عندما يطيح المناخ التنمية

حبيب معلوف / بيروت
لا تزال المقترحات لخطط التنمية التي تقدمها وتديرها دوائر الأمم المتحدة للنقاش، لا سيما لمرحلة ما بعد 2015 هي نفسها تقريبا كما كانت مطروحة بداية التسعينيات، بالرغم من فشلها في تحقيق التنمية ومكافحة الفقر وحماية البيئة! مع الاشارة الى الاستمرار في تجاهل الانتقادات وتنبه البعض المسبق الى خطورة مشاريع التنمية من دون قيد بيئي، على استدامة موارد الارض ايضا. جل ما تم الأخذ به طوال تلك الفترة، ان خرج المتفاوضون وشلة من خبراء التنمية آنذاك بمفهوم تسوية حمل عنوان "التنمية المستدامة"، أي الحفاظ على مشاريع التنمية ونموذجها الطاغي، مع الأخذ بالاعتبار حال البيئة. وقد تم تجاهل كل الاصوات المعترضة منذ تلك الفترة على نموذج التنمية في العالم والتي كانت تحذر من القضاء على التنوع البيولوجي العالمي وتغيير المناخ العالمي كأكبر آفتين عالميتين... اذا لم يتم التراجع عن نموذج التنمية.
اليوم، بالتزامن بين بحث "خطة التنمية لما بعد 2015" وكيفية تمويلها، تنعقد قمة عالمية حول تغير المناخ نهاية هذا العام في باريس للوصول الى اتفاقية جديدة للمناخ تحل مكان بروتوكول كيوتو الفاشل في الحد من هذه الظاهرة المدمرة، وعلى جدول أعمالها البحث في كيفية تمويل هذه الاتفاقية. فإذا كانت دول العالم أجمع قد أقرت في كوبنهاغن العام 2009 بضرورة تأسيس صندوق للمناخ رأسماله مئة مليار دولار سنويا لمكافحة تغير المناخ، فإن الكثير من الدوائر تتخوف من ان تكون مساعدات الدول للمناخ على حساب مساعداتها للتنمية.
قد يكون هذا التخوف في مكانه، ولكن هناك إمكانية اكبر ان تبقى صناديق التنمية كما صناديق المناخ فارغة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم كما يقال وبسبب الكلفة العالية للمعالجات التي باتت تعجيزية وخيالية. مع الاشارة الى ان تقديرات المائة مليار دولار اميركي سنويا لمعالجة المناخ لا تشمل التوقعات بمعالجة كوارث مناخية محتملة، اذ تصر الدول المتقدمة على استخدام معظمها للمساهمة في التخفيف من الانبعاثات المسببة للظاهرة وليس للتكيف معها. وبالرغم من كل ذلك، لا نزال نتمسك بمفاهيم التنمية نفسها التي تسببت بكوارث!
تقترح بعض الدوائر نفسها، تغيير أنماط الانتاج والاستهلاك لمكافحة تغير المناخ. وهي مفاهيم تسوية من جديد لمكافحة ظواهر لم تعد تحتمل التسويات والمساومات. كما هي مجرد اقتراحات مخففة للتهرب من مطلب تغيير الانظمة الاقتصادية المسيطرة المعتمدة على تحرير الاسواق والمنافسة بأي ثمن. كما لم تعد المفاهيم المصاحبة مثل الاقتصاد الاخضر والإنتاج النظيف وتخضير الصناعة وغيرها... كافية لمعالجة ظاهرة تغير المناخ المدمرة. وقد بات مطلوبا تغيير قواعد اللعبة وقواعد وقيم السوق. فلا يعود تقييم الادوات والسلع والإنتاج قائما على تسعيرات السوق والعرض والطلب والمنافسة التي تتطلب طاقة أرخص (وان ملوثة) ومواد أولية (وان ناضبة)... وهذا يتطلب إعادة تسعير المواد الاولية عبر دراسة دورة حياة المنتجات وتسعير السلع على هذا الاساس. كما يتطلب كل ذلك إعادة الاعتبار لدور الدولة في التدخل بشكل أو بآخر. كما على منظمات المجتمع المدني اعادة النـــظر بالمفاهيم التي تبنتها طــــويلا. فلم تعد المقاربات الحقوقية وافية لمقاربة قضايا باتت وجودية كتغــــير المناخ وانقراض الأنواع، خصوصا عندما نعرف ان متطلبات معالجة قــــضايا مثل تغــــير المناخ تطـــيح كل مكتســـبات التــــنمية التي عرفناها. كما يفتــــرض التراجع عن فكرة ان الانسان هو محور التنمية والكون وكل شيء.
كما هناك حاجة الى مراجعة شاملة لكل المفاهيم والمسارات، من دون الخوف من الاتهامات بالشمولية. بالإضافة الى الحاجة لعقد اجتماعي جديد على أسس جديدة، تخرج مفهوم الديموقراطية من خلفيته العددية وتعيده الى خلفيته الثقافية القـــائمة على الاعتراف بالآخر بدل إلغــــائه، وتوسع من مفهوم الحقوق لتشمل حقوق الاجيال الآتية ايضا وحقــوق باقي الكائنات التي نتقاسم معها شروط العيش والاستدامة.