أنس عابد
خاص بآفاق البيئة والتنمية
إلى الشمال من مدينة رام الله تقع قرية عبوين البالغ عدد سكانها قرابة ستة آلاف نسمة، تمتد على عدة تلال ويتوسطها مجموعة من عيون الماء تفصل بين عبوين القديمة والحديثة.
يبرز في البلدة القديمة من القرية عدة مبان غاية في الجمال، كقصر سحويل الضخم، وبعض المباني التي تستعمل كمضافات لعائلات القرية. دأبت على ترميم كل تلك المباني وإعادة احيائها من جديد "جمعية سيدات عبوين الخيرية" بالتعاون مع البلدية ومؤسسة رواق.
 |
 |
بلدة عبوين القديمة |
روضة أطفال أنشأتها جمعية سيدات عبوين |
بداية غير موفقة.. ولكن
تأسست جمعية سيدات عبوين الخيرية في عام 2000م ، ولكنها وبحسب المديرة الحالية لها السيدة ياسمين سحويل فقد مرت بفترة خمول حتى عام 2013م، حيث بذلت جهوداً كبيرة ﻹعادة تفعيل الجمعية والعمل على تسجيلها قانونيا بعد أن كانت مهددة بالإغلاق بسبب عدم وجود نشاطات أو ترخيص ولا حتى حساب بنكي.
بعد ذلك تم انتخاب هيئة ادارية جديدة للجمعية ليبلغ عدد اعضائها الآن مئة وعشرون عضوا من القرية، بالإضافة لمئة وعشرين أخريات من القرى المجاورة تركن جمعياتهن وانتسبن لجمعية عبوين. وهذا يدل على أن ثقة النساء بالجمعية اصبحت اكبر بسبب نشاطها المميز، والجهود الجبارة والإصرار على النجاح، فقد بدأت بتوفير بعض المشاريع للنساء من خلال مؤسسات محلية ودولية.
تقول السيدة سحويل:" عملنا بكل طاقتنا على توفير مشاريع مساعدة للنساء خلال ثلاث سنوات بالرغم من عدم امتلاكنا الترخيص في تلك الفترة، ولكن بهدف تثبيت الجمعية وترخيصها حرصنا على ذلك معتمدين على العدالة والمصداقية في توزيع المشاريع".
 |
 |
قسم الحاسوب التابع لجمعية سيدات عبوين |
قشيات تراثية أنتجتها جمعية سيدات عبوين |
انجازات في فترة قصيرة
بإصرارهن على النجاح، وتمسكهن بالحق في المشاركة المجتمعية اصبحت سيدات عبوين مثلا يحتذى به في مجال النهوض من تحت الركام؛ ففي فترة قصيرة نسبيا استطعن استنهاض الجمعية، وتوفير عدة مشاريع منتجة وناجحة، وتوفير مصدر تمويل ذاتي من خلال تسويق منتجات الجمعية، وقمن بعمل جبار في مجال ترميم مباني البلدة القديمة وشوارعها.
 |
 |
مباني تراثية في قرية عبوين تم ترميمها |
مخلللات بلدية بأنواعها وألبان وزعتر ومجففات من إنتاج جمعية سيدات عبوين |
عصفور فلسطين المشرق
الآن وبعد استقرار الوضع القانوني والاقتصادي للجمعية فقد بدأت السير في خطوات ثابتة ومتتابعة نحو الأمام؛ وقد اعتمدت علامة تجارية لمنتجاتها اسمتها " عصفور فلسطين المشرق" ، بحيث توضع على كل منتجات الجمعية الكثيرة والتي نذكر منها : التطريز، المخللات بأنواعها، الصابون الملون، التحف المصنوعة من الخشب والجرائد التي يعاد تدويرها، والخرز، والرسم على الزجاج والأواني، وغيرها الكثير.
