خاص بآفاق البيئة والتنمية
ما بين آلام طفل اصابه مرض اللشمانيا وتغيّب عن مدرسته محرجاً من اثار الاصابة الجلدية على وجهه، وما بين ألمنا لرؤية حيوان برّي يقتل بشكل عشوائي وبأعداد كبيرة لاتهامه بالتسبب بالمرض؛ تختلط المشاعر والمواقف، فهل نكون هنا قد عبثنا بعناصر البيئة فقسونا على ذلك الحيوان، أم أنه حقا متهم مدان وتوجب التخلص منه حفاظا على المواطنين من التعرض للأمراض...يحاول هذا التقرير الاجابة على هذه الأسئلة:
الوبر الصخري هو حيوان ثديي صغير، أبتر الذيل ظاهريا يشبه خنزير غينيا، ولكن في الواقع هو أكثر ارتباطا بالفيلة والدلافين، يتميز بفراء كثيف متغير اللون، ولكن عادة يطغى اللون البني والرمادي على الاجزاء العلوية منه، يبلغ طوله ما بين 40 الى 60 سم ووزنه ما بين 2 الى 5.5 كغم، وفترة الحمل من سبعة أو ثمانية أشهر، ويحمل اثنين أو ثلاثة من الرضع في وقت واحد، ويعيش في مستعمرات مكونة من 2 ال 26 فردا، كما يصفه د. عيسى موسى عدوان، مدير عام المصادر البيئية في سلطة جودة البيئة.
أثار هذا الحيوان الذعرمؤخراً بين المواطنين حين اتهم بتسببه بمرض اللشمانيا الجلدي، حيث كشفت وزارة الصحة الفلسطينية عن عشرات في الضفة الغربية، لا سيما في منطقة طوباس شمال الضفة.
ينتمي حيوان الوبر الصخري إلى المناخ المداري والجاف، ويتواجد في منطقة حفرة الانهدام والصحراء العربية وجزء كبير من القارة الافريقية، وبالذات شمال وجنوب افريقيا، اما في فلسطين فموطنه الاصلي منطقة السفوح الشرقية المتميزة بالصخور والكهوف والحرارة العالية والتي تعتبر مناطق شبه غورية أو قريبة لمنطقة الأغوار.
وكان عدة اطباء ومختصين قد وجهوا اصابع الاتهام لهذا الحيوان، ومنهم د.اسعد الرملاوي مدير الطب الوقائي بوزارة الصحة الذي أفاد بوجود 400- 500 إصابة سنويا بهذا المرض في المحافظات الفلسطينية، والمسبب لها هو "الوبر الصخري".
هذا الاتهام وضع هذا الحيوان على مقصلة الاعدام، حيث سارع المزارعون واهالي المناطق التي يتواجد فيها هذا الحيوان لقتله، دون التأكد من تسببه بجريمة يستحق عليها القتل.
هذا الأمر، لم يرق لعماد الأطرش، المدير التنفيذي لجمعية حماية الحياة البرية الفلسطينية، الذي رأى في هذا الحيوان ثروة حيوانية يجب الحفاظ عليها لا التصرف بوحشية تجاهها، وقال "نستهجن الصاق التهمة بهذا الحيوان البري فهو موجود منذ مئات السنين، وتم تصنيفه قبل 150 عاماً بالتصنيف العلمي، الوبر الصخري السوري".
ملاحقة الوبر الصخري
علاقته بالمزروعات
يرى الاطرش أن هذا الحيوان هو جزء من النظام البيئي، وهو آكل نباتات ويحتاج للغذاء، محذرا من قتله، "الذي يسبب اختلال التوازن البيئي، فاختلاف درجة حرارة الأرض دفعته للخروج للمناطق القريبة من السكان، فهو ليس المذنب بتخريب المزروعات".
بينما رأى عدوان من سلطة البيئة أن تزايد اعداده موخراً وانتقاله قرب المناطق السكنية والمناطق المزروعة يؤدي إلى تلف المحاصيل، ما يستدعي وضع تدابير رقابة فعالة.
علاقة لا شك فيها
فيما أكد سامر صوالحة مسؤول مكافحة الحشرات والقوارض في وزارة الصحة علاقة مرض اللشمانيا بالوبر الصخري، وقال أن هذه العلاقة خرجت بها دراسات اسرائيلية عدة، ففي عام 2000 ظهرت دراسات اسرائيلية ربطت مرض اللشمانيا بالمناطق التي تقطنها تجمعات الوبر الصخري مثل معالي ادوميم وكفار ادوميم، وفي الاردن ظهرت دراسات اكدت ذلك ايضا، باعتبار الوبر الصخري كخازن للطفيل المسبب لمرض اللشمانيا.
وأشار صوالحة الى وجود منطقتين في جنين يعتبران بؤرتين للمرض، وهما بير الباشا ومنطقة الشهداء، وكانت تسجل فيهما اصابات دائمة بالمرض، ولظروف بيئية معينة، أنتهى وجود الوبر الصخري فيهما، فاختفى المرض.
وتابع صوالحة "هناك بؤرتين حديثتين للمرض في منطقة الاسكان في طوباس وفي عنبتا، كنا قد حذرنا قبل سنوات من امكانية ظهور المرض فيهما بسبب وجود الوبر الصخري، وفعلا حدث ذلك، رغم رشنا لجحور الوبر الصخري المليئة بذبابة اريحا التي تحمل الطفيل للناس، ولكن العدوى تنتقل. وأشار الى أن الوزارة تعمل حاليا مع جامعة القدس ابوديس لاعداد دراسة حول الكراد اللين الذي يلعب هو ايضاً دوراً في نقل مرض الحمى الراجعة، وهذا المرض يسببه طفيل يتواجد في مناطق الوبر الصخري".
