خاص بآفاق البيئة والتنمية
تقع مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية على بُعد 36 كم جنوب مدينة القدس، على هضبة ترتفع 940 متراً عن سطح البحر، ويحدها من الجهة الشمالية مدينة بيت لحم، ومن الجهة الجنوبية مدينة بئر السبع، ومن الجهة الشرقية أريحا والأغوار ومن الجهة الغربية غزة وقراها المهجرة عام 1948 وموقعها المميز جعلها مركزاً للتجارة منذ القدم.
تاريخ الأجداد الحافل وعبق الماضي جعل مدينة الخليل من أقدم مدن العالم حيث يعود تاريخها إلى 5500 عام، نزلها سيدنا إبراهيم عليه السلام قبل 3800 عام، وسميت بالخليل نسبة إليه "خليل الرحمن"، وتضم رفاته ورفاة زوجته سارة، وعائلته من بعده إسحق ويعقوب ويوسف ولوط ويونس.
تعد مدينة الخليل ثاني المدن المقدسة في فلسطين لدى المسلمين، بناها العرب الكنعانيون وأطلقوا عليها اسم "قرية أربع" نسبة إلى بانيها "أربع" وهو أبو عَناق أعظم العناقيين، وكانوا يوصفون بالجبابرة.
مدينة الخليل تحتوي على الكثير من الأماكن السياحية والأثرية والدينية وأهمها رامة الخليل أو منطقة حرم الرامة وبركة السلطان والتكية الإبراهيمية والحرم الإبراهيمي الشريف وبلوطة سيدنا إبراهيم، وسنتحدث في هذا التقرير عن بعض الأماكن.
رامة الخليل " بئر حرم الرامة"
على بعد ثلاثة كيلو مترات شمال مركز مدينة الخليل، يقع معلم أثري فلسطيني من أقدم المواقع التاريخية وهو بئر حرم الرامة الذي يتكون من سوق وبئر ومعبد اجتمعت في مكان أثري واحد. هذا المكان الأثري يمتد عمره لأكثر من أربعة آلاف عام، وهو مرتبط بشكل أساسي بقدوم النبي إبراهيم عليه السلام وإقامته في الخليل وارتبط موقعه بأحداث تاريخية هامة كونه يعتبر مركزاً وشاهداً على تنوع الأديان في هذا المكان الى جانب مركزيته التجارية خلال العصر الروماني.
مدير عام وزارة السياحة والآثار في مدينة الخليل أحمد الرجوب يقول هذا الموقع لم يكن مكتشفاً حتى عام 1954م، حيث تم الكشف عنه بعد حملة التنقيب التي قام بها الألمان بعد ذلك، لتظهر بقايا تاريخ هذا المكان، وبني في الفترة الرومانية بحجارة ضخمة وذلك لأنه يحتوي على سوق ومعبد وبئر.
ويضيف الرجوب بأن الآثار المتبقية في هذا المكان نبع ماء وقنوات استخدمت لتصريف المياه قديماً بالإضافة لأحواض حجرية استخدمت لسقي المواشي والحيوانات وبعض الحفر لحفظ الأطعمة.
تقول مسؤولة موقع حرم الرامة نادية درة الشيخ ابراهيم، بأن منطقة حرم الرامة ثاني أهم موقع في مدينة الخليل، ويحتوي على بئر حرم الرامة الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من الموقع وهو نبع ماء شيد فوقه بئر يبلغ عمقه خمسة أمتار ونصف تقريباً وقطره حوالي ثلاثة أمتار.
تضيف نادية الشيخ دره بأن منطقة حرم الرامة تحتوي على بقايا كنيسة بئر حرم الرامة الموجودة على خارطة مأدبا الأثرية، ويأتيها السياح من كل مكان في العالم.
أحمد الرجوب مدير السياحة والآثار في الخليل، يشير إلى أن الكنيسة بنيت في الفترة البيزنطية عندما زارت الملكة هيلانا أم الإمبراطور البيزنطي وطلبت من قسطنطين بناء كنيسة في هذا المكان لارتباطه بإقامة سيدنا عيسى وإبراهيم عليهما السلام هناك.
