خاص بآفاق البيئة والتنمية
انقلاب
انطلقت الحافلة يوم 13 أيار الفائت من جنين قاصدة نابلس. كانت السماء غائمة قليلًا، أما توقعات الأرصاد الجوية، فتراوحت بين انخفاض على دراجات الحرارة، وفرصة ضعيفة لسقوط أمطار محلية خفيفة. بعد دقائق من السير، أوقف السائق جهاز التكييف، حين انقلب حال الطقس رأسًا على عقب، وتلبدت السحب فجأة، وبدأت أمطار متوسطة الشدة على قوية بالهطول على مشارف نابلس، وكادت الحافلة تنزلق.
في شوارع المدينة ذاتها كان الطقس مشمسًا، غير أنه انقلب بسرعة وهبت رياح قوية لوقت قصير، وبدأت الأمطار بالهطول، وفاضت الطرقات. من النافذة، كان يمكن تسجيل مشاهد غريبة: يرتدي المارة ملابس صيفية، ويحمل بعضهم مظلات، أجزاء من المدينة تشهد هطولاً غزيرًا، ومناطق أخرى بالكاد تبتل فيها الشوارع!
يقول السائق أبو مازن: هذا الشتاء كان الأغرب بالنسبة لي، فقد شاهدت أجواء ماطرة بغزارة في شارع عمان، لكن الأجواء على بعد خطوات كانت جافة. والغريب أيضًا، أن الدنيا تتنقل بين الصيف والربيع والخريف والشتاء في أسبوع واحد.
ويوما 18 و19 أيار شهدا درجات حرارة أعلى بعشر من معدلاتها المعتادة، وبعد يومين انخفضت الحرارة درجة واحدة دون معدلها العام، ما يعني تقلبًا حادًا، وفروقات هائلة، في وقت لم نصل بعده للصيف بتقسيماته المناخية، ولا زلنا نعيش الهزيع الأخير من فصل الربيع.
قفزة
تحاور رئيس بلدية عقابا جمال أبو عرة، الذي يؤكد أن المجلس البلدي، على بعد خطوات صغيرة من تنظيم أوضاع البلدة، ونقل حظائر الأغنام من وسطها، وتجميعها في مكان واحد خارج مخططها الهيكلي، لما تسببه من روائح وبعوض، ولما تمثله من نشر للروث في الطرقات العامة.
خطوة تستحق التقدير، وتستوجب أن تصبح قانونًا ملزمًا. ليس من باب تهديد مصدر رزق مربي الثروة الحيوانية، وإنما لجهة تنظيم هذه المهنة الهامة.
وللتذكير فقط، فإن الكثير من دول أوروبا تعتبر منتجة للألبان ومشتقاتها، وتنتشر فيها العديد من المراعي، دون أن يتسبب ذلك في توجهات عشوائية، وتلويث، وروائح، وبعوض، وسط التجمعات الحضرية.
حوارات
دشن مركز التعليم البيئي / الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة سلسلة حوارات خضراء مع رؤساء وأعضاء بلديات، ففي طوباس نظم المركز وجمعية طوباس الخيرية بالتعاون مع وزارة الإعلام حواراً للناشطات في منتدى السوسنة البيئي.
واستعرضت المشاركات في الحوار التفاعلي أمام عضو البلدية حاتم صوافطة العوائق والتحديات التي تواجه المدينة، واستمعن إلى إجابات مسؤول الهيئة المحلية، الذي تناول جهود البلدية ودورها في التعامل مع الملفين البيئي والصحي.
وقدمت فردوس أبو عرة، وإكرام أبو الهيجاء، وآيات سليمان، وإيمان مبسلط، وآلاء صبح، وفاتن دراغمة، ونادية صوافطة، وآلاء صوافطة، إلى جانب 12 سيدة، لائحة بالتحديات التي تواجه البيئة في مدينتهن.
هموم
ولخصت المشاركات هموم المدينة البيئية في غياب شبكة للصرف الصحي، وانتشار البعوض والقوارض والأفاعي وسط البيوت القديمة والمتداعية، وما تسببه ذبابة أريحا من تداعيات، إضافة إلى الممارسات غير الصحية لمالكي متاجر بيع الدواجن، وعدم توفر حاويات للنفايات في منطقة الصافح الشمالي، وتباعد الحاويات الصغيرة في مركز المدينة، وافتقار طوباس إلى حديقة عامة مفتوحة للأطفال، وانتشار الكلاب الضالة، والتعدي على الأرصفة من المتاجر، وتناقص المساحات الخضراء.
