ارتفاع بطئ في منسوب تدفق مياه بحر شمال غزة إلى اليابسة
د.أحمد صالح صافي / غزة
تتزايد بشكل مطرد ثقة العلماء في حقيقة التغيرات المناخية الناتجة عن انبعاثات الغازات الحرارية أو ما يسمى غازات الدفيئة وهي بشكل أساسي غازات ثاني أكسيد الكربون، بخار الماء، الميثان وأكسيد النيتروز. وظيفة هذه الغازات تكمن في منع عودة بعض أشعة الشمس المنعكسة من الأرض إلى خارج الغلاف الجوي وهي السبب في كون درجة حرارة الأرض مناسبة للحياة. لكن الثورة الصناعية التي بدأت مع نهاية القرن الثامن عشر أدت إلى التزايد المضطرد في انتاج هذه الغازات ومن ثم ازدياد تركيزها في طبقات الجو، ما أدى الى ارتفاع متسارع في درجة حرارة الأرض بشكل غير مسبوق في التاريخ الجيولوجي.
كنتاج لعملية التغير المناخي ازدادت درجة حرارة الأرض بحوالي 0.8 درجة مئوية في القرن العشرين وحده وهي مرشحة للازدياد بحد أدنى 1.1 درجة مئوية اضافية خلال هذا القرن. هنا لا بد من الإشارة إلى أن ازدياد درجات الحرارة يحدث بمستويات تختلف حسب المنطقة حيث تزداد درجات الحرارة بأكثر قدر في المناطق القطبية في حين تكون التغيرات في أقل صورها عند خط الاستواء.
تتفاعل التغيرات في درجة الحرارة مع المكونات الأخرى للمناخ لينتج حزمة من المخاطر والآثار التي تختلف من مكان لمكان. فمثلاً بعض الأماكن ستصاب بانخفاض الأمطار والجفاف والبعض الاخر بازدياد الأمطار والفيضانات. كما أن ارتفاع درجات حرارة القطبين يؤدي الى ذوبان الجليد الذي يسبب بدوره ارتفاعاً مستمراً بمستوى سطح البحر، مما يهدد المناطق الساحلية خصوصا المنخفضة منها كبنغلادش والكثير من الجزر الاستوائية.
وتمتد الاثار السلبية للتغير المناخي على فلسطين لتشمل مناحي عدة. فمن جهة سترتفع درجة الحرارة في كل المواسم خصوصا درجة الحرارة الصغرى. يؤدي ذلك إلى ازدياد امكانيات حدوث الموجات الحرارية وهي ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير عن حدودها المعروفة في موسم الصيف. اضافة الى ذلك فإن هذا الارتفاع سيزيد من معدلات التبخر والنتح. كما أن التغير المناخي يؤدي الى انخفاض مستويات هطول الأمطار بشكل ينبئ بازدياد تكرار حدوث نوبات الجفاف وتزايد قسوة ومدة هذه النوبات. أضف إلى ذلك أن التغير المناخي في فلسطين سيؤدي الى ازدياد نوبات المطر الغزير على حساب النوبات ذات الغزارة المعتدلة.
الجفاف وقلة مصادر المياه في فلسطين
بالتمحيص في الآثار السابقة للتغير المناخي نجد أن فلسطين ستكون عرضة للازدياد في وتيرة وقسوة العديد من المخاطر الطبيعية. أهم هذه المخاطر هو الجفاف وقلة مصادر المياه حيث ستؤدي قلة الأمطار وميلها للغزارة إن حدثت إلى ازدياد العجز المائي، ما يقلل من فرص الاستفادة من الأمطار عند حدوثها لتغذية الخزان الجوفي. كما أن ارتفاع درجات الحرارة وازدياد معدلات البخر والنتح سيؤدي إلى ازدياد الحاجة لري النباتات والطلب على المياه مما يعني ازدياد الضغط على هذا المصدر الشحيح أصلاً.
وفي قطاع غزة سيكون الأمر أكثر سوءًا حيث المياه أكثر شحاً من باقي المناطق ولكن ارتفاع الطلب على المياه وتضاعف العجز المائي سيسرّع عملية دخول مياه البحر إلى الخزان الجوفي وينبئ بتدهور جودة المياه في غزة بشكل أسرع بكثير مما هو متوقع. كذلك لا بد من الإشارة من أن ارتفاع عدد مرات حدوث نوبات المطر الغزير، يزيد من فرص حدوث الفيضانات خصوصاً في المدن المزدحمة ذات شبكات تصريف مياه الأمطار المتواضعة.
أمّا عن نوبات الحر فهي خطرة خصوصاً على صحة وسلامة المرضى وكبار السن والأطفال خصوصاً عندما يتزامن حدوثها مع ضعف التيار الكهربائي وانقطاعه لساعات طويلة كما هو الحال في قطاع غزة.
كبح جماح غازات الدفيئة
يحاول المجتمع الدولي بقيادة الاتحاد الأوروبي العمل على كبح جماح الإنتاج المتسارع لغازات الدفيئة، وذلك لتحجيم مشكلة التغير المناخي وتلافي آثارها الأصعب في حال الاستمرار في العمل بنفس المنطق الحالي فيما يتعلق بالصناعة الغير كفؤة بيئياً، والاستخدام الزائد للسيارات والطائرات لنقل البضائع والأفراد. لكن، عدم تعاون الولايات المتحدة الأمريكية المسؤول الأول عن ظاهرة التغير المناخي والمنتج الأول لغازات الدفيئة حتى عام 2012 أذهب هذه الجهود سدىً على الأقل الآن وفي المستقبل المنظور. هذا يعني أن على الدول التعامل مع نتائج التغير المناخي كلٌ في حدود دولته وذلك فيما يسمى التكيف مع التغيرات المناخية. فعلى الرغم من عدم قدرة هذه الاستراتيجية على حلّ مشكلة التغير المناخي بشكل جذري فإنها أصبحت الحل الذي لا بد منه لمواجهة المخاطر التي تتجلى يوماً بعد يوم في كل أنحاء العالم.
من هنا فإن فلسطين ليست استثناءً على الرغم من مساهمتها التي لا تكاد تذكر في صناعة المشكلة وعلى الرغم من كونها الدولة الوحيدة في العالم التي لا زالت تحت الاحتلال، وعلى الرغم من الانقسام الذي يقسم ظهر ما تبقى من وطن. فعلى الجميع البدء فوراٌ في التخطيط لعملية التكيف قبل أن تصبح المشكلات غير قابلة للاحتواء.
وتحتاج عملية التكيف أولاً إلى دراسة معمقة وحجمية لآثار التغير المناخي في فلسطين مع مراعاة الاختلافات بين المناطق الجغرافية المختلفة. بعد ذلك لا بد من دراسة التباين في الهشاشة ما بين القطاعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة فيما يتعلق بهذه الآثار. بعد ذلك يبدأ النقاش المجتمعي في نوعية السياسات، القوانين، التكنولوجيا والتدخلات اللازمة إما للتقليل من آثار التغيرات المناخية نفسها أو تقليل الهشاشة لهذه الآثار. هذا الجهد لا بد أن يشمل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والبحثية والتعليمية والجماهير كأفراد وتجمعات بشكل يعزز المشاركة المجتمعية والوعي البيئي. كما أنه يمكن الاستفادة على سبيل التمويل من صناديق متفرعة من اتفاق كيوتو، كصندوق الأمانة وصندوق التغير المناخي الخاص وصندوق الدول الأقل تنميةً والمدارة من قبل مرفق البيئة العالمي.