خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتفاخر المربي فواز أديب الحسين بعشقه الجارف لوردة الحصاد أو خبيزه الراعي، ويحرص كل سنة على إضافة ألوان جديدة منها لحديقة منزل عائلته في طوباس. ولا يفوت فرصة لتوثيق جمال النبتة، التي صارت تحيط كل جانب بالبيت، وأصبحت محط أنظار المارة.
يقول، وهو يتفقد زهرة جديدة التفتح: بدأت أهتم بالزراعة منذ الطفولة، وفي بداية أيامي في الوظيفة أواخر الستينيات، كنت أبحث عن أزهار برية من الأماكن التي علّمت فيها، وأجلبها للمنزل لتكثيرها. وقبل ذلك اشتريت من محلات الأدوات الزراعية بصيلات أزهار عديدة، وصرت أعرف أسرار الأزهار وحاجتها للماء، وتأثرها بالحرارة، ومواسمها، وفترات تفتحها، وطرق نقل بذورها للتكاثر في مواسم قادمة.
تكثير
يزيد: منذ سنوات ضعفت أشجار اللوز والبرتقال والليمون في حديقتي؛ بسبب قلة تربتها، فاقتلعتها وبدأت بإحضار أزهار برية، وأحضرت بذور شقائق النعمان، وبصيلات النرجس، وقرن الغزال، من مناطق عديدة في الأغوار، خلال ذهابي وغيابي من مكان عملي. ولكنني أتخصص اليوم في خبيزة الراعي، التي أحضرت أولى بذورها من منطقة نسميها ( مقتل أبو السمير)، وهو المكان الذي شهد حادثة قتل ضابط في الجيش الإنجليزي حمل هذا الاسم، وكلما يمر منه الأهالي يتذكرون ويُذكرون غيرهم بالحادثة، التي نسجت حولها روايات كثيرة ومتضاربة.
ووفق الحسين، فإنه زرع في وقت قياسي مئات أزهار من النبتة التي تعرف بالخطيمة، وخف الجمل، ووردة الحصاد، واسمها العلمي Alcea setosa (Boiss) Alef. وأصبح يملك الآن أزهارًا ذات اللون الأبيض، والأبيض المُصفر، والأسود بدرجتين، والزهري الفاتح والغامق، والبنفسجي، ويطمح أن يعثر على ألوان أخرى.
يوالي: هذه الزهرة جميلة، وتتفتح أزهارها على فترات، وتصمد في وجه العطش، وطول فترة إزهارها وتعاقبها على التفتح جميلة، ومنظرها جميل، وتداخل ألوانها ملفت، وصار الجيران وبعض المارة يلتقطون صورهم الشخصية بينها، ويطلبون مني أشتالها.
فواز الحسين
تخصص
وتحول المربي الحسين إلى متخصص بالزهرة، التي يقول إنها تجذب الطيور، وبخاصة عصفور الشمس الفلسطيني، الذي يتلون مع أشعة الشمس، ويعرف أيضًا باسم (أبو الزهور)، وأعلن في شباط الماضي طائرًا وطنيًا لفلسطين.
يقول: يكفي أن تجلس بين الأزهار، وتتنقل في بصرك بين ألوانها، وتراقب مراحل نموها، وتشاهد تفتح الزهرات المتعاقب، وترى طولها اللافت لتقع في حب هذه الزهرة أكثر من غيرها.
ووفق أستاذ الجغرافيا د. عثمان شركس فإن خف الجمل نبات عشبي معمر، يتراوح ارتفاعه ما بين 150-200 سم. وهو من النباتات التي تنمو في مناطق الظل بين الصخور وفي جوانب الطرق، يبدأ نموه في أواخر فصل الشتاء، وتكون بيئة خف الجمل منتصبة (عمودية). ويتم تلقيح أزهاره بواسطة النحل.
زهرته شبه مستديرة كبيرة الحجم. ويصل قطر الزهرة إلى 15 سم، ولون الزهرة يميل من الليلكي إلى البنفسجي.
يقول الحسين: تزهر نبتتي المفضلة في نيسان، ويطول تفتحها حتى حزيران، وتنتشر بشكل كبير في الأغوار الشمالية، وأشاهدها في بعض الجبال، وأتمنى لو أشاهد حقولًا منها على مد النظر. وأسعى لإطالة أمد أزهارها.
وبحسب قراءات المربي الذي يرفض التقاعد، فإن هذا النبات يستعمل كنبات للزينة في أوقات حصاد القمح في حزيران لأنه يبعث عندهم روح الأمل. كما يستخدم كمّادات تغمس بماء أوراقه المغلية لعلاج وجع المفاصل والقروح ولحصر البول، ويشرب ساخنًا في الشتاء لعلاج النزلات الصدرية والرشح.
سيرة
وأبصر الحسين النور في 18 تشرين الثاني 1946، ودرس في طوباس، وتقدم لامتحان الثانوية العامة سنة النكسة، ولم يكمل جلستين من" التوجيهي"؛ بعد سقوط مدن الضفة الغربية بيد جيش الاحتلال. ودرس دبلوم تأهيل المعلمين في بيت لحم، وتخصص بالاجتماعيات، وبدأ بالوظيفة عام 1968 متنقلًا بين بيت لحم وجنين وطوباس، وأنعى خدمته في الوظيفة الحكومية عام 2005، لكن واصل في مدارس طوباس الخاصة، ويستمر في تدريس الأطفال في المرحلة الأساسية، كما يتخصص في تعليم غير الناطقين بالعربية، وبخاصة للطبيبات القادمات من دول الاتحاد السوفيتي السابق المتزوجات في طوباس، وأبناء المغتربين من المدينة.
يقول: تغير المنهاج خلال 48 سنة من عملي أربع مرات، وأكثر ما اذكره من التدريس إتقان طبيبة روسية للغة العربية في غضون شهر واحد. ولا أستطيع نسيان قصتي مع طائر البلبل، فقد أعطاني أحد تلاميذي طائرا صغيراً، اصطحبته للبيت، وأطعمته واعتنيت به، ولم أضعه في قفص، وعندما كبر تعلق بي، وصار يلحقني لكل مكان أذهب إليه.
يزيد: كان يرافقني إلى المدرسة، ويجلس على طاولتي أمام التلاميذ، ويجلس على مخدتي خلال نومي، ويغرد قرب أذني، ولا يبتعد عني، وحزنت كثيرًا حين التهمه قط، ويومها كدت أقفز من النافذة لإنقاذه حين شاهدته في فم القط، ولكن دون جدوى. ينهي بابتسامة عريضة ورأس اشتعل شيبا: العام القادم بحول الله، ستتضاعف ورود الحصاد في المنزل، وستختلط ألوانها، وسأكون سعيدًا بها، فهي تنعش الروح.
aabdkh@yahoo.com