مركز حسن مصطفى الثقافي
الدجاج من أقدم الطيور التي دجنها الإنسان, ويبدو أنها من اشد الحيوانات انصياعا لرغباته وتلبية لمتطلباته وسدادا لحاجاته اليومية، والواقع إن الدجاج يسهل تدجينه ويتكيف مع كل الشروط للتربية. وفي الأزمنة الغابرة يوم كان القنص وصيد الأسماك يشكلان دون سواهما العنصر الرئيسي للغذاء اللحمي، استطاع الدجاج إن يحتل مكانه اللائق على موائد أسلافنا, لأنه الأقرب لتناول يد الإنسان, وقد يكون هذا اللحم قليلا في كميته, غير انه ثمين في طيب مذاقه ولذة طعمه.
ويبقى الدجاج, الإوز والبط, والحمام والفر, والشنار والحبش الرومي, في أيامنا هذه, طعما ولونا من ألوان المائدة المنتقاة وتحتل مكانا مرموقا في عالم التغذية، ولكن الدجاج يحتل المرتبة الأولى والأعلى وفي المجتمع الفلسطيني بفئاته الثلاث ريف, مدن, بادية, كانت تربية الدجاج شائعة ومنتشرة ويكاد لا يخلو منها بيت لأنها ممكنة وسهلة، ولأنها عملية اقتصادية توفر غذاءً مفيداً مستمراً من اللحوم والبيض وتستهلك مخلفات المطبخ, وتلتقط طعامها من خشاش الأرض، وكانت النساء تتشارك في ترقيد وتربية الصيصان، كما أن الدجاج الصغير يذبح ويكون لحمه سريع النضج وطعمه لذيذاً وسهل الهضم، لذا يقدم طعاما للمرضى والناقهين وللولادات من النساء وعلى شكل شوربات، ويذبح للضيوف الطارئين دون موعد أو المتأخرين في ساعات المساء، حيث تكون الخراف بعيدة عن البيوت أو في المرعى أو العزب.
أما ( العتاقي ) أي الدجاج كبير السن الذي يربى للبيض والترقيد، فلا يفضّل ذبحه لارتفاع نسبة الدهن في لحمه حيث يقولون (الدهن في العتاقي).
الدجاج في المثل الشعبي الفلسطيني:-
" اطعم شعير وعبي بيض في القفير " أي اطعم الدجاج شعير وإملأ السلال بالبيض
" صوص التين بيوكل وبنين " أي أن الفراخ والصيصان التي تفقس وقت نضج التين تبقى ضعيفة.
" صوص المشمش بيوكل وبيقمز" (أي يقفز) بمعنى الصيصان الذي يفقس في شهر أيار وحزيران تبقى قوية.
" بدنا منك جاجة وكماجة" عندما يكون اسم مولود بإسم شخص آخر سبقه يقال هذا المثل.
" الدهن في العتاقي " نسبة الدهن في جسم الدجاجة عالي وصعب النضج.
الدجاج في الأغنية الشعبية :-
تغنى النساء :
اطلع السفرة يا فلان يا أمير
اطلع السفرة صيصان وزغاليل
اطلع السفرة يا فلان يا سلطان
اطلع السفرة صيصان ولحم خرفان
*مهاهاة
ياهي حوطكم بالله شباب ملاحي
ياهي ما تلعبوا إلا بدز ارماحي
ياهي تستاهلوا مع العشاء يا رواحي
ياهي صيصان مقلية بسمن اطفاحي
ميزات الدجاج البلدي:
إن الدجاج المربى تقليديا وبدون إسراع في تسمين الصغار والتحكم بدرجة اكتناز أجسادها هو الصحي والمغذي، لأن الدجاجة الجيدة لا ينبغي لها أن تنضوي على أكثر من 6% من الشحم، وإذا زادت النسبة عن هذا الحد أصبح لحمها ثقيلا، عسر الهضم, بل قد يصبح ضاراً خاصة إذا كان نوع العلف مسمن.
يمتاز لحم الطيور قبل كل شيء برقته, وهو لا يؤكل أي الطير إلا عندما تكون فتيّاً نسبيا أي في سن يتراوح بين 8_10 أشهر للدجاج وبين 10_13 شهرا للحبش.
