الأديب المصري يوسف إدريس
( مصارعة الثيران... لماذا ؟ )
لا بد أن تقتل الثيران بعض الرجال، وبغير أن تقتل الثيران بعض الرجال فلا لذة في المصارعة ولا متعة. أتصدق أن هؤلاء الناس الذين يجيئون من كل مكان إلى الأرينا ( حلبة المصارعة ) يأتون لكي يروا الرجل ذا السيف يقتل الثور الأعزل ؟ إنها كذبة كذبة. إنهم يأتون على أمل أن يقتل الثور المتوحش الرجل ذا السيف وحبذا لو حدث القتل أمامهم. إنهم لا يجاهرون برغبة كهذه لأنها تبدو شاذة كريهة غير لائقة بالرجل المتحضر ولكنها، وأقسم لك، الرغبة الكامنة في صدورهم. عرّهم من ملابسهم ونفاقهم وتظاهرهم لتجدها ملتوية على نفسها كالثعبان هناك. نحن نعرف هذا والبنوك والحكومة والدولة والكنيسة تعرف هذا، تعرف أن كذا رجلا سيقتلون في هذا الموسم وكذا ثورا، وأن كذا ثورا ستقتل على وجه التقريب كذا رجلا.
( رجال وثيران )
( الإنسان والنبات )
خلع ملابسه بسرعة، ووقف في وسط الحجرة عاريا كما ولدته أمه، وبدا جسمه جافا ناشقا ليس فيه درهم واحد من اللحم - ويبدو أن الإنسان كالنبات، يولد بذرة ويظل ينمو وتخضر أوراقه، ثم يزدهر في شبابه وتتفتح وروده، ثم ينضج وتتكون له الثمار في الرجولة، وبعدما يخلف ويؤدي رسالته في الحياة ويصبح عجوزا يحدث له ما يحدث للبنات بعد قطف ثماره، فيجف وتبرز عظامه ويتناقص لحمه، حتى ينتهي إلى شيء كعود القطن الجاف بعد جمعه...
( حادثة شرف )
( أحمد المجلس البلدي )
أهم شيء في أحمد العقلة أنه لم يكن يطيق الأعوج ولا يصلحه. إذا رأى أن الكوبري الذي يصل ما بين البلدة والمحطة مهدد بالانهيار، فسرعان ما تجده قد خلع جلبابه وأدار عكازه كالسيف الطائح ي كل اتجاه، وأحضر أخشابا وإسمنتا وحجرا، لا تدري من أين، وأصلح الكوبري. وإذا وجد كومة تراب تسد الطريق وتعاكس مرور العربات الداخلة إلى البلدة والخارجة منها، فستجده حالا قد استعار فأسا من دارٍ قريبة، ونزل في التل خبطا وعزقا حتى سوّاه، ( أما ) كيف يستعمل الفأس وهو يرتكز على عكاز فمسألة أخرى. وإذا خربت طلمية الجامع يضيق بمحاولات عم باز القاتلة البطء لجمع ثمن إصلاحها من المصلين، وستجده حقا هو الذي لا يصلي ويتخلص بمهارة من المحاولات التي تبذل لحمله على الصلاة – ستجده قابعا بجوارها يدق " قلبها " ثم يستمع، وأحيانا لا تفعل محاولاته أكثر من أن تزيد فسادها فساداً، ولكنه في أحيان يظل يقاوح حتى يصلحها.
( أحمد المجلس البلدي )
( روعة الحياة )
أنا سعيد جدا بالقدوم إلى هنا. أتعرف لماذا ؟ لقد وجدت كل شيء هنا يستيقظ وينمو.. حتى نيلكم يفيق ويحاول أن يختزن ماءه المبعثر. أتعلم لماذا نحن فقراء؟ لأننا نائمون... في بلدي حيث عملت فلاحا لفترة طويلة كنت أحب جدا أن أرى الزرع.. الزرع الصغير الأخضر وسيقانه النامية تدفع عن نفسها التربة، وتبدو فوق سطح الأرض. أحب جدا أن أرى العجل الصغير وهو لا يستطيع الوقوف على سيقانه ساعة الولادة ثم حين يستطيع بعد هذا الوقوف والجري، ثم وهو يكبر ويكثر شحمه. وأنا أحب أن أرى الشمس وهي تشرق... لا بد أن منظر الشمس وهي تشرق في مصر رائع، أتعلم ماهو أجمل شيء في الدنيا ؟ الحياة. أتعلم ما هي الحياة ؟ النمو.
( أليس كذلك ؟ )
( تغير المناخ )
بعد خطوات كنا على البلاج... كانت الدنيا شتاء والشمس صفراء تسقط إشعاعاتها المريضة على الرمل فيبدو مجرد لون أنيمي شاحب. جو تتوقع أن يكون البلاج معه فارغا، غير أنك تفاجأ به عامرا مزدحما وكأننا في أغسطس.. الناس مكدسون على الرمال بالأكوام، والباعة ينادون على جيلاتي ( بوظة ) طوبة... وسحلب بئونة بد ندرمة أغسطس. ولو أغلقت العين لحسبته مجرد خطأ في ورقة التنيجة ( = التقويم السنوي أو الروزنامة) فأصوات الصيف هي هي، حتى ذلك الإحساس الخاص بالصيف... ذلك الذي تحس وكأن الحياة به أكثر حلاوة كان موجودا.. إذا غضب الله على قوم أمطرهم صيفا، فماذا يكون موقفه تجاههم إذا جعلهم يصيفون في الشتاء ؟ من الممتع أن تشحذ عواطفنا مشاكل الظواهر الكونية، فحين أسخط على الدنيا تهطل الأمطار، وحين أحظى برضاء حبيبي تشقشق في الكون ملايين من عصافير الكناريا، وإذا كرهت جاري أطبق على المدينة ضباباً، حتى لا تكاد ترى وأنت واقف على بابك – باب جارك.
( النداهة : معجزة العصر )
( جذب من نوع خاص )
جذب من جذب ذلك الكون الشاسع القادر على تعليق كوكبنا، بل شمسنا وملايين غيرها.. في فراغه المخيف بلا شيء سوى جذب التجاذب وجذب التنافر. جذب لا يدري للآن أحد سره.. ذلك الذي يجذب المرأة إلى رجل بالذات لتستعمله كوسيلة تحصل بها على نسخة من صنعها هي لهذا الرجل، على ابن ما أروعه لوجاء تماما كأبيه لتستميت في حبه. وحبذا لو أبيح لها أن تختار هذا الابن نفسه لينتج لها ومن ذات نفسها أيضا ابنا آخر.... أكثر قربا لما تريد وتهفو.
( النداهة : دستوريا سيدة )