خاص بآفاق البيئة والتنمية
تضع مسؤولة المحور التعليمي في النادي العلمي بمدرسة بنات طوباس الثانوية نسرين دراغمة لمسات نهائية على أرشيف العام الدراسي، الذي وصل خط النهاية الشهر الفائت. وتعيد ترتيب أدوات وتصاميم وتجارب وأبحاث علمية أجرتها الطالبات وتلخص إنجازات العام السابق.
تقول: نفذنا أهداف العام السابق، ووضعنا خطة العام الجديد، وسنؤسس مركز بحث علمي، وسنطلق مشروع تسخين الماء في خزانات المدرسة، باستخدام عدسات محدبة لامة؛ استغلالًا للطاقة الشمسية، ولنروج للطاقة النظيفة، وسنطور مكتبة بلدية طوباس، وسنفتح باب التعاون مع أندية مماثلة في المنطقة، ونبحث عن توأمة مع مدارس خارج الوطن، وسنعلن عن مشروع تصنيع الكمبوست من المدرسة وإعادة توزيعه على أزهارها.
تطبيقات خضراء
تتنافس داخل الغرفة الصغيرة عشرات النماذج المنجزة خلال سنة 2014، ففي الركن الأيسر ابتكرت الطالبات سلة من عبوات بلاستيكية، كتطبيق عملي على التدوير. وفي الزاوية المقابلة، يعبر نموذج تدوير ثان من البلاستيك عن نفسه، وهو عمل جمعته الطالبات من عبوات الكلور الفارغة، وأعدن تصنيعه في مصنع محلي بنابلس، وتخلصن من خطر مادة "بولي إيثلين" الضارة. وليس ببعيد يتواجد نموذج تدوير للبطاريات الجافة. أما على الجدران، فجرى عرض نماذج فنية صنعت من أقراص مدمجة تالفة.
وترى مديرة المدرسة نائلة مدارسي أن النادي العلمي سلط الضوء على الكثير من القضايا البيئية، ونفذ هذه السنة أنشطة واكبت ذبابة أريحا، والطاقة النظيفة، والمياه، وأعاد تدوير مواد بلاستيكية جمعتها الطالبات وصرن يستعملنها في المدرسة ومرافقها، بجوار إطلاق أنشطة حول عصفور الشمس) الطائر الوطني لفلسطين)، وقضايا بيئية عديدة كاستغلال أسطح المدرسة للزراعة المائية.
وتضيف أن النادي يمنح الطالبات متسعًا من الانخراط في أنشطة المجتمع، والمساهمة في علاج التحديات، والتخصص والتعمق في قضايا بيئية.
وتلخص مدارسي رسالة النادي الهادفة إلى توفير بيئة علمية لتفعيل مهارات الطالبات العلمية لتطوير قدراتهن، ولحل التحديات البيئية التي تواجه مجتمعاتهن، وهو ما يعزز من توجهاتهن، ويطور من قدراتهن البحثية، ويقربهن من البيئة.
وتقول مديرة التربية في محافظة طوباس والأغوار الشمالية د. ريما دراغمة أن مبادرات الطالبات تربط التعليم بالواقع، وتطرح مشاكل وتساهم في إيجاد حلول لها، وتعزز من الأدوار المجتمعية للطلبة، ولا تحصر دورهم داخل أسوار المدرسة.
خلية نحل
ويضم النادي العلمي في تركيبته كل سنة 50 طالبة من الصفين الحادي عشر والثاني عشر، بهيئة إدارية من 12 طالبة، ويضم عدة لجان: كلجنة بناة المستقبل ( لمساعدة الطالبات اللواتي يحتجن لمساعدة دراسية في الفيزياء والرياضيات)، والإرشاد والتثقيف ( لنشر التوعية حول أضرار شبكات الضغط العالي الكهربائية، وأهمية التنوع الحيوي، وأنفلونزا الخنازير)، والسلامة والأمان ( لجمع البطاريات التالفة والتخلص منها بصورة سليمة، ومتابعة المواد الحافظة والملونة)، والإذاعة ( للتثقيف خلال الإذاعة الصباحية)، والمعارض والمسابقات العلمية( للاستعداد للمنافسات العلمية والمعارض المختلفة).
ويستضيف شخصيات علمية وأكاديمية من أبناء المحافظة والمغتربين، وأخرهم الحوار مع د, رياض صوافطة حول قضايا علمية متقدمة، ونفذ زيارات علمية لمقر شركة الكهرباء بطوباس، وجامعتي النجاح والعربية الأمريكية، وسحب عينات وفحصها من مياه خزان بلدية طوباس.
واستعرضت أعضاء الهيئة الإدارية في النادي فاطمة عماد، وإيلانا محمد، وتالين عمر، هديل جمال، وغفران صبيح، وأريج بشار، وحلا نديم، ونور باسم، ورغد مسلماني، وتالا عز الدين، ونور حسن حصاد مبادرة بحث تطبيقي حول التلوث الذي تسببه مياه المجاري في وداي الساجور، واختلاطها بمياه الينابيع في الباذان.
