خاص بآفاق البيئة والتنمية
أراقب كل يوم أكثر من 20 دائرة أرصاد جوية ومواقع مختصة بأحوال الطقس، وهذا ما فعلته في الهزيع الأخير من تشرين أول الماضي. يومها توقفت عند ما نقلته المواقع الإلكترونية من أن ليل 25 تشرين الأول سيشهد "حالة عدم استقرار، ربما تكون قوية". وسيحدث هذا، وفق الأرصاد الجوية الرسمية "بسبب التقاء منخفض البحر الأحمر بهوائه الدافئ مع هواء بارد في طبقات الجو العليا قادم من شمال غرب أوروبا ويكون مركز المنخفض جزيرة قبرص."
سار صباح الأحد في جنين على نحو معتاد: الطقس حار كما في اليومين السابقين له، والسماء صافية، والرياح ساكنة، وفي ظرف قياسي قبل العاشرة صباحًا بقليل انقلبت الأجواء رأسًا على عقب: ظهرت غيوم داكنة ومتقطعة، وأخذ البرق يلمع في السماء، وجاوره هزيم الرعد، ثم أسودت السماء من الظلام، وبدأت رياح هوجاء عاتية ترافق عاصفة مطرية عنيفة، تزامنت مع سقوط البرد بحجم كبير وغير معتاد، ويبدو أن الأرصاد الجوية لم تتوقع هذا الحدث المتسارع.
كان الطقس مرعبًا، وتطايرت وسط الظلام النهاري بضاعة التجار من أرصفتها، واشتد صوت الرياح الشديد، وانقطع التيار الكهربائي، وشلت شبكة الهواتف المتنقلة، وأخذت الطيور في السماء تسير على غير هدى، وعاش الناس حالة رعب واندهاش، ورجع الفلاحون من حقول الزيتون بعد (حمام صباحي).
بضع دقائق كانت كفيلة بأن تُغرق الطرقات بمياه الأمطار، وتبتلع ما في وجهها من معروضات، وتكشف عورة ضعف بنيتا التحتية، وتقتلع أشجار، وتسقط شوارع أو تقفلها، وتداعت العديد من الأشجار، وعاد طلبة بعض المدارس باكرًا؛ لعدم جاهزية صفوفهم، أما البيوت البلاستيكية فتطاير جزء لا بأس به منها.
يُجمع مواطنون من أجيال مختلفة، أن هذا الحدث بهذه السرعة لم يتكرر في الخريف أو الشتاء، فخلاله هطل البرد بحجم كبير يشبه الحصى، وفي ظرف 30 دقيقة هطلت كمية 30 مليمترًا!
الدرس الذي نتعلمه من الإعصار الصغير هذا، كما أسماه البعض، أن نعيد لبنيتنا التحتية هيبتها، ولا نتعامل معها كعدو، وأن نلتفت إلى سياساتنا العشوائية في شق الطرق والسماح بالبناء في مجاري السيول والوديان، وإغماض عيوننا عن الزحف الأسود على الأراضي الزراعية.
وقد سبق لـ" آفاق" أن عالجت في العدد (51) خلال شباط 2013، مدى استعدادنا للعواصف والأمطار الغزيرة، وكان العنوان: "هل كشفت الأمطار الغزيرة والعواصف "عورة" بنيتنا التحتية؟"
ويبدو أن الإجابة وقتها واليوم أيضًا: نعم، بكل أسف "عورتنا" لم يسترها بعد قماش البنية التحتية المتين!
aabdkh@yahoo.com