أمسية تطبيعية في البحر الميت وتجاهل المسؤولية الإسرائيلية في ارتفاع مستوى تبخره وتدهور أوضاعه

مشهد جوي للحفر البالوعية في البحر الميت- تصوير جيل مينان
خاص بآفاق البيئة والتنمية
شهد مسرح "الأوبرا" الواقع على سفح جبل مسعدة (مسادا) المطل على منخفض البحر الميت، في الرابع من كانون أول 2014، أمسية ترفيهية احتفالية تطبيعية شارك فيها نحو خمسين ناشطا وخبيرا بيئيا وطالبا، إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين وألمان، وذلك في إطار مشروع بحثي يسمّى (Deserve) حول البحر الميت تنفذه بشكل أساسي مجموعة من الباحثين والناشطين البيئيين الإسرائيليين والألمان. وبدأ المشروع الإسرائيلي عام 2012 ويتوقع أن ينتهي عام 2017، وتبلغ تكلفته عشرات ملايين اليورو، ويموله مركز البحث البيئي الألماني "هلمهولتس" والمعهد التكنولوجي "كرلسروها" (KIT).
وقد اختارت المؤسستان البحثيتان الأخيرتان البحر الميت تحديدا لإجراء المشروع البحثي، لأنهما يعتبرانه "مختبرا طبيعيا" لدراسة الظواهر المناخية والجيوفيزياء (الفيزياء الأرضية) والهيدروسفيرا (الغلاف المائي) والتغيرات الجوية وغيرها من الظواهر البيئية-المناخية المتطرفة.
وفي سياق المشروع البحثي المذكور، وجهت خلال العام الماضي أشعة ليزر، ورادارات ووسائل الاستشعار عن بعد إلى الفضاء فوق البحر الميت؛ علما أن هذه المعدات المتطورة استجلبت خصيصا من ألمانيا، بهدف قياس الضغط الجوي، درجات الحرارة، هبوب الرياح، الرطوبة، والتلوث الجسيمي وغير ذلك من القياسات التي لم يسبق إجراؤها في منطقة البحر الميت. وأفاد أحد العرب المشاركين في الأمسية التطبيعية لمجلة آفاق البيئة والتنمية، شريطة عدم ذكر اسمه، أن المعطيات الناتجة عن هذه القياسات يفترض أن تعطي صورة علمية كاملة عن المكان الأكثر انخفاضا في العالم (البحر الميت)، وعن الظواهر الكثيرة الخاصة بمنطقة البحر، بما في ذلك نشوء الحفر البالوعية (sink holes) وهبوب الرياح المميزة هناك.
ومن المنظور العلمي يطرح البحر الميت تحديا علمياً عالميا. فمن المعروف أن عمليات فيزيائية معقدة تجري في منخفض البحر الميت. إذ، خلافا لأماكن أخرى، يوجد في منطقة البحر بضعة عوامل مختلفة تساهم في تشكيل الرياح ذات الطبيعة الغريبة. من الأمثلة على ذلك النسيم الذي يأتي من البحر المتوسط فيصل إلى منخفض البحر الميت. وفي مسارها، تمر هذه الرياح بمنحدرات غير مألوفة في جبال جنوب القدس-الخليل، فتهبط 1200 متر حتى عمق 430 مترا تحت سطح البحر.
ومن بين العوامل الأخرى أيضا هبوب الرياح المحلية والضغط الجوي المرتفع بشكل خاص والبالغ 1060 مليبار؛ علما أن هذا المستوى من الضغط الجوي لا يتواجد في أي مكان بالعالم سوى في البحر الميت. كل هذا يؤثر على بنية الطقس في المنطقة. وتجلب الرياح معها إلى المنطقة أيضا الكثير من الجسيمات من أماكن مختلفة، وبخاصة تلك الجسيمات السامة المنبعثة من مصانع البحر الميت الإسرائيلية، والجسيمات الخطرة الناتجة من تلوث الهواء في منطقة تل أبيب، إضافة إلى الجسيمات المنبعثة من البحر أو تلك التي تصل من أماكن بعيدة مثل الصحراء الكبرى وأوروبا الشرقية. ويوجد لهذه الجسيمات تأثيرات خطيرة ليس فقط على الهواء الذي نتنفسه، بل أيضا على شدة أشعة الشمس؛ وبالتالي تأثير كبير على العمليات الحيوية للحياة البرية والنمو النباتي في المنطقة.