الطيور الصغيرة تحتوي على أنسجة عضلية مرنة, يسهل تفتيتها لأنها خالية من ذلك الغلاف القاسي الذي يلف العضلات عادة والذي نراه في لحم الماشية مثلا, فتكون مهمة المضغ والهضم يسيرة إلى حد كبير.
الطيور غنية بمادة البروتيد التي تحتاجها أجسامنا. وهي في هذا المضمار لا تقل عن البقر والغنم والسمك. ولذا فإن من الخطأ القول أن لحم الطيور, من الأغذية ذات القيمة الغذائية المتوسطة. بل بالعكس هو الصحيح، فإن سهولة هضم هذه اللحوم تعطي أعظم مورد.
الدجاج هو الطعام المفضل الذي يصفه الأطباء من صنف اللحوم للمرضى وللناقهين من الأمراض الحموية وللمرضى الذين أجريت لهم جراحات، وكذلك للولادات وكبار السن وللأشخاص أصحاب الشهية الضعيفة الحساسة.
يمتاز الدجاج والطيور البلدية المربية بالطرق التقليدية أي تعيش في الهواء الطلق وليس في أقفاص ومقيدة الحركة وتتغذى من خشاش الأرض والأوراق الخضراء على هواها، أنها تبعد الأخطار الصحية الناتجة عن أساليب التربية الحديثة للدواجن وأصبح " خم الدجاج " أو "قن الدجاج " نادرا اليوم وتربى في عنابر والعلف أمامها.
مخاطر أساليب التربية الحديثة بالآلات:
1- تعمل الظروف المتاحة بهذه الأساليب في تسريع نمو الفراخ وتركيزه، حيث يفقد الانتخاب الطبيعي الممثل في كل مخلوق حي.
2- الأساليب القاسية في العنبر، حيث يحرم الطائر من الحركة والركض لئلا يفقد من طاقته.
3- اختصار الوقت الليلي للنوم والراحة وتوفير الإضاءة الصناعية، حتى تبلغ الدجاجة الشهرين من عمرها وتكون قد اكتنزت بالشحم دون أن ترى أشعة الشمس أو الهواء الطلق.
4- إخصاء بعض الحيوانات للتسمين صناعيا واستعمال الهرمونات الاصطناعية لذلك، وقد تنطوى هذه الهرمونات على صفات سرطانية.
القيمة الغذائية للحم الدجاج :
تعطى الطيور مجموعة الفيتامينات (ب) وكميات من الفيتامين (ب, ب) وهذا الأخير يسهل عملية توسيع الأوعية الدموية المحيطة.
أما الأملاح المعدنية والمواد المعدنية فتكون حسب اختلاف الدجاج وتباين تغذيتها, ولا بد من ذكر وجود الحديد في لحم الطيور، ولا سيما في أعضائها الداخلية.
استعمال لحم الدجاج في المطبخ الفلسطيني التراثي :
احتل الدجاج المرتبة الأولى في إعداد طبق المسخن المنتشر في الشمال الفلسطيني جغرافيا، حيث يكثر زيت الزيتون والبصل والسماق. ويشوى دجاج المسخن كما درج محلياً في الطابون القديم، وهو الأسهل هضما وألذ طعما.
كما نعدّ في لحم الدجاج الشوربات من أهمها شوربة الفريكة الشعبية الشائعة بالدرجة الأولى، وهناك شوربة الشعيرية وشوربة الأرز وشوربة الخضار المشكلة كالبازيلاء والجزر وغيرها. وهناك شوربة الدجاج دون أية إضافة وإنما يعد مرق الدجاج بالبهارات والمطيبات مكثفا.
ومن الأطباق الفاخرة أيضا "الدجاج المحشي" حيث يحشى بالأرز واللحم والصنوبر, ويمكن أن يحشى بالفريكة المفلفلة ويحشى بأنواع من الخضر المشكلة.
وهناك فتة الدجاج حيث يشرب الخبز للمرق الطيب المكثف وفي ابسط حالاته يوضع على الفتة لحم الدجاج المقطع مع المكسرات. كما يضاف اللبن المثوم على وجه الخبز وفوقه طبقة من الأرز المغطى بقطع اللحم والمكسرات.