وقد دأبت الجمعية بالتعاون مع مؤسسة ليدرز على وضع خطة تسويقية لمنتجات الجمعية تتكفل الأخيرة من خلالها الترويج وتسويق المنتجات مع الحفاظ على العلامة التجارية الخاصة بالجمعية، وقد وصلت منتجات جمعية عبوين الخيرية إلى قطاع غزة حيث كانت تصدر كميات كبيرة من الفلفل المجفف ولكن الحصار المفروض على القطاع بالإضافة للحرب قد أعاقت بشكل كبير استمرار التصدير للقطاع. ايضا تقوم الجمعية بتنظيم معارض وورشات عمل وأيام طبية في مقر الجمعية بشكل دوري تستضيف فيه مؤسسات محلية ودولية وتسوق منتجاتها من خلال هذه المعارض مما يوفر بعض الدخل.
 |
 |
مشغولات تراثية لجمعية سيدات عبوين |
مشغولات تراثية يدوية لجمعية سيدات عبوين |
الهدف
تحمل جمعية سيدات عبوين الخيرية على عاتقها مهمة كبيرة وسامية بحسب السيدة سحويل فتقول:" نعمل على توفير مصدر دخل للنساء من خلال توفير مشاريع لهن، وكذلك بدأنا بالتركيز بشكل كبير على الشابات والشباب العاطلين عن العمل باستهدافهم بدورات تؤهلهم للانخراط في سوق العمل أو في إدارة مشاريع خاصة بهم". وقد تميزت الجمعية كذلك في أداء دورها ورسالتها المجتمعية من خلال توفير مشاريع خاصة بذوي الإعاقة، فمن جانب يتم تخفيف الضغط على وزارة الشؤون الاجتماعية ومن جانب آخر تحفظ للمعاق كرامته وعناء البحث والتنقل بين المؤسسات لتوفير لقمة العيش.
 |
 |
|
أزياء تراثية من إنتاج جمعية سيدات عبوين |
آمال وطموحات
بجهود كبيرة وعمل دؤوب باتت جمعية سيدات عبوين الخيرية من الجمعيات الرائدة على مستوى الوطن، ولكن تبقى نقطة مهمة وهي تعميم هذه التجربة الناجحة والترويج لها إعلاميا، بحيث يصل صدى نجاحها إلى كل السيدات في الوطن ليحذون حذوها ويساهمن في النهوض بالنساء، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي للأسرة الفلسطينية بشكل عام. وهذا ما تؤكده السيدة آمال خريشة مديرة جمعية المرأة العاملة فتقول: "تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية مرتبط بشكل أساسي بالنجاح الاقتصادي لها والذي يؤثر بشكل مباشر على مكانتها الاجتماعية ونظرة المجتمع لها".
وهذا يتضح اذا عرفنا أن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل لا يتجاوز 20% بحسب مركز الاحصاء الفلسطيني للعام الحالي، فكلما زادت هذه النسبة زادت الفعالية الاقتصادية للمجتمع بشكل عام، وهذا يشكل تحدٍ كبير بأن يكون هناك اقتصاد فلسطيني قادر على استيعاب النساء في سوق العمل.
تضيف خريشة:" يصعب الحديث عن تنمية تحت الاحتلال، لكن النساء الفلسطينيات يبحثن باستمرار عن مبادرات لتعزيز دخل العائلة، خاصة أن نسبة كبيرة منهن فقدن المعيل سواء في الأسر أو الاستشهاد. ما يعيق النساء هو النظرة الاجتماعية الخاطئة للمرأة العاملة، وصعوبات تتعلق بتسويق منتجاتها، بالإضافة إلى عدم وجود سياسة داعمة للنساء في سوق العمل".
 |
 |
بقايا قصر سحويل في قرية عبوين |
فانوس من إنتاج جمعية سيدات عبوين |
سر النجاح
تقول الناشطة في مجال النوع الاجتماعي السيدة فداء البرغوثي:" نجاح بعض الجمعيات النسوية وفشل معظمها هو العامل الذاتي وايمان النساء بقدرتهن على النجاح، الثقة بالنفس والقدرة على تغيير الواقع، بالإضافة للخبرة والتجارب كلها تعزز نجاح الجمعيات النسوية، ولا ننسى عامل مهم ورئيسي وهو دعم الزوج والأهل والمحيط".
بين أزقة البلدة القديمة في قرية عبوين وعلى مسطبة عاش عليها الأجداد وأكلوا وشربوا، أنهينا زيارتنا لجمعية سيدات عبوين الخيرية بعد أن تناولنا فطورا فلسطينيا بامتياز، صنعته أيدي نساء الجمعية من خيرات هذه الأرض الطيبة، عشنا ولو للحظات في عبق الماضي الجميل في قالب حديث متقن وأمل بمستقبل مشرق يحمل النجاح والتميز.

من إبداعات جمعية سيدات عبوين