وشرح صوافطة موقع البيئة في أجندة البلدية، وقال إنها تسعى وفق إمكاناتها المتاحة التعامل معه بكل مسؤولية، مشيراً إلى وجود خلل عام في توجهات المواطنين عمومًا نحو البيئة والاهتمام بها، مقارنة بغيرها من القضايا.
وتحدث عن مشروع الصرف الصحي الذي كان من المفترض أن تنطلق أولى مراحله الشهر الحالي، إلا أن دعوى قضائية من شركة تنافست على العطاء، تحول دون تدشين العمل به، حتى الثاني من حزيران القادم. وبيّن أن الحلول البديلة للمياه العادمة الأخرى تتسبب بمشاكل بيئية.
وعلّل صوافطة سبب عدم تعامل البلدية مع المباني القادمة بحرية؛ لطبيعة الملكية التي تشهدها. مشيرًا في الوقت ذاته لجهود المجلس المحلي بالشراكة مع مجلس الخدمات المشترك، وجهات الاختصاص في الوصول نحو طوباس نظيفة وخالية من النفايات العشوائية.
وأوضح أن البلدية سعت لتصميم مكنسة للشوارع، إلا أنها لم تعمل بفاعلية، ووضع المجلس على أجندته شراء أخرى جاهزة في الفترة القادمة.
ووعد صوافطة الناشطات في "السوسنة البيئي" بمتابعة ومعالجة المطالب التي سيتلقاها من النساء، وعرضها بشكل رسمي على جدول أعمال البلدية، وبدعم المبادرات التي ستطلق، وفق إمكاناته. مبيناً أن البلدية بدأت بالفعل بتأسيس متنزه في الأحراش بمساحة 25 دونماً في المرحلة الأولى، سيكون رئة للمدينة.
واقترحت المشاركات تفعيل نظام المخالفات للمتسببين بتلويث البيئة، وللمنخرطين في رمي النفايات العشوائية وحرقها. كما طالبن برش دوري لأحياء المدينة من البعوض، ومكافحة ذبابة أريحا والكلاب الضالة، ومعالجة الصرف الصحي، وما تسببه البيوت المتداعية من تهديدات.
وعقد المركز وبلدية قلقيلية لقاء للمنتدى النسوي البيئي بمقر البلدية، وفتحت أربعون من الناشطات النسويات حواراً مع رئيسها عثمان داود، وعضو المجلس البلدي خالد جبر، وناقشن التحديات البيئية التي تواجهها مدينتهن. فيما تولت الناشطة النسوية نهاية عفانة إدارة النقاش، وذكرت في مستهله أن بوسع النساء تقديم العديد من الحلول والإبداعات للمجتمع، وتغيير الحال البيئي الصعب في تجمعاتهن، إن توفرت الإرادة.
أمطار قوية على مشارف مدينة نابلس في أواسط أيار الماضي
أحوال
وقال داود في معرض رده على المشاركات في الحوار التفاعلي إن الهم البيئي في قلقيلية يوجع القلب، ويستنزف موازنة البلدية، التي توظّف 70 عاملًا لتنظيف الشوارع وحدها صباح مساء، فيما يعمل 24 على جمع النفايات من المدينة، ما يكبد المجلس البلدي خسائر فادحة تصل إلى مليوني شيقل سنويًا، عدا عن التحديات المكلفة الأخرى.
وتطرق رئيس البلدية إلى الصعوبات التي يفرضها الاحتلال، جراء جدار الفصل العنصري، الذي قلص مساحة المدينة إلى نحو 9 آلاف دونم، بعد أن كانت ممتدة على 30 ألف دونم، فيما لا تجد البلدية مكاناً لإقامة مكب للنفايات، وفي وقت تنتج المدينة نحو 50 طناً منها يوميًا، وسط رفض الاحتلال فتح ممرات للمياه العادمة بجدار الفصل، ما يخلق كارثة بيئية.
وأكد داود أن الواقع البيئي الصعب المفروض على المدينة، يحول حياة المواطنين إلى جحيم، ويهدد شجرة البرتقال التي تتخذها البلدية شعارًا لها منذ تأسيسها القرن الماضي. ورحب بمبادرة "التعليم البيئي" تأسيس المنتدى النسوي، مشيرًا إلى ضرورة أن تخرج النساء بمبادرات تغيير هذا الواقع في 22 تجمعًا على طول المحافظة.
وأعرب داود عن استعداد البلدية لدعم المبادرات الخضراء وتشجيعها، حاثًا المركز والناشطات النسويات على اعتبار البيئة قلقًا يحمل العديد من الأبعاد الوطنية والاقتصادية والحياتية، ويمس كل شرائح المجتمع.
