق عديدة في الزراعة المستوحاة من الزراعة الطبيعية مع نمط حياة صحي ممزوج بالتأمل ومعتمد على الاستثمار بالطاقة الإنتاجية، فكتب فصولا من أسس مستدامة في الاكتفاء من وعلى الأرض، توصل بعدها إلى فلسفة "الزراعة الإنسانية" وبدأ تطبيقها على قطعة ارض ريفية مساحتها 50 دونماً في قريته "مزارع النوباني" شمال رام الله.
داغر الذي عمل في الهندسة الزراعية منذ أوائل التسعينيات كمهندس ومرشد في عدة مؤسسات أهلية، قرر قبل سنتين تطبيق فلسفته في قريته، حيث ورث جزءًا من أرض عائلته، وأضاف إليها مساحة أخرى قام بشرائها من جيرانه في الأرض.
استراحة المزارعين واحتساء القهوة
فلسفة الزراعة الإنسانية
تقوم فلسفة الزراعة الإنسانية التي يدونها داغر لنشرها مستقبلاً في كتاب، على أساس أن كل عمل يجب أن ينطلق من الجوهر الإنساني المحب للحياة والطبيعة والكون، ويرى من خلاله أن عودة الإنسان إلى جوهره، ستقود إلى عملية إشفاء شاملة للطبيعة على كوكب الأرض والتي عمل الإنسان العصري وما زال يعمل على تدميرها.
التنوع في مزرعة سعد داغر الإنسانية
"الحراثة الصفرية"
الملاحظ للزائر في الخطوات الأولى على أرض داغر انها لا تشبه نظيراتها من الاراضي، فهي غير محروثة ومكشوفة بل تكسوها طبقة من الحشائش المقصوصة. "لا أؤمن بتعرية التربة بحراثتها، بل بطريقة تعلمتها وطورت عليها أثناء دراستي في روسيا أواخر الثمانينات وهي " Zero Tillage أو مبدأ الحراثة الصفرية من دون استخدام للأسمدة أو المبيدات الكيماوية، المبنية على قص جزئي للعشب وتقليم للزيتون، بحيث توضع الأغصان المقصوصة حول جذوع الشجر لحفظها رطبة طوال السنة حيث تساهم تلك الأغصان عند تحللها في تسميدها، أما العشب المقصوص فيلقى على الأرض كغطاء يحميها من التعرية". |
الملاحظ للزائر في الخطوات الأولى على أرض داغر انها لا تشبه نظيراتها من الاراضي، فهي غير محروثة ومكشوفة بل تكسوها طبقة من الحشائش المقصوصة. "لا أؤمن بتعرية التربة بحراثتها، بل بطريقة تعلمتها وطورت عليها أثناء دراستي في روسيا أواخر الثمانينات وهي " Zero Tillage أو مبدأ الحراثة الصفرية من دون استخدام للأسمدة أو المبيدات الكيماوية، المبنية على قص جزئي للعشب وتقليم للزيتون، بحيث توضع الأغصان المقصوصة حول جذوع الشجر لحفظها رطبة طوال السنة حيث تساهم تلك الأغصان عند تحللها في تسميدها، أما العشب المقصوص فيلقى على الأرض كغطاء يحميها من التعرية".
يؤكد داغر أن والده وأشقاءه لم يقتنعوا في البداية بفكرة "الحراثة الصفرية"، لكنهم بدأوا يتقبلونها في السنتين الأخيرتين بعد رؤية إنتاجية شجر الزيتون بلا حراثة على ارض سعد المجاورة لأراضيهم.
لاستغلال أفضل لمياه الأمطار، ينوي سعد حفر قنوات تتلاءم مع ميلان التربة لتسحب المياه إلى جذوع أشجار الزيتون المغطاة بالأغصان والقش فتزيد من رطوبتها.
الزراعة البعلية للبطاطا اعتمادا على مياه الأمطار والحراثة الصفرية
أرض التنوع والتأمل
في مزرعته، يزرع خبير النبات داغر من الخضراوات التي يغطي تربتها بالقش (بين وتحت) أشجار الزيتون: البطاطا، البصل الأخضر، الزعتر، الميرامية، ورق اللسان، الخس، كما ينتج حوالي 100 كيلو عسل سنوياً من خلال 15 وحدة نحل يسعى لزيادة عددها، ولإضافة تنوع أكثر أضاف 30 شجرة تين، و 100 شجرة من اللوزيات كالبرقوق والدراق، كما زرع 120 نبتة صبار كنوع من تسييج المزرعة للحماية من الحيوانات البرية كالخنازير، واستخدام أجزاءها من السيقان لتغطية التربة للحفاظ على الرطوبة وزيادتها. |
"أهم ما سأحافظ عليه في ارضي هو الإبقاء على طبيعتها الصخرية، والاستثمار فيها من خلال بناء بيوت حجرية بمساحة (9 متر مربع) تصلح لأن تكون غرف مبيت، سنبدأ في البداية بخمس غرف، ومن ثم نضاعف العدد". يقول سعد وهو يشير إلى المدرجات الصخرية في أرضه.
يثور داغر -المبتسم المحيا دائماً- في مزرعته على فكرة النمطية في زراعة الأراضي الفلسطينية، فالأرض ليست مورد رزق معتمد على الزيتون فقط، بحيث يتأرجح وضع الأسر حسب إنتاجيته، بل يرى أن الأرض تتسع لمختلف صنوف الأشجار والنباتات، بالاعتماد على النمط البعلي في الزراعة مع "الحراثة الصفرية".
