خاص بآفاق البيئة والتنمية
41 سنة إلا بضعة أشهر دون سجائر. 21 سنة وعدة أشهر بلا شاي وقهوة ومشروبات غازية سوداء. 8 سنوات ونيف بعيدًا عن المرتديلا والنقانق. شهر وعدة أيام من العداء مع أي شيء يحوي السكر الصناعي.
هذه قرارات ذاتية، ودون احتياج طبي. الأمر ليس صعبًا وليس سهلاً، كل ما يحتاجه قرار وإرادة متماسكة، لا تتهاوى عند الإغراءات والألوان الجذابة. هاكم البداية: في الصف الأول الابتدائي، اشترى والدي طباخ غاز، وحينها قررت أن أجربه على طريقتي، فأحضرت أوراقًا وصنعتها مثل إسطوانة وكسيجارة ضخمة، ثم أشعلتها من الغاز الجديد، يومها كدت أن أحرق نفسي، لولا أن شاهدتني والدتي، ونهتني عن تصرفي.
أسوأ صديق!
منذ ذلك اليوم، قررت أن لا أدخل أي شيء إلى فمي يشبه السيجارة، وصرت أنتقد المدخنين، وأبتعد عن مجالسهم. وخلال سفري في المواصلات العامة، أطالب من يشعل سيجارة أن يُسكتها لحين الوصول. غالبًا ما تنشب حوارات ساخنة مع أنصار التبغ، لكن الأمر سرعان ما ينتهي، حين يتدخل السائق جزئياً.
ولعل المرة الأكثر نارية، حين دخلت في نقاش حاد مع فتاتين خلال سفرنا من الجسر صوب عمان. وقتها، طالبت الشابتين السائق بولاعة، فتدخلت وقلت: السيارة مكيفة، وأنا أتضايق من هذا. فردت إحداهن: نفتح النوافذ ونشعل سجائرنا. أجبت: وما فائدة فتح الشبابيك في هذا اليوم الصيفي الجهنمي ( درجة الحرارة فاقت الأربعين مئوية)؟ قلن: عادي، نُدخن، وهذا حقنا، ونحن راكبتان وأنت واحد، والحق لنا ونحن محاميتان أيضًا! قلت: ما دام الأمر كذلك، فأنا راكب دفعت 12 دينارًا مثلكن، والمركبة ليست خاصة بكن، وبوسعكن استئجار واحدة بمفردكن، كما أن التدخين بالقانون (موضوع دراستكن) ممنوع هنا..... تطوّر الجدال، وقالت إحداهن: "إذا مش عاجبك إنزل". أجبت: لن أنزل. فأجابت:" سنتهمك إن لم تسمح لنا بالتدخين بالاعتداء علينا..."!
طلبت من السائق أن يعود لشرطة جسر الشيخ حسين، ليبث كل منا شكواه، فرجع. تجادلنا أمام مدير النقطة الحدودية، وسـألني عن وجهتي، فقلت : أنا مسافر إلى دبي. فرد: ستتأخر إذا فتحنا قضية، وموقفك ضعيف لأنهن بنات، وقد تخسرها.
انتهى الحوار، وتخليت عن المركبة حرصًا على الوصول للمطار، وأخذت أخرى، وقررت أن لا أتنازل عن حقي في عدم استنشاق السجائر.
في بيتي لا أضع في صالة الضيوف منضادات للسجائر، ويعرف الزوار أنني أتضايق من هذا، وحين يزورني صديقي أحمد المغرم بالسجائر، يأخذ سمومه ويشعلها في الحديقة، ثم يعود.
سألته مرة: أيهما أنسب لك أن تجلس دون سجائر في جو دافئ، أم تكسب سيجارة وتأخذ جرعات برد شتوية. ضحك، وقال: ليتني أستطيع تركه.
أجبت: تستطيع إن قررت، فأخي مثلاً وقع في شر هذا الداء 15 سنة، ثم قرر تركه، ودخل في امتحان عسري، كان يضع علبة السجائر والولاعة في جيبه 6 أشهر، دون أن يقترب منهما. ثم انتقل لوضعهما في غرفة نومه ستة أشهر أخرى من غير أن يلامسهما، وهكذا نجح.
الحياة، وهي تقترب من الحادية والأربعين، جميلة جدًا بلا سجائر، ويكفي أنك لا تزعج غيرك برائحة غير لطيفة، وتوفر صحتك لأيام عجزك. فلا تلهث، ولا تسوّد رئتيك بشر التبغ.
شاي وقهوة
القرار الذاتي الثاني، كان في ربيع عام 1994، يومها كنت على مقاعد الثانوية العامة، وقررت أن أتوقف عن شرب الشاي والقهوة، واتجه للماء وللأعشاب الطبيعية، فهذا يكفي.