وقال المنظمون إن المنتدى النسوي سيشرع بالعمل في المدينة وتجمعاتها، ضمن مبادرات تركز على استخدام المهارات البيئية في كل مجالات الحياة، والانطلاق نحو التجمعات القريبة ورياض الأطفال، لتكون صديقة للبيئة، وتشرع في مهمة تربية بيئية في سن مبكر للصغار.
استباحة
كما نظم المركز بالتعاون مع جمعية أصدقاء البيئة في جامعة النجاح ومجلس قروي الباذان، جولة بيئية لأعضاء منتدى "زهر اللوز" في منطقة الباذان، تخللها حوار مع رئيس مجلسها القروي. واستمع أعضاء المنتدى والجمعية لاستعراض تاريخي وجغرافي عن الباذان، التي تعد منطقة سياحية يزورها وفق تقديرات رسمية نحو 800 ألف فلسطيني سنويًا.
وقال رئيس المجلس القروي محمد صلاحات أبو عرب: إن الباذان غنية بينابيعها الثمانية الدائمة: السدرة، وحمد، والبيضاء، وقديرة، والجسر، والتبان، والصبيان، وأبو زينة، إضافة إلى أربعة موسمية، تضخ سنوياً نحو خمسة ملايين وربع المليون متر مكعب من المياه، فيما تضم المنطقة قرابة 1500 دونم من الأحراش الطبيعية والمزروعة، ويبلغ انحدارها نحو 120 مترًا، وتحوي على سهول وجبال ووديان، كما تعد منطقة طرق تجمع بين المحافظات.
ورسم رئيس المجلس القروي لأعضاء زهر اللوز وأصدقاء البيئة صورة الباذان البيئية، التي تضم نباتات السوسنة السوداء والبنفسجية، والعليق، وشجر القراصية، وتمتاز بتفاحها وورق عنبها، وكانت غنية بالأسماك، حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، حين بدأت مياه المجاري لنابلس الشرقية ومساكنها الشعبية ومنطقتها الصناعية بالتدفق في وديان المنطقة، متسببة بتلوث كبير بعناصر الزئبق والرصاص والكاديوم، وفق فحوصات وزارة الصحة، وبنشر أمراض سرطانية وتنفسية، وقوارض وبعوض.
وأضاف أبو عرب أن الباذان صارت تعاني بعد عام 2002 من محطة تجميع النفايات المملوكة من شركة تجارية وبلدية نابلس، والتي تتسبب بمعاناة صحية واقتصادية وزراعية كبيرة للمواطنين.
وناقش أعضاء المنتدى الحلول الممكن إيجادها في المنطقة، والمبادرات التي تخفف من الكارثة البيئية على المديين القصير والطويل. واقترح الأعضاء: فوزية دوابشة، وإيمان حسام، وآلاء حكم، وعز عواودة، وآية إسماعيل، وختام مرعي، ومحمود ريان، إطلاق مبادرات بيئية في المنطقة، وتنفيذ أيام عمل تطوعية لرفع الوعي البيئي لزائري المنتجعات. وناقشوا أهمية إيجاد حلول جذرية للمياه العادمة ومكاب النفايات على المدى البعيد.
منتديات
يقول المدير التنفيذي لـ"التعليم البيئي" سيمون عوض: إن المركز شرع منذ العام الماضي في إطلاق منتديات نسوية وطلابية، لتشجيع المنخرطين فيها على تبني مبادرات تغير الواقع القاسي الذي تعانيه البيئة الفلسطينية، ويوفر للقيادات النسوية والطلابية فرصة التواصل مع المسؤولين المحليين، وتؤسس لثقافة المشاركة، كما تعيد الروح الغائبة إلى العمل التطوعي.
ويضيف أن المركز أسس منتديات في نابلس وطولكرم وطوباس وبيت لحم وجنين وقلقليلية، تضم ناشطات نسويات ومبادرات وطلبة جامعات، ونفذ العديد من الأنشطة الخضراء لمناسبة يوم البيئة، وعقد تدريبات على مهارات بيئية مختلفة، وأطلق سلسلة محاضرات تثقيفية حول أنفلونزا الطيور، وغرس الأشجار. وينظم في الفترة القادمة سلسلة حوارات مع المسؤولين المحليين في عدة محافظات، في محاولة للتوصل إلى حلول للتحديات، وتحفيز النساء على المشاركة المجتمعية.
حوارات خضراء للناشطات في منتدى السوسنة البيئي
22 أيار
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 29 كانون أول يومًا عالميًا لحماية التنوع الحيوي، بالتزامن مع دخول الاتفاقية الدولية لحماية التنوع الحيوي حيز التنفيذ عام 1993، واستمر الاحتفال بهذا اليوم حتى عام 2000، حين جرت إزاحته إلى 22 أيار، احتفاء بذكرى (قمة الأرض)، ولكثرة المناسبات والإجازات الواقعة في كانون أول.
ووفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن شعار هذا العام يربط بين التنوع الحيوي والتنمية. ويقول البرنامج: يرتبط مصير الإنسانية ارتباطا وثيقا بالتنوع الحيوي، من حيث تنوع الحياة على الأرض. وهو بذلك أمر أساس للتنمية المستدامة ورخاء الإنسان، من حيث أنه عامل حاسم، نظرا للسلع الأساسية والخدمات البيئية التي يقدمها في الحد من الفقر.
ويضيف: يعتمد 3 مليارات نسمة على التنوع البحري والساحلي، في حين يعتمد 1,6 مليار نسمة لكسب معيشتهم على الغابات والمنتجات الحرجية غير الخشبية. وبالتالي فإن تدهور الموئل وخسارة التنوع البيولوجي يهددان رزق ما يزيد عن مليار إنسان ممن يعيشون في الأراضي الجافة وشبه الرطبة. ولذا يلزم تطوير خطط شاملة لحماية التنوع البيولوجي بما يحقق التنمية المستدامة وخفض الفقر.
ودخل مصطلح التنوع البيولوجي (الحيوي) الفضاء العلمي والإعلامي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وتناوله علماء البيولوجيا والبيئة على نطاق خاص. ويقصد به تعدد جميع الكائنات الحية وتفاعلها، بداية بأصغر الكائنات التي لا تُرى بالعين المجردة، وانتهاءً بأكبرها كالأشجار والحيوانات العملاقة كالحيتان.
أرقام عالمية
ويُقدر الخبراء الأنواع البيولوجية بأكثر من 80 مليون نوع، ولم يصنف العلم منها حتى الآن سوى 1.4 مليون صنف، تتوزع إلى 750 ألف حشرة، و41 ألفا من الفقاريات وربع مليون من النباتات، والباقي فطريات ولافقاريات وطحالب وسواها.
ومنذ عام 1600 وحتى الآن انقرض 724 نوعًا بيولوجيا، عدا عن 3956 نوعًا مهددًا بالخطر، و3647 نوعا معرضا للخطر، و7240 نوعًا نادرًا. في وقت يتعرض 25% من التنوع البيولوجي لخطر الانقراض في الثلاثة عقود القادمة، في حين وصلت المناطق المحمية في العالم إلى حوالي 10 آلاف تغطي ما يقرب من 6% من مساحة كوكب الأرض. فيما تٌقدر قيمة التنوع الحيوي العالمي الذي يستفيد منه الإنسان نحو 54 ألف مليار دولار سنويًا.
وتم التوقيع على اتفاقية التنوع البيولوجي خلال قمة الأرض المنعقدة في ريو دو جانيرو عام 1992، وهي معاهدة دولية ملزمة قانونًا، تهدف إلى حفظ التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام له، والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية، أما هدفها العام فيتجسد بتشجيع الأعمال التي تقود إلى مستقبل مستدام.
فلسطين: ثراء ونهب!
وتعتبر فلسطين من أكثر بقاع الأرض ثراءً بالتنوع الحيوي، بفعل التباين الكبير في أنظمتها المناخية، إذ تضم أربعة أقاليم نباتية هي: الإيراني -الطوراني، والتغلغل السوداني، والصحراوي، والمتوسطي. عدا عن التنوع الكبير في التضاريس وأنواع التربة، وكونها ثاني أهم معبر للطيور المهاجرة في العالم، إذ يعبرها سنوياً قرابة 500 مليون طائر في موسمي الهجرة الربيعية والخريفية. أما الكائنات التي تم وصفها في فلسطين التاريخية، تُقدر بنحو 47000 نوع، ويعتقد بوجود حوالي 4000 نوع آخر لم يجر وصفها حتى الآن، فيما يبلغ عدد النباتات قرابة 2500 نوع، ويبلغ عدد الأنواع المتوطنة منها في فلسطين حوالي 261 نوعا، 53 منها خاصة بفلسطين، 12 نادرًا جدًا، في وقت يهدد الانقراض حوالي 543 نوعًا، عدا عن وجود 93 نوعًا من الثدييات ضمن 33 عائلة، و530 نوعا من الطيور بجانب 110 نوعًا من الزواحف والبرمائيات، وزهاء 32 نوعًا أصيلًا من الأسماك ونحو 14 – 16 نوعًا دخيلاً. إلا أن كل هذا الثراء يعتبر مهددًا، بفعل الاحتلال الذي ينتهكه وينهبه منذ 67 عامًا.
aabdkh@yahoo.com