علاقته باللشمانيا
بينما اعتبر الاطرش اتهام الوبر الصخري بالتسبب بمرض اللشمانيا أنه مجرد تكهنات، ففلسطينيا لم يتم عمل أية فحوصات او دراسات علمية او صحية عن الوبر الصخري، وما صدر عن تسببه في المرض انما هو مجرد تكهنات، فقد يكون الوبر الصخري حاملا للمرض لكنه ليس مسببا رئيسيا حسب قوله.
وأوضح الاطرش أن الاحصاءات العلمية المتوفرة لديه تشير الى أن هناك نوع من اللشمانيا الشرقية تحمل الاصابة او ينقلها الوبر الصخري، لكن اللشمانيا لها انواع كثيرة، وبالتالي لن يكون الوبر الصخري المتسبب لكل هذه الأنواع.
أما بخصوص علاقة الوبر الصخري بطفيل الليشمانيا فيعتبر داء الليشمانيات مرضا شائعا جدا في العالم، على اختلاف أنواعه، الباطنية والجلدية، واكثر الأنواع انتشارا هو داء الليشمانيات الجلدي، يصيب داء الليشمانيات الجلدي الجلد ويؤدي الى ظهور جروح متقرحة يصل قطر الواحد منها الى بضعة سنتيمترات، وتدوم لأشهر طويلة على الرغم من العلاجات المختلفة.
وبهذا الشأن أوضح عدوان أن الطفيل المسبب لداء الليشمانيات يمكنه العيش والتكاثر في داخل خلايا الجهاز المناعي والبلاعم التابعة لجسم كائن ثديي مضيف مثل الوبر الصخري والكلاب والثعالب والقطط والثديات الاخرى، كما أن بامكانه العيش والتكاثر، ايضا، في امعاء ذبابة الرمل او كما تعرف محليا ذبابة أريحا، والمصدر الاساسي للطفيل في الطبيعة هو فأر الرمل، وهو يعيش في مناطق جغرافية محدودة.
وأضاف عدوان "ينجم داء الليشمانيات الجلدي عن اختراق طفيليات احادية الخلية من نوع الليشمانيات الى الجلد، اثر تعرض المصاب للدغة / لسعة من أنثى ذباب الرمل التي تكون قد اصيبت بالعدوى عند لسعها لثديي مصاب، ولا تنتقل العدوى من انسان الى اخر. وتتواجد ذبابة الرمل في معظم المناطق، غير أنه لا يحمل معظم ذباب الرمل الطفيل، وبالتالي ليس كل ذبابة رمل تكون ناقلة للعدوى.
مخلفاته علاج ومسك
الوبر الصخري غير مدرج على القائمة الحمراء للثديات المعدة من قبل الاتحاد العام لصون الطبيعة، كما يوضح عدوان، حيث يتواجد في كثير من المناطق المحمية عبر مجموعات.
وبعيدا عن الاتهامات الموجهة لهذا الحيوان بتسببه بمرض اللشمانيا وبتخريبه للمزروعات يتفق عدوان والاطرش على الفوائد العلاجية لمخلفات هذا الحيوان، حيث تستخدم كل مجموعة من هذه الحيوانات مكانا واحدا محددا "االمراحيض" للتخلص من البول والبراز، وبمرور الوقت، هذا البول يتراكم ويصلب إلى درجة كبيرة وتصبح صلبة كالصخور وتسمى حجر افريقيا.
ويتم استخدام هذه الصخور بعد أن تتصلب لمئات السنين لعلاج الصرع والتشنجات في البشر وكذلك في صناعة العطور، ويستخرج منها الكثير من المواد العطرية مثل المسك.
القتل ليس حلا
الدراسات حسب عدوان أكدت أن سبب انتقال هذا الحيوان الى المناطق السكنية هو انجذابها اكثر للمنازل كونها من الحطام المكون من مواقع البناء والركام المتبقى من المحاجر والكسارات وأكوام الصخور التي تم إنشاءها من قبل الانسان، فهذه الحيوانات تنجذب لهذه االاماكن اكثر من انجذابها لمواقع الحدائق والمزروعات. لكن البحوث أكدت أن مجرد ملء أكوام الصخر والحفر التي أنشأها الانسان من شأنها أن تعيد الوبرمن القرى للمنحدرات الشرقية وبيئته الطبيعية.
وشدد عدوان على رفض سلطة جودة البيئة لحل قتل هذا الحيوان، فالأجدى العمل على مكافحة ذبابة الرمل والتخلص من النفايات بطريقة صحية وسليمة، ونشر الوعي للتعامل مع مرض الليشمانيا وكيفية الوقاية منه. اضافة الى العمل على ردم الحفر وتسوية اكوام الركام التي أنشأها الانسان، ما يدفع الحيوان للعودة الى بيئته الطبيعية في مناطق السفوح الشرقية.
ودعا عدوان المواطنين لوقاية أنفسهم من لسعات ذباب الرمل، الذي ينتشر ويقوم بعملية اللسع في اوقات المساء والليل. قائلا "من المستحسن استخدام الناموسيات والتستر في بالملابس المناسبة. ومع ذلك فإن الاجراءات الوقائية لا تضمن الحماية بالكامل الا أنها تقلل من خطر الاصابة."