ويقول الرجوب بأن بعض الروايات تناقلت أن سيدنا عيسى عليه السلام عندما ذهب إلى مصر استراح في هذا المكان. وتعد هذه الكنيسة الرابعة في فلسطين من حيث قدسيتها وأهميتها الدينية لدى المسيحيين.
عند التجول في منطقة بئر حرم الرامة التي تزيد مساحتها عن ثلاثة دونمات، التقينا بالسيد عماد دودين الذي يعمل في علم الآثار، حيث أشار إلى أن الجزء الشرقي بني من الجير، وهذه الكنيسة بنيت بشكل "بازيلكي" وأمامها ساحة تابعة لها وقد تعرضت في فترات لاحقة للهدم من قبل الفرس وبقيت أثارها حتى اليوم.
منطقة بئر حرم الرامة على صغر مساحتها الا انها طوال عقود مضت كانت شاهداً على التعايش والتنوع بين كافة الأديان السماوية الثلاثة، قبل أن تطأها قدم المحتل وتزعزع هذا الاستقرار وتزرع بين حواريها الموت والدمار.
الآثار التاريخية في حرم الرامة في الخليل
بركة السلطان
البلدة القديمة فيمدينة الخليل تعيش حالة من التحدي والصراع على الهوية، حكايتنا اليوم من بركة السلطان كواجهة للتحدي مع المحتل.
بركة السلطان معلم أثري تراثي يتوسط قلب البلدة القديمة جنوب المسجد الإبراهيمي، تحيط به حواري المدينة التاريخية، بناها السلطان المملوكي سيف الدين قلاوون حيث بنيت من الحجارة المصقولة، وقد اتخذت شكلاً مربعاً بلغ طول كل ضلع منه أربعين متراً، ويبلغ عمقها نحو خمسة وعشرين متراً، لذلك عرفت منذ ذلك اليوم ببركة السلطان.
أحمد رجوب مدير السياحة والآثار في مدينة الخليل يقول بأن بركة السلطان هي من أكبر المنشآت المائية الموجودة في البلدة القديمة في مدينة الخليل، بنيت في الفترة المملوكية عام 1283 ميلادي، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى السلطان المملوكي سيف الدين قلاوون.
ويضيف الرجوب بأن مساحة البركة تقدر بدونم ونصف، وهناك أكثر من عشر عيون في مدينة الخليل تم جر مياها لتزويد بركة السلطان، والهدف منها تزويد الحرم الإبراهيمي وسكان الخليل والحجاج الذي كانوا يتوافدون إليها بالمياه.
سيطرت إسرائيل على الكثير من المعالم التراثية والأماكن التاريخية في المدينة، وكانت بركة السلطان من بين الأماكن التي أصبحت تحت سيطرتها وحولتها إلى مكب للنفايات ومستنقع للمياه العادمة القادمة من الحي الإستيطاني ومنعت ترميمها.
وعند التجول في مدينة الخليل لم نستطع الوصول الى بركة السلطان بسبب منعنا من قبل جنود الإحتلال المتمركزين على مداخل هذا المعلم الأثري، والتقينا بأحد المواطنين الذي يسكن في البلدة القديمة، حيث يقول أحمد الدويك بأنه يشاهد بركة السلطان عن بعد ولكنه لا يستطيع الاقتراب منها بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي وصول أي مواطن للمكان، حيث تم إعلانها قبل عدة أعوام بأنها منطقة عسكرية مغلقة.
عماد حمدان مدير عام لجنة الإعمار في مدينة الخليل يقول بأن بركة السلطان موجودة في قلب البلدة القديمة ويشهد لها التاريخ بأنها معلم أثري مائي مهم جداً، وكان لها الفضل في تزويد الكثير من البيوت في البلدة القديمة بالمياه.
ويضيف حمدان بأن بركة السلطان تقع في منطقة السهلة وهي امتداد لشارع الشهداء أي المنطقة التي عزلها الإسرائيليون بهدف عمل طريق موصل بين المستوطنات والحرم الإبراهيمي، وبحكم موقعها لا تستطيع لجنة الإعمار الوصول إليها والعمل بها، رغم محاولة لجنة الإعمار مراراً وتكراراً ترميم هذا المعلم الأثري إلا أنهم قوبلوا بالرفض المطلق.