لم يكن القرار سهلاً، فقد اعتدت في النصف الأول من "التوجيهي" أن أسهر مع الشاي والقهوة، وكنت مغرمًا بصناعة شاي النعناع و"الزعيتمانة"، لكن شعرت أن المقاطعة أهم، فلا حاجة لمنبهات، ولم يعد الشاي بإغراء طيب المذاق، ولا داعي له.
من باب الطرفة، أجبت أحد السائلين، عن سر المقاطعة لثنائي الشاي والقهوة: "عندما نزرعهما في فلسطين، ونصبح مثل سيلان وكولومبيا، أعدك أن أعود إليهما.."
الإحراج الأكبر في مقاطعة مشروبين شعبيين يكمن في إحراج من تزورهم لأول مرة، فيأتوا لك بالشاي أو القهوة، ثم تخبرهم بأنك لا تشربهما، ثم يبدلون خيارًا بأحدهما، فيشعران بالحرج، وخاصة في فصل الصيف، حين لا تتوفر بدائل باردة غير الكولا السوداء. أردّ على المستضيفين: يكفي أن نشرب الماء، فـ"العدو الأسود" بالإشارة إلى الكولا، يكفي أن نرى نتائجه الجيدة في إزالة الصدأ والبقع. في العادة أعمم للأصدقاء رابط فيديوهات تشير لتداعيات المشروبات الغازية، وبخاصة الأسود منها، وكيف يتفاعل مع الحليب، أو ما الذي يحدث له حين يُغلى على النار.
لحوم تجارية غير معروف أصلها وفصلها تشرى من الأسواق المحلية
لحوم ليست بلحوم
عام 2007 أضفت لقائمة الممنوعات المرتديلا والنقانق، والأصعب في هذا الحظر، أطفالك الذين كان يستهويهم هذا اللون من الطعام. لعل التبرير الأقوى لهم ولغيرهم، أن تعرض فيديو يشير لطريقة إنتاج السلعتين. وإذا لم يقتنع الناظر، فتسأله عن ثمن كيلو الغرام الطازج من لحوم الدجاج أو الحبش أو اللحم البقري (الذي تدعي الشركات أنها مرتديلا تحمل هذه المكونات)، ثم تقارنه مع سعر المرتديلا.
خلال وجودي في مجمع تجاري فخم، سألتني موظفة المبيعات عن رغبتي بشراء 2 كيلو غرام من المرتديلا اللذيذة بثمن كيلو واحد، فقلت: بكم الكيلو؟ فقالت بـ 12 شيقلا للحبش..... أجبتها: الحبش اليوم بـ 22- 28 شيقلاً للكيلو الواحد، وعندكم بـ 12 شيقلاً، ماذا عن ثمن التصنيع، والتعليب، والتخزين، والتسويق، والترويج، وغيرها..... لم تعرف جوابًا، فذهبت وشأني.
نقلت، هذه المفاهيم، على مدار أربع سنوات لأطفال روضة طوباس الصديقة للبيئة، وهي الفكرة التي ترعاها جمعية طوباس الخيرية ومركز التعليم البيئي، وصار الصغار يستبدلون المرتديلا والنقانق ، ويحضرون الزعتر والجبن البلدي، والمربى المحلي الصنع، والعسل.
ولعل التحدي الأصعب، الذي بدأته منذ شهر وعدة أيام، حين قررت العزوف في أول أيام عيد الأضحى، حين تنتشر كل أصناف الحلوى والكعك والعصائر، عن كل شيء يدخل السكر الصناعي أو "العدو الأبيض" في تركيبته.
السموم البيضاء ...السكر الأبيض والملح الصناعي الأبيض
"العدو" الأبيض
"الحياة عسل بلا سكر" هذا شعار يمكن الترويج له، بعد هذه الفترة القصيرة من هجرة السكر الصناعي، والتعويض عنه بالطبيعي الذي ينتشر في الفاكهة. أن تُدخل إلى جسمك عصائر ملونة، ومشروبات غازية، وأصباغ، وحلوى مثقلة بالسكر، وشوكولاته تحفل بالسيد الأبيض، فهذا أمر غير جيد. التحدي أن تنأى عن السكر قبل أن يتسلل لك المرض. لديك قائمة خيارات طويلة حلوة المذاق، من غير أن يمسسها العدو الأبيض، الذي يترافق في الغالب مع الأصباغ والألوان والمواد الحافظة.
قبل أيام، عقدت مقارنة مع طبيب أسنان، بين أسنان أجدادنا وآبائنا ونحن وأطفالنا، ولكم أن تتفحصوا بأنفسكم الدمار الهائل الذي يصيب أسناننا، والتلف الذي يسيطر على أسنان أطفالنا بفضل عالم السكاكر الصناعي وما يتصل به من مسليات وشيبس وغيرها، في وقت يتمتع المعمرون في السن بأسنان متينة غالبًا.
aabdkh@yahoo.com