ما العلاقة بين ارتفاع درجات حرارة الأرض وتفاقم العنف الأسري والجرائم العنيفة وعمليات القتل ووحشية عناصر الأمن والشرطة؟
عناصر الميليشيا المسلحة المعارضة في قطاع دارفور بالسودان عام 2011
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أثار البحث الذي نشر مؤخرا في المجلة العلمية العالمية "Science" حول العلاقة بين الاحترار العالمي (الاحتباس الحراري) وبين ارتفاع عدد المواجهات العنيفة في مناطق مختلفة- أثار ضجة إعلامية وعناوين مثيرة في العديد من وسائل الإعلام العالمية المرموقة؛ وذلك رغم أن الحديث يدور عن مجال بحثي مثير للجدل. فإلى جانب العلماء الذين يقولون بأن العلاقة واضحة، يوجد آخرون يشيرون إلى معطيات تبين بأن الصورة قد تكون معكوسة.
"أَطْلَنْتيك"، المجلة الأسبوعية المعروفة كتبت عنوانا رئيسيا يقول: "الطقس الساخن يولد لدينا رغبة أكبر في أن نقتل بعضنا بعضا". أما الإذاعة البريطانية (BBC) فكان عنوانها الرئيسي: "تصاعد وتيرة العنف مرتبط بتغير المناخ". وبدوره كتب موقع "واشنطن بوست": "الاحترار العالمي يزيد بشكل كبير نسبة الجريمة والنزاعات الأخرى".
يعزز البحث والعناوين آنفة الذكر الاعتقاد السائد بأن لتغير المناخ عواقب وخيمة ليس فقط على البيئة، بل أيضا على الأفراد القاطنين فيها. ويقول العديد من الباحثين بأنه كلما تقلصت الموارد كلما ازداد عدد النزاعات العنيفة في العالم. ولأول وهلة تبدو هذه الفرضية صحيحة؛ لكن، في العقدين الأخيرين، دأب العلماء على مناقشة فيما إذا الاحترار العالمي يجعل المواجهات العنيفة أكثر شيوعا بشكل أكيد.
ونظرا للخلاف السائد حول هذه المسألة، وعلى ضوء عدم وجود توافق واسع حول استنتاج واحد، فقد تم إيلاء البحث المنشور في مجلة "Science" اهتماما خاصا. واللافت أن طاقما علميا برئاسة الباحث "سولومون هَسْيَنغ" من جامعة بيركلي عمل على تحليل ستين بحثا في حقول مختلفة، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن التغيرات المناخية تزيد بشكل واضح من خطر اندلاع الصراعات العنيفة. وبحسب أولئك العلماء، فإن ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 2-4 درجات مئوية بحلول عام 2050، كما يتنبأ علماء المناخ، قد يؤدي إلى زيادة عدد المواجهات المسلحة في بعض مناطق العالم بنحو 50٪. البحث الذي نشر في أوائل آب الماضي في جريد "دير شبيغل" الألمانية يقول بأن جميع مناطق العالم ستتأثر من هكذا تغير. ويستند هذا التوقع، جزئيا، على معطيات مثل القفزات الفجائية في العنف الأسري بالهند وأستراليا، وزيادة الجرائم العنيفة وعمليات القتل في الولايات المتحدة وتنزانيا، والاضطرابات العرقية في أوروبا وجنوب آسيا، والصراعات حول الأراضي في البرازيل، ووحشية الشرطة في هولندا، بل وسقوط إمبراطورية المايا في أميركا الوسطى. ويعتبر الباحثون أن مثل هذه الأمثلة تشكل قرائن تعزز نظريتهم؛ كما أن هذه أول دراسة من نوعها بهذا النطاق، إذ لم تقم أية جهة قبل ذلك بتحليل هذا الكم الكبير من المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.
ومع ذلك، رد خبراء آخرون على الثقة الزائدة لمعدي البحث. وبنفس القدر من الحزم اتهموا "هَسْيَنغ" وطاقمه باستخدام أساليب إحصائية مهزوزة، وباعتماد استنتاجات مشكوك بها، وباختيار معلومات متحيزة.