الجدير بالذكر، أن بعض الظواهر الطبيعية المميزة لمنطقة البحر الميت غير مفهومة بعمق من الناحية العلمية، مثل مشكلة الفيضانات المفاجئة، وهي لا تحدث كثيرا، لكن، لدى حدوثها تكون مدمرة، فتجرف أو تغرق الطرق والجسور وتقتل الناس.
معدات للقياس في البحر الميت.خلال العام الماضي وجه الإسرائيليون أشعة ليزر وردارات إلى الفضاء فوق البحر الميت- تصوير أندرز فيسر
تفسيرات مضللة
اللافت أن الباحثين والسياسيين الإسرائيليين وبعض الفلسطينيين والعرب المتعاونين معهم، يتجاهلون مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن خراب البحر الميت، وبخاصة الهبوط المتواصل في مستوى سطحه؛ إذ هبط هذا المستوى خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بمقدار 35 مترا، أي بنسبة نحو 9% عن مستواه عام 1980. ففي تلك السنة كان ارتفاع منسوب البحر الميت نحو 395 مترا تحت سطح البحر، أما الآن فيبلغ منسوبه حوالي 430 مترا.
ولإخفاء الدور الإسرائيلي في تراجع البحر الميت، يكتفي بعض الباحثين بالقول إن سبب هبوط مستواه هو عملية التبخر وبالتالي الخسارة السنوية في مستواه بمقدار نحو متر واحد. وهنا يتم تجاهل أن المصانع ومراكز استخراج الأملاح الإسرائيلية في البحر الميت، وبخاصة البروميد بصورة كبيرة، تؤدي إلى ارتفاع مستوى التبخر. كما أن إسرائيل تتحمل مسؤولية تدهور أوضاع البحر الميت، بسبب نهبها السنوي لمئات ملايين الأمتار المكعبة من مياه بحيرة طبريا ونهر الأردن اللذين يغذيا البحر.
كما أقامت إسرائيل ما يزيد على 18 مشروعا وسدا لتحويل مياه نهر الأردن إلى مشروعاتها الزراعية في صحراء النقب وغيرها؛ وحولت الأودية الجارية التي تتجمع فيها مياه الأمطار وتجري باتجاه الميت إلى المناطق المحتلة عام 1967، خصوصا إلى المستعمرات، وقد وصلت نسبة المياه المحجوزة والمحولة عن البحر الميت إلى حوالي 90% من مصادره. كما حفرت إسرائيل ما يزيد على الـ 100 بئر لسحب المياه الجوفية من المناطق القريبة التي تغذي أيضا البحر الميت بالمياه.
وحتى أواسط الستينيات، كان نحو مليار و300 مليون متر مكعب من المياه يصب سنويا على طول الجزء الجنوبي من النهر، في جريان سريع، علما بأن عرض النهر كان يتراوح بين 40-60 متراً. أما اليوم، وبسبب النهب الإسرائيلي أساساً، فلا يصب في ذلك الجزء من النهر سوى كميات هزيلة جدا من المياه، لا تتجاوز 20 – 40 مليون متر مكعب، بينما يتراوح عرض النهر بين نصف متر إلى ستة أمتار فقط! أي أن كميات المياه التي كانت تجري تاريخيا في النهر انخفضت بنحو 98%. وحاليا، لا تتجاوز المياه الطبيعية التي تصب في الجزء الجنوبي من النهر 2% من المياه التي كانت تصب فيه في الماضي.