الأكلة الشعبية الشائعة هي المقلوبة والتي تعتبر الطبق الأول عند أهل القدس، والذي يستعمل عادة فيها نوع الخضر حسب الموسم مثل مقلوبة الباذنجان البتيري, والزهرة, والبطاطا والجزر ويكون الدجاج هو العنصر الرئيسي بمرقه ولحمه. وكذلك الفريكة المفلفلة.
يعد من الدجاج كافة أنواع اليخنة طريقة التسبيك وهي حوس الخضر وإضافة مرق الدجاج، ومن أشهر الأكلات طبخة الملوخية الخضراء أو الناشفة.
الطاجن في الفرن وهو شي الدجاج مع الخضر في الفرن وتضاف البندورة مفرومة أو عصير، وكذلك شي الدجاج ( بالسيخ ) تعتبر طريقة صحية حيث يفقد الطائر دهنه دون ينغمس فيه الدجاج المحمر بعد تطييبه وإضافة البصل والثوم والليمون وهناك أكلة شي الدجاج وإضافة البصل واللحم المفروم أو قلوبات الدجاج والبقدونس الأخضر إلى الدجاج بالسمن البلدي وليس بالزيت، وهذا الطبق يستعمله أهل الريف في الوسط والجنوب، ويقدم للضيوف مع أرز المقلوبة باللحم لأن البعض لا يأكل اللحم.
وصفات تراثية شعبية من الدجاج :
المسخن
المواد اللازمة:
سبعة أو ثمانية فراخ ودجاجتين كبيرتان ( فراخ), من نصف– رطل خبز, بصل حوالي 2 كيلو, سبع أو ثماني أواق من الزيت, سماق, صنوبر, الملح, بهار.
الطريقة:
إما أن تخبزي في فرن البيت بعد رق أرغفة من العجين, أو يوضع فوق قطع من الحجارة الساخنة جدا والتي تكون بحجم حبة البندق الكبيرة بحيث توضع في الصينية ويخبز على شكل خبز الطابون, أو تشتري خبزا جاهزا ساخنا لوضع المسخن عليه, تذوقي المرق أثناء سلقه لإضافة مزيدٍ من الملح إن لزم, وارفعي الفراخ من المرق عندما تنضج تقريبا. أما إن كان الدجاج كبيرا إقسميه إلى ثلاثة أو أربعة أقسام، قشري البصل بمعدل رأس كبير جدا أو أكثر قليلا لكل رغيف وافرميه إلى فرمات متوسطة الحجم وحضريه للقلي. اقلي الدجاج بالزيت وعندما تتحمر الفراخ قليلا، ارفعيها وأضيفي البصل واقليه حتى يذبل ويبقى محتفظا بلونه ثم ارفعيه من الزيت. نقّي الصنوبر واقليه لوحده, وعندما يحمر قليلا ارفعيه من الزيت وضعيه فوق البصل. ورشي عليهم سماق بمعدل ملعقة كبيرة أو أكثر قليلا لكل رغيف, واخلطيه بعضه ببعض. ضعي سبع أو ثماني أواق من الزيت في الوعاء واغمسي كل رغيف, من الخبز الدافئ في الزيت, ثم ارفعي الخبز من الزيت وضعي كمية من خليط البصل المقلي، وفرخا على كل رغيف وضعيها في وعاء عميق. اغمسي بقية الأرغفة بالزيت كما فعلت بالرغيف الأول، وضعي على كل رغيف مزيج من البصل وفرخه وضعيها بعضها فوق بعضها في الوعاء العميق، وغطي الوعاء حتى يتشرب من الزيت, أو بكلمة أخرى ( اكمريهم ) واتركيهم حوالي ثلث ساعة قبل أن تقديمي المسخن, وقدميه ساخنا.
استفيدي من مرق الدجاج لصنع الحساء.
