الأمم المتحدة / خاص: افتتح الرئيس الفرنسي، فرنسوا أولاند، في نيسان الماضي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك عملية التوقيع على "اتفاق باريس حول المناخ" والتي شملت رؤساء دول أو حكومات أو مسؤولين من 171 دولة في مقدمها الولايات المتحدة والصين.
ويعزز توقيع الاتفاق، الذي ابرم في كانون الاول الماضي بهدف حصر الاحترار المناخي (ارتفاع درجات حرارة الأرض)، الآمال بتحرك سريع في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وكان أولاند أول الموقعين على الاتفاق، وتبعه قادة من دول-جزر هي الأكثر تضررا من ظاهرة التغير المناخي. وحضر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى المنصة وهو يحتضن إحدى حفيداته، ما دفع بالحاضرين الى التصفيق له بحرارة وهو يوقع الاتفاق.
وتوقيع اتفاق من قبل هذا العدد من الدول يعتبر الأكبر من نوعه، ويشكل خطوة أولى نحو إلزام الدول بتطبيق الوعود التي قطعتها في مجال وقف انبعاثات الغازات المسؤلة عن ظاهرةالاحتباس الحراري (ظاهرة البيوت الزجاجية، أوغازات الدفيئة).
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "إنها لحظة تاريخية". وأضاف "لم يوقع ابدا مثل هذا العدد الكبير من الدول اتفاقا دوليا في يوم واحد" قائلا "اليوم توقعون عهدا جديدا مع المستقبل". ويأتي التوقيع بعد اربعة أشهر على إبرام الاتفاق في باريس اثر سنوات طويلة من المشاورات المكثفة.
وقبل التوقيع دعا أولاند، من على منصة الأمم المتحدة، العالم وخصوصا الاتحاد الاوروبي الى ترجمة "اتفاق باريس حول المناخ" على شكل أفعال لمواجهة الوضع المُلِحّ الذي لا يزال قائما. وأضاف ان "الاشهر الماضية كانت الاكثر سخونة في السنوات المئة الماضية". وتابع "يجب التحرك بسرعة".
ويلزم اتفاق باريس موقعيه بالسعي الى ضبط ارتفاع معدل حرارة الكرة الارضية بحدود "اقل بكثير من درجتين مئويتين"، وإلى "مواصلة الجهود" لئلا يتجاوز 1.5 درجة. غير ان هذا الهدف الطموح جدا يتطلب إرادة راسخة ومئات المليارات من الدولارات من أجل الانتقال الى موارد طاقة نظيفة.
لكن التوقيع ليس إلا مرحلة أولى. فالاتفاق لن يسري إلا بعد مصادقة برلمانات 55 بلدا، هي مسؤولة عن 55% على الأقل من انبعاثات غازات الدفيئة، ما قد يتم اعتبارا من 2017.
من جانبه حض ليوناردو ديكابريو الممثل الأمريكي الشهير، الحائز على جائزة أوسكار والناشط البيئي، الذي حضر أيضا إلى الأمم المتحدة، قادة العالم على التحرك بسرعة قائلا "العالم يراقب الآن". وقد أعلنت الصين والولايات المتحدة، أكبر دولتين ملوثتين في العالم، أنهما ستصادقان على الاتفاق هذه السنة. لكن الاتحاد الاوروبي قد يقوم بذلك في غضون سنة ونصف السنة.
وبالإجمال اتخذت 13 دولة/جزيرة صغيرة معرضة لمخاطر فادحة (منها فيجي، توفالو، المالديف، بيليز، بربادوس، وساموا) الإجراءات اللازمة للمصادقة على الاتفاق في نفس يوم توقيعه.
لكن للتوصل الى عتبة 55 دولة (مسؤولة عن 55% من الانبعاثات) يجب ضمان مصادقة بلد او اثنين من كبار الملوثين (الولايات المتحدة، الصين، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الهند). وسبق ان وعدت بكين (مسؤولة عن 20% من الانبعاثات) وواشنطن (18%) بإتمام ذلك قبل نهاية العام. في الولايات المتحدة تم التفاوض على الاتفاق بحيث يتجنب الرئيس باراك اوباما طلب موافقة الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الرافضون للنص.
