خاص بآفاق البيئة والتنمية
لاهتمامها بالأفكار المستندة على الطاقة المتجددة ضمن ثقافة التنمية المستدامة، شاركت مجلة آفاق البيئة والتنمية مؤخراً في ورشة عمل بجامعة بيت لحم، نظمتها مؤسسة كوبي الايطالية بالشراكة مع مؤسستين أخريين، دارت حول مفاهيم الأمن الغذائي والدعم والتغذية وتحديداً برنامج Set4Food. شمل البرنامج طرق إدارة تكنولوجيا استخدامات الطهي في مناطق الصراع وتلك المهمشة ضمن الإمكانيات المكانية المتوفرة، ومن ضمنها استخدام موائد وافران ووسائل حفظ للطعام موفرة للطاقة وصديقة للبيئة. يتناول هذا التقرير بالصور والشرح البسيط أهم تلك الطرق التي جعلت من الحاجة أماً لبعض الاختراعات البيئية التي تتماشى مع الظروف غير الاعتيادية في مناطق الحروب واللجوء.
بدايةً، أشارت المحاضرة التي أدارها كل من الناشطين الايطاليين ماركو كانياتو وفابيو ريفا في العرض الاستهلالي إلى معلومات ذات علاقة وثيقة بطبيعة وأهداف البرنامج، وجاء فيها: بلغت نسبة اللاجئين حتى نهاية عام 2014، 59 مليون شخص حول العالم، 19 مليون لاجئ متنقل بين الدول، و38 مليون لاجئ متنقل داخل نفس البلد، و 2 مليون من طالبي حق اللجوء السياسي. كما يأتي معظم اللاجئين المتنقلين في الأعوام الأخيرة من بلدان: سوريا، أفغانستان وصوماليا. وكانت الدول المستقبلة للاجئين بالترتيب التنازلي من حيث العدد: تركيا، باكستان، لبنان، إيران، إثيوبيا والأردن.
تتمثل أهداف مؤسسة Set4Food في تعزيز قدرات الاستجابة للناشطين الإنسانيين في تحديد وتنفيذ تكنولوجيات الطاقة المستدامة والفعالة للاستخدامات الغذائية، ومن أجل ذلك، استطاعت المؤسسة تطوير برنامج DSS أو نظام القرار المدعَّم، لتحديد التكنولوجيا المناسبة الممكنة نظرا للحياة الصعبة وعدم الأمان وغياب الموارد التي يواجهها اللاجئ في موضوع استخدام الطعام، والمقصود بذلك، طرق طهو الطعام، حفظه والوصول إلى مصادر المياه.
طهو بطابع الاستدامة
يركز برنامج Set4foodعلى ضرورة مساهمة الطاقة المستخدمة لتحضير وحفظ الطعام في تحقيق ثلاثة أهداف: اقتصادية عبر توفير المال والاستقلالية، اجتماعية من حيث حماية النساء والأطفال من التعرض للعنف، وبيئية تطمح لتقليل الأثر البيئي كالتصحر والقطع الجائر والمشاكل الصحية.
وفق بيانات المؤسسة التي اُستعرضت بالمحاضرة فيموت سنوياً خمسة ملايين إنسان نتيجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء جرّاء استخدام الوقود غير الفعال، ومن تلك الأمراض القاتلة: الالتهاب الرئوي جلطات القلب، سرطان الرئة، مرض الانسداد الرئوي المزمن، عدا أن استخدام الخشب في الطهو يسبب أضرارا بيئية كبيرة كاجتثاث الأشجار والتصحر، والإضرار بالنظم البيولوجية والايكولوجية، انجراف وتفكك التربة، فقدان المناطق المحمية، فقدان الأراضي الرطبة والمستنقعات والتأثير على نوعية المياه، تدهور مخزون الأسماك في البحيرات. أما من الناحية الاجتماعية فإن جمع الحطب والماء يستغرق وقتا طويلاً على النساء والأطفال، ما يعرّضهم للعنف المنزلي وسوء المعاملة ويساهم في ابتعاد الأطفال عن التعليم.
