جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أكد بحث شامل أجرته منظمة الصحة العالمية أن 482 ألفا يموتون سنويا في وفيات مبكرة في دول أوروبا و"إسرائيل" بسبب التعرض لتلوث الهواء. وبسبب ذلك، قدر البحث الخسائر السنوية لهذه الدول بـ ـ1.6 ترليون دولار. ويساوي هذا المبلغ نحو عُشر إنتاج هذه الدول البالغ عددها 53، إضافة إلى "إسرائيل" التي تعامل معها التقرير باعتبارها امتدادا لأوروبا. ويقدر عدد الوفيات المبكرة السنوية في "إسرائيل" بـ 2500 حالة بسبب تلوث الهواء؛ علما أن عدد سكان الأخيرة (بدون القدس الشرقية) نحو 7,700,000 نسمة.
وتضمن التقرير تقديرات اقتصادية استندت إلى المبلغ الذي تبدي تلك الدول استعدادها لإنفاقه بهدف منع تلك الوفيات والأمراض المرتبطة بها.
وشمل تقرير منظمة الصحة العالمية تفصيلا حول كل دولة من الدول المبحوثة. وفي حال "إسرائيل" تحديدا، قدر عدد الوفيات المبكرة السنوية بسبب تلوث الهواء بـ 2500؛ وتقر الخسائر ب3.3% من إجمالي الناتج المحلي.
وللمقارنة، يقدر عدد الوفيات المبكرة (بسبب تلوث الهواء) في بلجيكا بنحو 6,000 سنويا، علما أن عدد سكان الأخيرة يتجاوز 11 مليون. بينما عدد الوفيات المبكرة في النرويج التي يزيد عدد سكانها عن 5 مليون، يقدر بـ 353 سنويا؛ ويعتبر نمط الانتشار السكاني في الأخيرة سببا في هبوط نسبة التعرض لمصادر تلوث جدية.
وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، حوالي 90% من سكان الدول الأوروبية، إضافة إلى "إسرائيل"، لا يزالون يتعرضون لمستويات تلوث أعلى من تلك الموصى بها حسب المنظمة. وفي أوروبا تحديدا، توجد وفيات مبكرة كثيرة ناجمة عن التلوث داخل المباني والمتصل أساسا بالتدفئة.
الجدير بالذكر أن وكالة حماية البيئة في أوروبا نشرت مؤخرا تقريرا قدرت فيه الخسارة الاقتصادية الناجمة عن المنشآت الصناعية فقط، وبخاصة محطات الطاقة الكهربائية، قدرتها بـ 300 مليار إلى تريليون يورو سنويا.
ومن المعروف أن الهواء في منطقة حيفا يعتبر الأكثر تلوثا في فلسطين التاريخية، وذلك بسبب مصافي النفط والصناعات البتروكيميائية وسائر الصناعات؛ حيث تنتشر في منطقة خليج حيفا الصناعية روائح النفط والكبريت وغيرها. وبحسب تقرير مثير لوزارة الصحة الإسرائيلية نشر في نيسان الماضي، فإن سبب إصابة نصف الأطفال في منطقة حيفا بأمراض سرطانية خلال الفترة 1997-2008، هو تلوث الهواء. وكشفت معطيات ذات الوزارة بأنه في نفس الفترة ارتفعت نسبة سكان حيفا الذين أصيبوا بالسرطانات بأكثر من 16% من المعدل العام في "إسرائيل". وفي منطقة حيفا، يزيد احتمال الإصابة بمرض سرطان الرئة (بسبب تلوث الهواء) عن 9% من معدل الاحتمال في سائر المناطق؛ بينما يصل الاحتمال في حال سرطان البروستاتا إلى 26%.
ويقول الخبراء في "إسرائيل" إن سبب تلوث الهواء الناجم عن المواصلات هو السبب الأساسي للأمراض والوفيات. وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فإن أبرز مصادر التلوث الأساسية التي يجب مواجهتها، تتمثل في تلوث الهواء الناتج عن المواصلات ومحطات توليد الطاقة التي تعمل على الفحم. ولا تزال إسرائيل تولد معظم طاقتها الكهربائية بطرق بدائية قديمة وخطيرة وملوثة جدا للبيئة الفلسطينية، وتحديدا من الفحم الذي يحرق لتوليد الكهرباء. وتؤدي عملية حرق الفحم إلى انبعاث كميات كبيرة من الملوثات المسببة لأمراض خطيرة وارتفاع نسبة الوفيات في المناطق المحيطة بمحطات الطاقة العاملة على الفحم، فضلا عن تسببها في ارتفاع نسب الاحتباس الحراري وبالتالي تسريع التغيرات المناخية التي تشهدها فلسطين. ومن المعروف أن الفحم يسيء جدا للبيئة وللصحة العامة ويزيد كثيرا غازات الدفيئة في الجو. فحرق الفحم وتغيير حالته الصلبة إلى الغازية يجعله الوقود الأحفوري الأكثر خطرا على الإنسان والبيئة والمناخ.
المجلة العلمية الأميركية Stroke نشرت في نيسان الماضي بحثا أجراه علماء في جامعة هارفرد، يوضح العواقب الصحية الخطيرة التي يمكن أن تبرز بسبب تلوث الهواء. وبحسب البحث، تبين وجود علاقة سببية بين تلوث الهواء بمستويات معتدلة، وبين تسارع شيخوخة الدماغ وحدوث ضرر محتمل لقدراته الإدراكية.
ودرس العلماء فيما إذا توجد علاقة بين هذه المعطيات ومدى حدوث أضرار للدماغ، من ناحية، وبين مدى القرب من المناطق التي تتواجد فيها طرق مواصلات رئيسية يرتفع فيها تلوث الهواء. مؤشر التلوث الذي جرى تعقبه هو جسيمات التلوث الصغيرة التي تخترق الجهاز التنفسي وأعضاء أخرى في الجسم.
وبينت معطيات البحث وجود تغيرات بنيوية في الدماغ أثناء التعرض لارتفاع في الجسيمات الملوثة بمقدار 2 ميكروغرام لكل متر مكعب. هذا التغير يعتبر معتدلا، وهو غالبا ما يميز مراكز المدن في مناطق عديدة بالعالم. الزيادة المعتدلة في الجسيمات الملوثة تسببت، بين أمور أخرى، في تغيرات يمكن أن تلحق ضررا بالقدرة الإدراكية للدماغ، فضلا عن زيادة خطر الإصابة بالجلطة الدماغية.