خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعاني الضفة الغربية من غياب شبكات الصرف الصحي في ثلثي مساحتها، فما نسبته31% فقط موصول بشبكات الصرف الصحي، ما يضطر المواطنين إلى استبدالها بحفر أغلبها امتصاصية وجزء منها صماء، هذا ما أفادنا به عادل ياسين مدير دائرة الصرف الصحي في سلطة المياه الفلسطينية.
وتعاني مدنية جنين من ذات المشكلة لكن بنسب مختلفة، حيث أن 70% من الأحياء السكنية يعتمد على شبكات الصرف الصحي، فيما تعتمد 30% على الحفر، أما ريف جنين فلا يوجد فيه أي شبكة صرف صحي وكل المنشآت تستخدم الحفر الامتصاصية، هذا ما أكده نعيم الغزاوي رئيس قسم الصرف الصحي في دائرة المياه في مدينة جنين.
تجربة مواطن
يعاني المواطن عدنان أبو الهيجاء وعائلته في قرية اليامون قضاء محافظة جنين من مشكلة الحفر الامتصاصية، فهو يرى أن الحفر الامتصاصية تشكل أذى عليه وعلى الآخرين، فهي تحد من قدرة أصحاب المنازل على استغلال حديقة منازلهم الصغيرة للزراعة، كما يخشون على آبار المياه الخاصة بهم والقريبة من الحفر الامتصاصية من التلوث. ويعتقد أبو الهيجاء أن الحفر الصماء بسبب عدم وجود محطات تنقية هي أكثر أذى من الحفر الامتصاصية، فالحفرة الصماء تحتاج إلى نضح كل شهر تقريبا وبعد نضحها تلقى المياه المنضوحة بالسهول والأودية وتتغلغل بالتربة وبالتالي المشكلة تكون نفسها في الحالتين، لكن على الأقل، الحفرة الامتصاصية لا تنشر روائح كريهة تؤدي إلى تجمع البعوض والذباب، بينما مياه الحفر الصماء المفرغة قرب المنازل تعمل على ذلك.
يتأمل المواطن أبو الهيجاء إنشاء شبكات صرف صحي للتخلص من معضلة بيئية وصحية يجبر من نفقته الخاصة على التخلص منها، بدلا من إيجاد حل شامل وصحي من قبل الجهات المختصة.
حطب يغطي حفرة امتصاصية في اليامون
أصل المشكلة
تحاول وحدة صحة البيئة في محافظة جنين الحد من انتشار ظاهرة الحفر الامتصاصية، من خلال عدم الموافقة على أي مخطط هندسي لمنشأة غير موصولة بشبكة صرف صحي أو مقامة بدون وجود حفرة صماء كبديل عن شبكة الصرف الصحي، وذلك كشرط أساسي لترخيص البناء لاحقاً من قبل البلدية أو الحكم المحلي في جنين، هذا ما ذكره بشار ضراغمة مدير وحدة صحة البيئة في مديرية صحة محافظة جنين.
يوضح ياسين من سلطة المياه بأن شبكات الصرف الصحي غير متوفرة بثلثي الضفة الغربية، فيلجأ المواطن إلى حلّ آخر وهو الحفر التي من المفترض أن تكون صماء لكن السائد منها من النوع الامتصاصي، فلا يمكن إجبار المواطنين على اعتماد الحفر الصماء بسبب عدم وجود أماكن مخصصة للنضح كمحطات التنقية، وإن وجدت تكون في مركز المدينة البعيد عن الأرياف، ويشترط لاستخدامها دفع رسوم إضافية لتعويض مشغل المحطة والذي يكون عادة جهة رسمية مثل البلديات.
وأضاف ياسين بأنه وبكلا الحالتين فإن كانت الحفرة امتصاصية أو صماء فمصير محتواها إلى التربة أو الأودية لعدم توفر محطات تنقية، الأخيرة التي تتطلب رأس مالٍ كبير يقارب الـ 30 مليون دولار. بمعنى أن محطات التنقية غير متوفرة وإن توفرت فهي بعيدة ويشترط لاستخدامها دفع رسوم إضافية، بهذه الحالة يكون استعمالها مكلف بالنسبة للمواطن.
دور رقابي متهالك
بسبب الانتشار الواسع للحفر الامتصاصية كان لا بد من بعض المتابعة من قبل جهات مختصة، بهذا الشأن قال عبد المنعم شهاب مدير سلطة جودة البيئة في مدينة جنين أن الرقابة والمتابعة تكون من خلال ما يتقدم به المواطنون من شكاوِ على أصحاب الحفر الامتصاصية التابعة للمنازل التي تسبب ضرراً بيئياً ما، فتتشكل لجنة للكشف على الموقع وإن كان هناك ضرر حقيقي من الحفرة فيتم إعطاء صاحب الضرر مهلة لإزالته، وفي حال عدم تجاوبه يتم تحويل ملفه للقضاء، ويأتي السؤال هل يكفي هذا النوع من الرقابة؟ أي من خلال شكاوي المواطنين فقط؟
وبهذا الصدد أضاف شهاب أن ضعف الامكانيات وقلة الكوادر العاملة في سلطة جودة البيئة في جنين يشكل عائقاً للدور الرقابي على الحفر الامتصاصية وباقي القضايا البيئية التي تستلزم توفر شكوى للمتابعة.