مواقد صديقة للبيئة
الطاقة النظيفة لاستخدامات الطعام اعتمدت من قِبَل هذا المشروع كأسلوب مساعد وليس أساسي حيث يبقى الوقود هو الأسرع من حيث عملية الطهي والاستخدامات الأخرى، لكن لا يمكن إنكار أهمية تلك الطاقة في حال لم يتوفر المصدر التقليدي من الطاقة، حيث أن كثيرا من اللاجئين في المناطق المؤقتة يستخدمون طرقاَ في الطهو معتمدة على الحطب أسفل الموقد والتي تعدّ ذات تأثيرات سلبية كبيرة من حيث هدر 15% من الطاقة، وإنتاج الكثير من الدخان الذي يؤثر على صحة أهل المنزل بسبب الملوثات والسموم التي يحويها.
سنركز في هذا الاستعراض السريع على الطرق الصديقة للبيئة فقط، مع العلم أن المؤسسة توفر بالدرجة الأساسية كل الطرق المتاحة لطهو الطعام ومنها تلك المعتمدة على الوقود الأحفوري.
الصندوق الطباخ
يتكون من مربع معزول يغطيه الزجاج الشفاف الذي يشكل مع زجاج عاكس آخر زاوية حادة، يساعد هذا الطباخ في تجميع أشعة الشمس المباشرة من خلال القاع الداخلي للصندوق المطلي باللون الأسود والموصل للحرارة وذلك لتحقيق أقصى قدر من الامتصاص لأشعة الشمس. الصندوق الطباخ يستوعب عدة أواني، ويمكن بسهولة بناءه من مخلفات حول المنزل كالمعادن والزجاج وورق السوليفان أو الخشب.
هذه النماذج البسيطة تعد في الواقع بطيئة في التسخين لأنها لا تركز الأشعة في الوعاء مباشرة، وهي بالكاد تجعل الماء يغلي وتتطلب ساعات أكثر من اللازم في الطهو، ولكن في المقابل، فإن هذا الصندوق يعمل بشكل أفضل مع الإشعاع المتفرق، ويلتقط فاقد الحرارة الناجمة عن الرياح، وكذلك في الأوقات الغائمة قليلة الشمس، والأوقات التي تنخفض فيها درجة الحرارة المحيطة وذلك بفضل العزل المصنوع بشكل جيد.
الطباخ اللوحي
هو النوع الأكثر شيوعا من قائمة المواقد الشمسية بسبب سهولة وانخفاض تكلفة البناء، يعتمد على السطوح العاكسة لجمع وتركيز وتوجيه أشعة الشمس إلى وعاء، يتم تضمينه في كيس من البلاستيك الشفاف أو صندوق زجاجي لخلق تأثير البيت الأخضر والحفاظ على الحرارة في الداخل.
من ناحية أخرى، ولإمكانية بنائه باستخدام مواد الخردة المحلية بتكلفة منخفضة للغاية، يصبح الموقد سريع التلف مع الوقت بحيث لا يستمر أكثر من بضعة أشهر. ولكن ما يميزه أنه وخلال الأيام المشمسة يستطيع طبخ 300 غرام من الفاصوليا في 400 ملم من الماء في أقل من ساعة واحدة ونصف.
الطباخ اللاقط
يتكون من عاكس يحيط وعاء الطهو المثبت عند نقطة التركيز اللاقطة للأشعة، وذلك بفضل نظام قائم على دعم ذلك، يولد أكثر من 2000 واط من الطاقة، ويغلي 5 لترات من المياه خلال مدة 70 دقيقة. هناك مخاطر من استخدامه تتعلق باحتمالية التسبب بالعمى في حال التركيز في إشعاعه لمدة طويلة، لذلك فمن المستحسن عدم استخدام هذا الموقد في مكان مزدحم أو يتواجد فيه أطفال. وعلاوة على ذلك، أيضا هناك مخاطر مرتفعة من حرق المواد الغذائية إذا لم يتم مراقبة الطهي. وإذا تم شراءه وليس تصنيعه يدوياً فهو مكلف للغاية (يصل إلى مئات الدولارات).
سلة القش
سلة القش أو الطباخ بنار قليلة، عبارة عن وعاء معزول بسيط في مكوناته، بحيث يمكن من خلاله تخزين الطعام المطبوخ جزئياً من أجل مواصلة الطهي دون الحاجة إلى استهلاك مزيد من الوقود والحرارة الخارجية. هذا الوعاء يحتوي على المواد الغذائية التي يمكن أن تتحقق أولا بغلي الطعام مع موقد تقليدي ثم وضعها في سلة القش المخزنة للحرارة دون حرق المزيد من الوقود بنسبة 40%، ولكن من الواضح أن مقدار الوقت اللازم للطهي في سلة القش أعلى إذا ما قورن بالموقد التقليدي.