في مزرعته، يزرع خبير النبات داغر من الخضراوات التي يغطي تربتها بالقش (بين وتحت) أشجار الزيتون: البطاطا، البصل الأخضر، الزعتر، الميرامية، ورق اللسان، الخس، كما ينتج حوالي 100 كيلو عسل سنوياً من خلال 15 وحدة نحل يسعى لزيادة عددها، ولإضافة تنوع أكثر أضاف 30 شجرة تين، و 100 شجرة من اللوزيات كالبرقوق والدراق، كما زرع 120 نبتة صبار كنوع من تسييج المزرعة للحماية من الحيوانات البرية كالخنازير، واستخدام أجزاءها من السيقان لتغطية التربة للحفاظ على الرطوبة وزيادتها.
يسعى داغر من خلال مزرعته إلى تقديم نموذج يثبت بأن حقل الزيتون يمكن أن ينتج محاصيل كثيرة متنوعة، تسهم في تحسين دخل الأسرة. أسلوبه مبنٍ على محاكاة الطبيعة في كل شيء تقريبا، ففي الطبيعة تعيش النباتات المتنوعة مع بعضها البعض، وفي الطبيعة لا توجد حراثة كما أن كل ما ينتج من مخلفات نباتية يبقى في نفس المكان ليدخل في دورة الطبيعة من جديد. إنه أسلوب يقوم على فكرة عمل القليل ولكن عمله بذكاء.
الزراعة المتداخلة والمختلطة للخضار بداخل القش
بالات القش
وتظهر أيضاً في تلك المساحة الصغيرة وبين أشجار الزيتون بالات القش التي يزرع عليها البصل والجرجير والفراولة وسيستخدمها مستقبلاً لزراعة البندورة البلدية البعلية والفقوس والبامية واللوبيا، فهو يقول أن معدل جريان مياه الأمطار في أرضه يساوي صفراً، بمعنى أن مياه الأمطار كلها تبقى في التربة ولا تضيع، كنتيجة للمارسات العديدة التي يقوم بها.
"الصبر المزروع حديثا لهدف". قال سعد موضحاً أنه سيقلم نبات الصبار بشكل رأسي، كما سيربي على أوراقها حشرة، لإنتاج صبغة طبيعية تستخدم في أحمر الشفاه.
أفكار لحياة أكثر صفاءً وصحة
في الوادي الملاصق لأرض داغر، الشهير أيضا بأنه معلم يوغا وريكي (علم الطاقة)، نبعة ماء ستكون انتعاشة الصباح، حيث يخطط سعد أن يرتوي منها تلامذته قبل أخذ دروس التأمل وسط لوحة طبيعية منوعة بأكثر من 200 صنف حيوي من نبات وحيوان وطير.
|
يضيف داغر الذي يعرفه أهل رام الله أيضاً من خلال مشتل القيقب لبيع الأشجار والنباتات، أن في الأرض ثلاثة أبار تجميع مياه أمطار يعمل على تحسينها، كما توجد آثار لأحواض يرجّح سعد أنها تعود لآلاف السنين كانت تستخدم لعصر العنب وصناعة النبيذ. هذه الأحواض التي تعادل متر مربع، سيقوم بتحويلها إلى برك صغيرة للجلوس حولها والتأمل وأيضا لتوفير مياه شرب للحياة البرية في الصيف. كما ينوي إنشاء حمام صديق للبيئة من دون ماء، بهدف تدوير روث الإنسان وتحويله إلى سماد عضوي سيستخدمه في تسميد النباتات البرية كالبلوط والصنوبر والبطم.
في الوادي الملاصق لأرض داغر، الشهير أيضا بأنه معلم يوغا وريكي (علم الطاقة)، نبعة ماء ستكون انتعاشة الصباح، حيث يخطط سعد أن يرتوي منها تلامذته قبل أخذ دروس التأمل وسط لوحة طبيعية منوعة بأكثر من 200 صنف حيوي من نبات وحيوان وطير.
ينوي داغر خلال عامين توفير أماكن إقامة دائمة لأسرته في القرية وفي الأرض، بعد بناء بيت بسيط ليستقروا فيه جميعاً. كما ينوي إثراء الأرض بأنواع جديدة وذات فوائد صحية كنبات إكليل الجبل (الروزماري) البري صديق النحل، والروزماري العادي، الزعتر البري والمردقوش "الأوريجانو" والريحان.
 |
 |
الزراعة النختلطة والمتداخلة في المزرعة الإنسانية |
المزرعة الإنسانية التي يرعاها سعد داغر في قرية مزارع النوباني |
 |
 |
المزرعة الإنسانية لا تعرف سوى الحراثة الصفرية |
تغطية الأرض الزراعية بالقش والأعشاب للحفاظ على رطوبتها ومغذياتها |
 |
 |
خلايا النحل في المزرعة الإنسانية |
سعد داغر يشرب من نبعة في أرضه بمزارع النوباني |
 |
 |
سعد داغر يقلم الأشجار ويضع الأغصان حول جذوعها |
سعد داغر يواظب على تغطية محيط الخضار بالقش للحفاظ على رطوبة الأرض والمغذيات من حولها |
 |
 |
في مزرعة سعد يوجد ثلاثة آبار جمع لمياه الأمطار |
قرية مزارع النوباني |
 |
 |
قص الأعشاب ووضعها تحت وحول الأشجار |
مدخل المزرعة الإنسانية التي يرعاها سعد داغر |