في وقت سابق قالت وزيرة البيئة والطاقة الفرنسية سيغولين روايال، التي ترأست المؤتمر الحادي والعشرين حول المناخ الذي عقد في باريس العام الماضي "لم يشهد اي اتفاق دولي على الاطلاق هذا العدد من التوقيعات في يوم واحد".
ويعود عدد التوقيعات القياسي السابق الى العام 1982 عندما وقع 119 بلدا اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار.
وقللت روايال من أهمية غياب قادة عدد من الدول التي تعتبر محورية، لأنها تتسبب في الكثير من التلوث، كالرئيس الأمريكي باراك أوباما، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، مؤكدة أن "غياب البعض لا يضعف الاتفاق".
ويعتبر الاتفاق انتصارا للأمين العام للأمم المتحدة الذي عمل طوال ولايته من اجل المضي قدما بهذا الاتفاق وأدرجه كإحدى اهم اللحظات في ولايته.
وقالت سيلوين هارت، مديرة فريق التوقيع على الاتفاق، ان الأمين العام للأمم المتحدة "يريد استغلال الحدث لحشد زخم بشأن التنفيذ ودخول اتفاق باريس موضع التنفيذ في أسرع وقت". التوقيع على الاتفاق سلط الاضواء على الدول/الجزر الأكثر عرضة للخطر نتيجة ارتفاع منسوب البحار والظواهر المناخية القصوى الناجمة عن ارتفاع درجات حرارة الأرض.
فقد قال جوزايا فوريكي بينيمراما، رئيس وزراء جزر فيجي "إن حدثا مناخيا واحدا كفيل بمسح كل ما احرزنا من تقدم وتأخير نمونا". في شباط تعرضت فيجي لاكتساح إعصار وينستون الاستوائي العنيف. وتسعى عدة دول نامية جاهدة إلى ضمان التوقيع على الاتفاق هذا العام.
وتقول الأمم المتحدة إنه حتى في حالة تنفيذ الاتفاق بالكامل فإن الخفض المأمول للانبعاثات المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري سيكون غير كاف للحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض عند الحد الأقصى المتفق عليه. وسجلت الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي -التي تضمنت موجات من الجفاف والحر وارتفاع منسوب مياه البحار- مستويات قياسية من درجات الحرارة إذ كانت أعلى مستويات من نوعها منذ بدء تسجيل حرارة العالم في القرن التاسع عشر.
وخلال شهر آذار أدى ارتفاع درجات حرارة المسطحات المائية إلى إحداث تلف بالغ في الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا مع ذوبان القمم الجليدية في القطب الشمالي.
وقال بتري تالاس الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة "جاء كم التغير مفاجئا حتى بالنسبة إلى العلماء المخضرمين في مجال المناخ".
من جهة ثانية طالبت مجموعة من زعماء العالم والبنوك الدولية أمس مزيدا من الدول بأن تبدأ في مشروعات لتسعير الانبعاثات الكربونية.
كان رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل من بين الزعماء الذي طالبوا باتخاذ إجراءات سريعة للتسعير إلى جانب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قبل حفل التوقيع. وحددت نحو 40 دولة وأكثر من 23 مدينة وولاية ومنطقة سعرا لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتغطي 12% من حجم الانبعاثات الدولية.
ويهدف تسعير الكربون إلى دعم جهود كبح الانبعاثات الغازية في العالم. وهناك نوعان رئيسيان لتسعير الكربون: هما الاتجار في الانبعاثات، وضرائب الكربون.
وتوجد عدة مسارات يمكن للبلدان اتباعها لتسعير الكربون تبدأ بجمع التكاليف الخارجية للانبعاثات -وهي تكاليف يدفعها الجمهور مثل تلف المحاصيل وتكاليف الرعاية الصحية جراء موجات الحرارة والجفاف أو تضرر الممتلكات من الفيضانات وارتفاع منسوب سطح البحر- وربطها بمصادرها من خلال تسعير الكربون.