لندن / خاص: لم يأبه ستيفن درينغ للبرد والمطر عصر أحد أيام الجمعة، وخرج للاعتناء بالجَزَر الذي بدأ ينبت في مزرعته غير المألوفة. فقد كانت براعم الجَزَر الخضراء تطل من صينية فيها حبيبات من البلورات البركانية تعلوها أضواء مصابيح "إل.إي.دي" الكهربائية.
غير أن هذه الصينية كانت تقبع في نفق على عمق 33 مترا تحت شارع مزدحم من شوارع لندن. ودرينغ هو أحد مؤسسي شركة "زيرو كربون فود" وهي واحدة من سلسلة مشروعات تحاول المساعدة في توفير الغذاء في مدن العالم المزدحمة من خلال الزراعة فيها في أماكن لا يتوقعها الناس. ففي الهند بدأت مؤسسات اجتماعية تنشئ مزارع صغيرة على أسطح المباني السكنية المزدحمة. وفي الصين أقامت الحكومة مزارع نموذجية لتشجيع سكان المدن على البدء في الزراعة في البيوت.
وفي السنوات المقبلة من المنتظر أن تتضخم المدن في الدول الغنية والفقيرة وتسبب تزايدا في معدلات التلوث من خلال عملية نقل الغذاء من المناطق الريفية. وبحلول عام 2050 سيعيش ثلثا سكان العالم في المدن، بالمقارنة مع ما يزيد قليلا على النصف الان، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وقال درينغ "تقدم في لندن يوميا 30 مليون وجبة. وعلينا أن ننقل كل هذه المواد إلى المدينة بكل ما تحتاجه من تغليف. ولذلك إذا أمكنك أن تنقل بعض الإنتاج الغذائي إلى المدينة فهذا أمر طيب".
وبدأت "زيرو كربون فود" الزراعة في ملاجئ الحماية من القنابل المهجورة منذ الحرب العالمية الثانية في حي كلابام نورث، وهو من أحياء الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة في كانون الثاني عام 2014.
وتزرع الشركة الخضروات الورقية والجذرية التي تدخل في عمل السلطة على نطاق تجريبي باستخدام مصابيح "إل.إي.دي" بدلا من ضوء الشمس.
وتعمل الشركة الآن على تجهيز موقعها بالكامل والذي سيملأ الأنفاق المبنية بالصلب والخرسانة بصوان (جمع صينية) محملة أفقيا تبلغ مساحتها الإجمالية عشرة آلاف متر مربع.
وقال درينجغ ان الشركة ستبدأ بيع إنتاجها للمطاعم والبيوت في الربع الثاني من 2015، رغم أنه لن يلبي إلا نسبة ضئيلة للغاية من الطلب في لندن.
ويقول مكتب رئيس بلدية لندن ان من المتوقع أن يزداد سكان المدينة بمقدار الخُمس تقريبا بحلول عام 2030 ليصل إلى عشرة ملايين نسمة. ويعد معدل النمو المتوقع أعلى من معدل النمو في نيويورك، ومثلي المتوسط العام في بريطانيا، لكنه أقل من التوقعات لكثير من المدن في العالم النامي.
وقال تشونجوي لو، عالم النباتات والخبير في الزراعة في المدن في جامعة نوتنغهام "لا يمكن لأي مدينة بالطبع أن تنتج كل ما تحتاجه من مزروعات. لكن المسألة تتعلق بالجمع بين هذه الطريقة وأشكال الزراعة الأخرى. فلا يمكنك زراعة القمح في مدينة لكن يمكنك زراعة الكثير من الخضروات الطازجة ذات القيمة العالية". الفلفل الأحمر يزرع على السطح في الهند، حيث يتوقع أن يتضاعف سكان المدن ليتجاوز عددهم 800 مليون نسمة بحلول عام 2050، وحيث تلقى فكرة إدخال الزراعة للمدن صدى لدى الناس لكنها قد تبدو مستحيلة. غير أن عدم كفاية مساحة الارض كانت عاملا محفزا في زيادة الزراعة على الأسطح باستخدام المناطق المسطحة فوق أسطح المباني السكنية. وقد أدارت مؤسسة "فريش آند لوكال" الاجتماعية في مومباي مزرعة للمنتجات العضوية على سطح مبنى من المباني التي يسكنها محدودو الدخل.
وأصبحت المزرعة التي تبلغ مساحتها حوالي 186 متراً مربعاً تنتج الرمان والفلفل الأحمر وغيرها، لسكان المبنى البالغ عددهم 50 أسرة و20 متجرا.
وقالت أدرين ثداني مؤسسة المشروع ان "فريش أند لوكال" يستعان بها لإقامة مزرعتين أو ثلاث مزارع جديدة في المدن كل ستة أشهر.
وتقول الأمم المتحدة إنه يمكن لكل متر مربع أن ينتج 20 كيلوغراما من الغذاء كل عام. ولا تقدم كثير من الجماعات المهتمة بالزراعة في المدن مثل هذه الأرقام لإنتاجها لأن عائد الزراعة يتباين تباينا كبيرا حسب الموقع وجودة البذور.
وتظل الزراعة في المدن محدودة النطاق لأسباب منها أن إنشاء مزرعة متوسطة المساحة يستلزم وقتا ومالا. وقد دفع ارتفاع أسعار العقارات في لندن درينغ إلى موقع تحت الارض سيتكلف إعداده ثلاثة ملايين جنيه إسترليني (4.7 مليون دولار) باستخدام أموال جمعها من خلال أسلوب التمويل الجماعي عبر موقع (كراودكيوب). وأحيانا تتدخل الحكومات لتقديم المساعدة. فبعض الولايات الهندية تقدم الأدوات اللازمة للزراعة بأسعار مدعمة. كما قال لو الخبير في جامعة نوتنجهام إن الحكومة الصينية شاركت في تمويل مزرعة من ثلاثة أدوار في بكين.