وقود المخلفات
وكبديل عن الفحم الخشبي Charcoal ونظراً لتسببه بأضرار بيئية في المناطق الخضراء، فيمكن استخدام الوقود المصنع من النفايات والمخلفات العضوية، ومزاياه عديدة وتتمثل بـ: إمكانية تجميع عناصره من البيئة المحيطة للمخيمات والبيوت مثل قشور الأرز، روث الأغنام، سيقان المحاصيل والأغصان والأوراق، كما يستخدم بديلا عن أخشاب الغابة، ويساهم فعلياً في ضخ أفكار جديدة لتعزيز ثقافة إعادة التدوير.
حفظ الطعام في أوقات الصراع
*رسم بياني يوضح العلاقة بين درجة الحرارة والنمو البكتيري
في مناطق اللجوء حيث يصبح تأمين الغذاء أكثر صعوبة يتعرض اللاجئون لسوء التغذية وبالتالي يصبحون أكثر هشاشة من حيث التعرض للأمراض. من هنا، يطرح البرنامج عدة طرق لحفظ الطعام لتجنب تكاثر البكتيريا، الخمائر، التلوث قبل أو بعد الطهو.
نظراً لكون الرطوبة الطبيعية في العديد من المواد الغذائية تشكّل أرضية خصبة للكائنات الحية مثل البكتيريا الضارة والفطريات، فيعدُّ حفظ الطعام عملية حاسمة لضمان صحة الناس. ولذلك، من المهم تجنب تخزين المواد الغذائية في درجة حرارة تتراوح بين 20 _ 45 درجة مئوية، وهي درجات الحرارة المثلى لنمو البكتيريا.
التبريد والتجميد هما عمليتان تتمثلان في إزالة الحرارة من المواد الغذائية للحفاظ عليها ضمن درجة حرارة تخزين معينة، وهي فيما يتعلق بالتبريد تكون عادة ما بين 0 - 10 درجة مئوية، وأقل من- 10 درجة مئوية للتجميد.
التبريد
في التطبيقات العملية، وحيث تكون أقصى درجات الحرارة المتاحة ما بين 10-20 درجة مئوية، فإن هناك طرق حفظ بدائية لا تتطلب أي نوع من الطاقة أو المعدات التقنية لخفض درجة الحرارة داخل وحدة التخزين المبرد، ويمكن تقسيمها بشكل رئيسي إلى الفئات التالية: ثلاجات التبخر( الزير)، السرداب، صندوق الجليد
ثلاجات التبخر ( آنية الزير)
تتألف من آنيتين فخاريتين بقطرين مختلفين، بحيث توضع آنية داخل الأخرى. يتم تعبئة الفراغ بين الأواني بالرمل الرطب الذي يبقى رطباً ومبللاً باستمرار، وبالتالي الحفاظ على رطوبة الأواني. هذه الطريقة فعّالة للمناخات الجافة، ولكي تنجح فهي تتطلب إمدادات مستمرة من المياه.
الميزات:
يمكن تصنيعه بسهولة من المواد والإمكانيات المحلية، لا يستهلك طاقة أو كهرباء، ليس هناك حاجة للمكونات الميكانيكية، تكلفة البناء منخفضة جداً.
السلبيات:
تزويد هذا النوع من الثلاجات بالماء يكون مستمراً، الفرق في انخفاض درجة الحرارة يختلف بين البيئة الخارجية والوعاء الداخلي
لحفظ بالسرداب
هو قدر أو صندوق لحفظ الطعام تحت الأرض، حيث يستغل درجة الحرارة المنخفضة في جوفها ما بين 8-18 درجة مئوية، هذه الطريقة لها ميزة إضافية في فصل الشتاء حيث تحفظ الطعام بدرجة قريبة من التجمد ما يساهم في حفظ الطعام مدة أطول من التدهور والتعفن. يمكن لهذه التقنية أن تتحسن وتصبح أكثر فعالية في حال تم إضافة صندوق من الثلج من مواد غير سامة في القدر لتخفيض درجة الحرارة.