الدجاج المسبك اللذيذ
المواد اللازمة:
دجاجة وزنها 2 كيلو (فراخ), فنجانان ونصف الماء, ملح, بهار, سمنة للتحمير
الطريقة:
بعد تنظيف الدجاجة وغسلها, قطعيها إلى قطع مناسبة وتبليها بالملح والبهار. ضعي القطع بوعاء الطهي وضعي فوقها الماء وارفعيها على نار متوسطة الحرارة تغلي, ثم اخفضي درجة الحرارة. اتركيها على نار حتى يجف المرق عنها وبنفس الوقت يكون الدجاج قد نضج تقريبا. عندما تنضج القطع اغمسيها بالدقيق على الجهتين وحمريها بالسمن ثم ارفعيها في صحن التقديم مع الفاصولياء المسلوقة ومتبل البطاطا أو حبات بطاطا صغيرة مسلوقة أولا, ثم تقلى أنصافا ويزين الطبق بشرحات بندورة وجزر وقدميها.
الطريقة القديمة لتنظيف الدجاج:
اشتري إما الطيور المذبوحة الجاهزة أو ذبحيها وضعيها في الماء الساخن ليسهل نتف الريش، وان بقي شيئا من الريش الصغير, احرقيه على لهيب النار, ثم انزعي مكانه.
افتحي بطن الطير وانزعي كل محتوياته من مصارين وكبد وقلب الخ وانزعي المرارة بتأن ثم انزعي من عند رقبته الحويصلة (كيس مليء بالحبوب )، واغسلي الطير عدة مرات حتى لا يبقى أثر للدم المتجمد، ثم اغسليه بماء الخل أو بالليمون الحامض حيث يزيل الروائح الغير مرغوبة ثم تبليه بالملح.
مرق الدجاج لعمل الحساء أو الحشوة :
ضعي في إناء الطهي ماءً يكفي لسلقه وعندما يسخن الماء قليلا ضعي فيه الطير، وعندما يغلي اقشطي الزفرة وضعي معه حبات بهار(الهال), وقطعتين من القرفة بحجم عقدة الإصبع ومعلقة ملح واتركيه يغلي حتى ينضج. تذوقي المرق أثناء الغلي لإضافة مزيدٍ من الملح إن لزم. ارفعيه من المرق ورشي عليه من البهار المطحون والملح إن لزم. حمريه بالفرن بعد وضع كمية من السمن، استفيدي من المرق لعمل الحساء للحشوة.
الدجاج والأرانب والحبش المحشية وغيرها:
بعد ذبح الطير أو الأرانب نظفيها لتعديها للحشي, ثم خذي كمية من الأرز واللحم نسبة لوزن الطير. مثلا الحبشة وزنها 10 أواق استعملي وقيتين من الأرز ووقتين من اللحم المفروم مع نصف وقية لوز اختياري، ملعقة صغيرة بهار, مسحوق ثلث ملعقة جوزة الطيب, وملعقة كبيرة ونصف من الملح, من 3-4 ملاعق كبيرة من السمن البلدي أو النباتي أو السمنة مخلوطة من الاثنين. ثم اتبعي الطريقة التالية لإعداد الحشوة.
نقي الأرز واشطفيه ثلاث مرات ثم انقعيه بماء ساخنٍ جداً واتركيه منقوعا من ساعة لغاية ساعتين. تبلي اللحمة بالملح والبهار وجوزة الطيب واخلطيها مع الأزر بعد رفعه من ماء النقع, أذيبي السمن أو الزيت النباتي واسكبيه فوق الخليط وحركيه جيدا، انقعي اللوز بماء مغليٍ مدة خمس دقائق ثم قشريه واتركيه ليجف, قبل قليه بالسمن. ثم ارفعيه من السمن واخلطيه مع الحشوة , بعد تنظيف الطير جيدا وغسله، اتركي الماء يتصفى منه ثم تبّلي جوفة بالملح والبهار واملئيه تقريبا بالحشوة بدون تلبيد واخيطيه. تتنوع طريقة إنضاج الدجاج بعد الحشي، فهناك من يقلي الطيور بعد دهنها بالعصفر والكركم ثم سلقها، والبعض يضعها في وعاء ويضيف إليها القليل من الماء وتشوى في الفرن حتى تنضج وتتحمر، والبعض يضعها على نار هادئة مع تشكيلة الخضر ويرفعها ويدهنها بالعصفر والزيت والليمون ويحمّرها على الحرارة المباشرة بعد السلق.