بركة السلطان معلم أثري غابت شمسه وباتت منطقة عسكرية مغلقة مطوقة بالحواجز والأبراج العسكرية الإسرائيلية وأصبح محظوراً على الفلسطيني صاحب الحق في المكان من الاقتراب والوصول والتعرف على التاريخ الذي ينبض بالحق والحقيقة التي لن يطمسها المحتل بسياساته العنجهية ونفاياته التي تزكم النفوس في هذا المكان.
حرم الرامة ويتكون من سوق وبئر وبقايا كنيسة
التكية الابراهيمية "تكية سيدنا ابراهيم"
منذ مئات السنين ومازالت طوابير من الفقراء والمساكين تصطف أمام التكية الإبراهيمية الواقعة بجوار الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل لتقدم لهم الطعام، حيث بدأ العمل بالتكية منذ عام 1279 للميلاد حين أنشأها السلطان قالون الصالحي في زمن صلاح الدين الأيوبي مطلقاً عليها اسم الرباط، وارتبطت التكية بسيدنا إبراهيم عليه السلام الذي عرف بأبي الضيفان لكثرة كرمه وجوده، فباتت الخليل تعرف بالمدينة التي لا يعرف أهلها الجوع لوجود التكية الإبراهيمية فيها.
للحديث عن تاريخ التكية والتسمية يقول مدير الارشاد الديني في محافظة الخليل محمد الدويك بأن التكية أنشئت قبل سبعة قرون في زمن صلاح الدين الأيوبي، حيث عرفت مدينة الخليل بالمدينة التي لا ينام فيها جائع، وبداية التسمية كانت الرباط وذلك نسبة الى النزل، أي الاشخاص الذين كانوا يأتون إلى المسجد الإبراهيمي، وسميت بعد ذلك بالتكية أو الطبلانية لأن العاملين فيها كانوا يدقون الطبول إيذاناً بانتهاء عملية الطهي وبدء توزيع الطعام حيث كان توزع الدشيشية وهي القمح المجروش على الفقراء.
يضيف الدويك بأن التكية عطاءها متواصل حتى اليوم، حيث يستفيد أربعة آلاف شخص من التكية أي ما يعادل 1500 الى 2000 عائلة خاصة من عائلات البلدة القديمة في الخليل، وهي تقدم الوجبات الساخنة على مدار العام ولا تغلق أبوابها سوى أيام العيد، حيث تقدم القمح المجروش طيلة أيام العام بإستثناء يومي الاثنين والجمعة من كل أسبوع، وتقدم أحياناً وجبات تحتوي على اللحم أو الدجاج، أما في شهر رمضان فتوزع اللحوم والدجاج بشكل يومي.
أما القائمين على التكية، فهم موظفون في وزارة الأوقاف يباشرون عملهم منذ ساعات الفجر الأولى حيث تبدأ عملية الطهي عند الساعة الرابعة فجراً وذلك ليتم تجهيز الوجبات وتوزيعها في وقت مبكر.
ويضيف الخطيب بأن مصادر التمويل من المتبرعين وفاعلي الخير الذين يعملون على دعم التكية تكون بشكل متواصل، لا سيما في شهر رمضان المبارك وطيلة أيام السنة.
وعند التجول داخل أقسام التكية، التقينا بعددٍ من المواطنين الذين قدموا ليس للحصول على الطعام فقط، بل لأن الشوربة التي يتم توزيعها يعتقد البعض بأنها مباركة وسبباً لشفاء المرضى لأنها مرتبطة بإسم سيدنا إبراهيم عليه السلام.
مدخل التكية والحرم الإبراهيمي في الخليل
التكية الإبراهيمية تبقى رمزاً للتكافل الاجتماعي وزاداً لا ينضب في مدينة لا تعرف الجوع، مدينة أبي الضيفان سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي عرف بالكرم والجود وفي نفس الوقت معلم تراثي حضاري يتغنى به الأجداد والآباء وزوار مدينة الخليل عبر التاريخ.
 |
منطقة التكية الإبراهيمية والحرم الإبراهيمي في الخليل |
 |
منطقة حرم الرامة في الخليل |
 |
منطقة حرم الرامة |