أخذت الطالبات عينة ماء من الموقع، ونقلنها إلى مختبرات بلدية طوباس، وأخذن يناقشنها مع معلماتهن ومزارعين، وقدمن دلالات ما توصلن له، بجوار جسر القيسيات، وهي النقطة التي تلتقي فيها المياه النقية مع العادمة القادمة من نابلس ومنطقتها الصناعية ومساكنها الشعبية.
مبادرة وبحث
تروي المعلمة المشرفة على المحور الصحي في النادي آيات مبسلط: بدأنا بمشروع مبادرة مختلفة، إذ ذهبنا لوادي الباذان، الذي تنتشر فيه المنتجعات السياحية، لدراسة ما تسببه قطعان الخنازير البرية في المنطقة، لكننا تحولنا لبحث مغاير، حين شاهدنا مياه الينابيع النقية تتلوث بمياه عادمة، وتتسبب بتأثيرات خطيرة، فجمعنا عينات من الماء، ونقلناها إلى الفحص، ليتبين لدينا وجود تلوث في المياه العذبة، وكميات كبيرة من البكتيريا، وتركيز عالٍ لأيون الأمونيوم المستخدمة في مواد التنظيف، كما اكتشفنا بقايا أسمدة زراعية وأملاح ونترات عالية، يفوق بعض المسموح بها 240 مرة، ووثقنا كل هذا، وما يتسبب به من تداعيات خطيرة على الإنسان والنبات والأحياء الأخرى في المنطقة.
وتؤكد المعلمة المختصة في الشق الاجتماعي للنادي ريما صوافطة أن البحث لم يجر لوصف المشكلة، وإنما لوضع حلول لها، بعيدًا عن توجيه الاتهام لأحد. وتقول: نشرنا المعلومات والنتائج التي توصلنا إليها، لعل رسالتنا تصل إلى المسؤولين للتغيير، وفعل شيء.
انتصار للباذان
وتقول رانيا دراغمة، الحاصلة على درجة الماجستير في الإدارة الكيميائية، والتي تتولى مهمة تدوير البلاستيك في النادي: منذ اليوم الأول للسنة الدراسية القادمة، ستتحول كل بقايا الطعام وقشور الفاكهة في المدرسة إلى سماد طبيعي، وسنعلم الطالبات الجدد في الهيئتين الإدارية والعامة طريقة صنع السماد الطبيعي (الدبال)، وستوزع الطالبات والمعلمات ما ينتج من سماد طبيعي على الأزهار والنباتات المنتشرة في ساحات المدرسة ومرافقها.
ويقول رئيس مجلس قروي الباذان محمد صلاحات إن مبادرة النادي العلمي مهمة، وتفتح ملف الباذان من جديد، وبخاصة أن المجالس القروية فيها بدأت منذ عام 1997 بمراسلة وزراء الحكم المحلي، وبلدية نابلس ومحافظها تطالب بوقف الضرر ومسبباته، ودفع تعويضات وفق القوانين المتعارف عليها، ومبدأ "من يُلوث يدفع".
تلويث
ويضيف: نتائج عينات الطالبات متطابقة مع تلك التي قدمتها لنا وزارة الصحة عام 1995، وفيها أن عناصر ثقيلة موجودة في المياه العادمة في الوادي مثل الكروم ( بتركيز 764 ميكروغرام لكل لتر) والرصاص (155 ميكروغرام للتر)، والكادميوم ( 9 ميكرو غرام للتر). ولدينا حالات إصابة بأمراض جلدية، لم نوثقها بعد، وتضررت أيضاً الزراعة كثيرًا في المنطقة، وتنتشر ذبابة أريحا والبعوض والقوارض والخنازير.
وينقل صلاحات عن وزير الحكم المحلي ورئيس سلطة المياه تأكيداتهما بوجود مشروع بقيمة 45 مليون يورو لتشييد محطة تنقية غير أن سكان بعض القرى يعارضون ذلك؛ خشية على أراضيهم.
ويشارك المزارع محمد يوسف دبابسة الطالبات في نتائجهن، ويقول إن الباذان تضررت كثيًرا من المياه العادمة، ولم نعد نغرس الفواكه والعنب، وتوجهنا إلى الحمضيات، وصرنا نعاني، وأقمنا في الماضي قنوات إسمنتية لمنع اختلاط مياه الينابيع بالمجاري، وزادت كلفة الزراعة؛ بسبب نقل المياه بأنابيب.
وتقول المواطنة فريال حسن صلاحات إن حال الباذان لا يسر صديقًا اليوم، ولم تنجح كل محاولاتها بزراعة الأزهار حول منزلها، واستهلاك الكثير من عبوات معطر الجو من طرد رائحة المجاري، التي صارت تجلب لنا الويلات.
ويفيد عماد براهمة وهو صاحب إحدى المنتزهات، أن المجاري كبدته موازنات كبيرة كنقل المياه بأنابيب من النبع، وسقف أجزاء من الوادي، ورش دوري للبعوض. ويؤكد أن وزارة الصحة تفحص مياه المنتزهات باستمرار، وفي أيام العطل الرسمية أيضًا، وتسلمنا نتائج صلاحيتها للشرب والسباحة.
وتشير طالبات النادي، أن اهتمامهن بالقضايا البيئية في وادي الباذان جاء لما تتمتع به المنطقة من نشاط سياحي وزراعي وتنوع حيوي ومياه وطبيعة خلابة.
aabdkh@yahoo.com