بالتالي نرى أن الرقابة ليست بهدف إزالة الحفر الامتصاصية بشكل ممنهج وجذري، بل هي عبارة عن إجراءات مؤقتة لإزالة أي ضرر ظاهر على السطح، مثل توقف الحفرة عن التسريب ومنع فيضان مياهها الملوثة التي تسبب روائح كريهة وتجذب الحشرات والقوارض.
المياه هي المتضرر الأكبر
مع انتشار الحفر الامتصاصية، تأتي معها مجموعة أضرار ومخاطر تعمل على إفساد المياه، فالمخلفات السوداء أي المياه العادمة وما تحتويه من أنواع بكتيريا مختلفة وكائنات حية دقيقة ضارة موجودة في البراز الأدمي، والمخلفات الرمادية أي مخلفات المطابخ وما تحتويه من (كلور) ومواد كيماوية ودهنيات، تتسرب بعد ما تتشربها تربة الحفر الامتصاصية إلى الآبار والمياه الجوفية ومياه الينابيع العذبة وتفسدها، هذا ما قاله مصطفى عمارنة مدير الدائرة الفنية في دائرة الزراعة في محافظة جنين، ذاكراً أنه على سبيل المثال، حدوث تلوث لينابيع عذبة كان من المفترض الاستفادة منها في قرية جبع في محافظة جنين بمياه حفر امتصاصية قريبة منها، وكنتيجة لذلك، شكلت المياه الملوثة على التربة عدا الأضرار البيئية والصحية، عائقاً اقتصادياً، فهذه المحاصيل ذات الجودة المنخفضة لا يمكن استخدامها محليا ولا تصديرها إلى الخارج.
حفرة امتصاصية في قرية اليامون
مدى فعالية القضاء
حول دور القانون في الحد من هذه الظاهرة، أشار المحامي نذير جرار إلى أن عقوبة من يستخدم الحفر الامتصاصية تندرج تحت مادة حظر التلويث رقم (43)، ويأتي معناها كالتالي: إن تبين للجنة الكاشفة أن هناك ضرراً أو مكرها أو تلويثاً في منطقة ما ناتجة عن تصريف نفايات أو مياه عادمة أو... في منشأة ما يجب إصدار إخطار الى المالك ضمن مهلة معينة، وبحال عدم إزالة الخطر يعاقب المالك بدفع غرامة لا تزيد عن 20 دينارا، ويعطى مهلة معقولة لإزالتها ويخالف عن كل يوم تأخير ب 5 دنانير.
وأضاف جرار أنه لا يوجد مادة قانونية مختصة لمنع وردع إنشاء الحفر الامتصاصية، فالمادة كما ذُكر في الأعلى عامة وتشمل أي مسبب للتلويث، أما بالنسبة للعقوبة فقال أن نضح الحفر الامتصاصية مكلف أكتر من الغرامة القانونية أي أن 20 ديناراً لمرة واحدة أقل كلفة من 20 دينار كل شهر تقريبا.
حلول مؤقتة
كحل مؤقت بديل عن شبكات الصرف الصحي يرى ياسين أنه من المجدي إيجاد مناطق محددة ذات خصائص جيولوجية تحوي مسامات مغلقة نسبيا تستخدم كخزانات وإنشاء محطات تنقية أولية لتنقية مياه الخزانات بشكل أولي على الأقل كل فترة وأخرى، أما شهاب فيرى حلاً آخر، فيقترح محطات تنقية صغيرة بكل تجمع سكني صغير مثل الإسكانات والقرى البعيدة مما يتيح لسائقي الصهاريج نضح المياه الملوثة في محطات التنقية كونها قريبة بدلا من إلقائها في السهول والأودية.
ويقترح ضراغمة إضافة إلى ما سبق حلاً منزلياً وهو التنقية المنزلية، من خلال شبك نهايات مصارف مجلى المطابخ مع شبكة تتكون من طبقات من الحصى بأحجام مختلفة، تعمل على تنقية أولية للمياه وتلقيها بعد ذلك بحديقة البيت، لكن هذه الطريقة غير محبذة لإنها تسبب تجمعاتٍ لرواسب الطعام كالدجاج مثلا، ومع الوقت تتحلل وينتج عنها مخاطر صحية.