الحفظ بصندوق الثلج
عبارة عن وعاء معزول قادر على إبقاء الثلج لمدة طويلة وبالتالي حفظ الطعام، يستخدم الثلج الجاف أو الصناديق المثلجة أو حتى مكعبات الثلج، يتم الحصول على الثلج من مزود خاص له في القرية، ويمكن صنع تلك الصناديق من البولسترين، المطاط أو المواد المحلية، وفي حال تم استخدام مكعبات الثلج فيجب أن يتوفر نظام تجفيف للمياه الذائبة. من فوائد هذه الطريقة: لا استهلاك للطاقة، ليس هناك حاجة للمكونات الكيميائية، تكلفة البناء منخفضة، سهل الاستخدام. السلبيات: صعوبة التحكم المناسب بدرجة الحرارة والرطوبة، ضرورة توفير الثلج بشكل دوري ليتم الحفاظ على الحرارة المنخفضة.
التجفيف
يساهم تجفيف الطعام في تقليل المياه من جزيئاته، ما يساهم في القضاء على الميكروبات والتدهور الكيميائي. التجفيف بشكل عام يمكن تصنيفه إلى عدة طرق : التجفيف الحراري، والتجفيف بالدخان وخاصية التجفيف الأسموزي بالملح.
التجفيف الشمسي
تستخدم هذه الطريقة إما في مكان مفتوح لتوفير اكبر حرارة ممكنة لا تتوفر في الأماكن المحيطة، حيث يوضع الطعام على سطح الأرض ويترك ليجف تحت قرص الشمس مباشرة، أو عن طريق المجفف الشمسي المصنّع من مواد بسيطة: صندوق خشب محاط بزجاج أو بلاستيك شفاف (مشابه لفكرة الدفيئة البلاستيكية)، يساعد هذا المجفف في الإسراع من عملية التجفيف عبر استخدام التكنولوجيات التي تنشّط الانتقال الحراري بين الهواء والطعام المراد حفظه.
الايجابيات: لا استهلاك للطاقة الأحفورية، إمكانية بنائه سهلة ومتوفرة من إمكانيات محلية، صيانة منخفضة، نظامه البسيط يجعله قابلا للتنقل من مكان لآخر، وسهل التصنيع والاستخدام في الدول النامية ذات الحرارة المتوفرة.
السلبيات: صعوبة الرقابة على درجة التجفيف، يستغرق وقتاً طويلاً لتجفيف الطعام، يعتمد على الطقس، تتطلب بعض أنواع الطعام بعد التجفيف إلى الحاجة للترطيب قبل الاستهلاك، ويجب تخزينه بطريقه جيدة حتى لا يتلف.
التمليح
طريقة تستخدم لحفظ الأسماك واللحوم والأجبان والخضراوات، يحوّل الطعام الطازج إلى ألواح جامدة بعد تقليل الرطوبة وفق الخاصية الاسموزية، كما يعتبر الملح شبيهاً بالمواد الحافظة. يتم التجفيف من خلال وضع المواد في محلول ملحي أو رش الملح الجاف عليها.
الايجابيات
العملية لا تستلزم أكثر من ملح ما يجعل التكلفة قليلة جداً، عملية النجاح كبيرة، لا استهلاك للطاقة، تحسين طعم الطعام وفترة الصلاحية والوقت. لهذه الطريقة لا توجد سلبيات.
تعقيم المياه
لأهمية المياه في عملية الطهو، ولضرورة تعقيمها في حال لم يتوفر مصدر ماء نقي ونظيف، وحيث أن المياه الملوثة تسبب أضرارا صحية خطيرة، فإن الحل وفق برنامج المؤسسة في حال عدم توفر الوقود لغليها، يتمثل في وضع المياه المعبأة في قناني بلاستكية على الأرض أو على أسطح البيوت وتركها لتتعقم تحت قرص الشمس، هذه الطريقة تزيل 99% من البكتيريا الممرضة التي يقتلها الماء الساخن بفعل أشعة الشمس.
*تم ترجمة مواد المحاضرة من الإنجليزية إلى العربية، للمزيد من المعلومات وللتعرف على تكنولوجيات أخرى في الطهو وحفظ الطعام ، يمكن زيارة رابط المؤسسة
http://www.set4food.org/
*الصور التوضيحية من موقع برنامج Set4food