من رفح جنوب قطاع غزة حتى بيت حانون شماله: نكبة بيئية-صحية مريعة وانهيار شامل للبنية التحتية الكهربائية
الاحتلال الصهيوني دمر كل أشكالا البنية التحتية في قطاع غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
إثر القصف الإسرائيلي لمحطة الطاقة بمدينة غزة في تموز الماضي، تصاعد الدخان الأسود الكثيف في سماء المدينة واندلعت ألسنة النيران الهائلة في المحطة التي تعد ثاني أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في القطاع والمزود الفلسطيني الوحيد لنحو ثلث كهرباء القطاع؛ إذ أنها تنتج حوالي خمسين "ميغاواط" من الطاقة الكهربائية. وقد دمرت أجزاء أساسية من المحطة تدميرا كاملا وبخاصة خزانات الوقود الرئيسية؛ ما يعني كارثة إنسانية وصحية كبيرة أصابت القطاع بسبب الشلل الذي ألم بالمحطة عمليا، وبالتالي توقفها عن الإنتاج. وتقدر الفترة اللازمة لإصلاح الخراب أشهرا طويلة. ونتيجة ذلك، سيشهد القطاع الذي عانى أصلا منذ ما قبل العدوان الأخير، من انقطاعات يومية كبيرة وصلت إلى 18 ساعة في اليوم الواحد- سيشهد تفاقما خطيرا وهائلا في انقطاعات الكهرباء. وحاليا، لا تتجاوز فترة وصول التيار الكهربائي للمنازل، في معظم أنحاء القطاع، أكثر من ساعتين يوميا. ومع هبوط الليل، تتشح معظم المنازل الغزية بسواد الظلام الدامس.
ومن المعروف أن قطاع غزة يتزود بمعظم الكهرباء من خطوط الطاقة الإسرائيلية التي دمر العدوان الإسرائيلي الأخير معظمها أيضا.
وحيث أن محطة غزة تزود مرافق البنية التحتية الأساسية في القطاع بالكهرباء، بما في ذلك محطات معالجة المياه العادمة، فإن دمار المحطة يعني نكبة بيئية وصحية على مجمل سكان القطاع، من رفح جنوبا حتى بيت حانون شمالا. اصطناع الاحتلال لهذه النكبة، إلى جانب المجازر البشرية المرعبة وإبادة أسر بأكملها وتشريد مئات الآلاف، يهدف أساسا إلى دفع أهالي القطاع نحو التذمر الضاغط على المقاومة كي تستسلم أو تقبل بالهدنة بحسب الإملاءات والشروط الصهيونية. إلا أن هذه الأمنيات الصهيونية لم تتحقق، وما شاهدناه أثناء المعركة هو التماسك الفلسطيني الداخلي والتأييد الشعبي غير المسبوق للمقاومة في غزة، رغم الأعداد الضخمة من الشهداء والجرحى والحجم الهائل للدمار.
هنا غزة
المولدات المنزلية والموت الجوال
لإدراك مدى كارثية الانهيار الحاصل في البنية التحتية الكهربائية والمائية المدمرة في قطاع غزة، لا بد من الإشارة إلى أن الشح الكارثي في الكهرباء بقطاع غزة ناتج عن الهبوط الهائل في تزويد الكهرباء منذ ما قبل العدوان الصهيوني الأخير بسنوات طويلة؛ وذلك بسبب الحصار الإسرائيلي على قطع الغيار والوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة في مدينة غزة، والتي هبط إنتاجها (قبل العدوان) إلى أقل من الربع بالمقارنة مع أوائل عام 2006؛ علما أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت المحطة في ذات العام. كما أن نقص التمويل لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطة فاقم الأزمة. ونتيجة ذلك، عانى (قبل العدوان) نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة (باستثناء منطقة رفح) من انقطاعات يومية في الكهرباء تتراوح بين 12-18 ساعة، وبخاصة أثناء الليل؛ ما أدى إلى انتشار عشرات آلاف مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين في مختلف أنحاء القطاع، والتي ينبعث منها غازات سامة ملوثة للهواء وروائح كريهة وضجيج خطير.
منذ عام 2010، ونتيجة استعمال المولدات في المنازل، أصيب مئات الأفراد وتوفي العشرات، بمن فيهم الأطفال في قطاع غزة؛ وذلك بسبب الحرائق والانفجارات والصدمات الكهربائية واستنشاق غاز أول أكسيد الكربون السام الناتج عن الاحتراق غير المكتمل للبنزين الذي يشغل المولدات؛ إضافة إلى تفاقم الكثير من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، الربو، السرطان، التوتر العصبي، الصداع الحاد، مشاكل في التنفس، الأرق، السعال، الحساسية والحكة، ضبابية في الرؤية، فقدان التوازن، أمراض جلدية وضعف في السمع.
وتتسبب المولدات في مستوى تلوث ضوضائي مرتفع نسبيا، بسبب تجاوز مستوى الضجيج لـِ 100 "ديسيبل"، علما أن المستوى الطبيعي للضجيج هو 40-50 "ديسيبل" حسب منظمة الصحة العالمية. التعرض المتواصل لمستوى أعلى من 80 "ديسيبل" قد يتلف حاسة السمع، أو قد يؤدي إلى الطرش المؤقت والتوتر العصبي المزمن والصداع وفقدان التركيز والأرق وغير ذلك.
وحاليا، تمتلك قلة من أهالي القطاع مولدات الكهرباء التي لا يعمل الكثير منها بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيلها أصلا.
وحيث أن معظم المياه في قطاع غزة مالحة وغير صالحة للشرب، فيتم بالتالي فلترتها بواسطة مضخات كهربائية لجعلها صالحة للشرب. وكالة الغوث (الأنروا) ومنظمات حكومية وأهلية محلية تعمل يوميا على توزيع عبوات المياه على مئات الآلاف الذين شردوا من منازلهم، فلجأ معظمهم إلى مراكز الإيواء المنتشرة في كل مكان، وهي بغالبيتها مدارس تابعة لوكالة الغوث.