"يورغان شبيرن" المحاضر في جامعة هَمْبورغ وأخصائي المخاطر الأمنية الناتجة عن التغيرات المناخية، هو أحد ناقدي الدراسة الأخيرة. في عام 2012 أعد "شبيرن" مع آخرين بحثا في هذا المجال، نشر ملخصه أيضا في مجلة "Science". وقد حلل طاقم الباحثين 27 بحثا؛ فوجدوا أن 16 من تلك الأبحاث تؤكد على العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وبين احتمالات اندلاع مواجهات مسلحة. إلا أن 11 بحثا أشار إلى أنه رغم صحة النتيجة الأخيرة في بعض الحالات؛ فالوضع معكوس تماماً في بعض الحالات الأخرى، بل قد لا يكون للتغير المناخي أي تأثير على حالة المواجهات. ويدعي "شبيرن" بأن "هَسْيَنغ" وطاقمه "لم يتطرقوا إلى ثمانية أبحاث من بين هذه الأبحاث الأحد عشر". وأضاف بأنه "عندما يتم تقليص قاعدة البيانات بهذه الطريقة، فالنتيجة تكون صورة جزئية عن الحالة المبحوثة".
انتقادات أخرى ضد هذا البحث نشرت في ذات المجلة العلمية؛ ففي مقالة ألحقت بالبحث المنشور في مجلة "Science" ذكر الاقتصادي النرويجي "هلفارد بوهَوْغ" أن الباحثين تجاهلوا بعض المعلومات. والأمر المقلق، بحسب "بوهَوْغ"، أن الباحثين استندوا إلى المعلومات التي تنبأت تحديدا بالتأثيرات الأكثر قوة (للتغيرات المناخية على السلوك البشري الفردي أو الجماعي). وقد أعد "بوهَوْغ" نفسه دراسة حول هذه المسألة، تناقضت مع استنتاجات "هَسْيَنغ" ولم تدرج في بحث الأخير.
وبدوره، انضم "يوخام ميروتسكا" مدير معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية في هامبورغ إلى النقاد، وأشار إلى أن الباحثين الأميركيين تجاهلوا التفسيرات الأخرى لتفاقم العنف، وبالتالي بالغوا في إبراز قوة التفسير الذي يربط المناخ بالتغيرات السلوكية. وبصفة عامة، قال "ميروتسكا"، بأنه متشكك بشأن سلامة النتائج.
"ريتشارد طول" الخبير الاقتصادي في جامعة ساكس البريطانية، عبر أيضا عن نقده لدراسة فريق "هَسْيَنغ"؛ إذ قال بأن الأخير تجاهل الاختلاف الكبير بين المناخ والطقس. وأشار إلى أن أبحاث سابقة قالت بأن موجات الحرارة تجعل الناس أكثر عدوانية. ومع ذلك، بحسب "طول"، يرتبط هذا الواقع بأحوال الطقس المحددة، بينما يتم قياس تغير المناخ على مدى عقود.
معدو الدراسة ردوا على الانتقادات الحادة بنفس القدر من التشدد. وقالوا بأنه من الجائز أن المجتمعات البشرية قد تتعامل في المستقبل بشكل أفضل مع التغيرات البيئية. ومع ذلك، "يبدو أنه من الغطرسة الافتراض بأن هذه المرة ستجرى الأمور بشكل مختلف". ونفى طاقم الباحثين بأنهم خلطوا بين الطقس والمناخ، واعتبروا أن العكس هو الصحيح؛ فقالوا بأن تحليلهم أظهر كيف أن للتغيرات قصيرة وطويلة الأمد في درجات الحرارة تأثير مماثل على تواتر اندلاع الصراعات. وبحسب فريق جامعة بيركلي فإن الادعاءات القائلة بتشويه المعلومات خاطئة هي أيضا، لأنهم اعتمدوا معايير صارمة في اختيارهم للدراسات؛ ووفقا لذلك، لم يتم إدراج العديد من الدراسات المؤيدة للعلاقة بين ارتفاع الحرارة وزيادة منسوب العنف.