دير أبو ضعيف... بلدة وحيدة في وجه الرياح والصقيع!
1200 دفيئة لـ800 أسرة
الدفيئات الزراعية في قرية دير أبو ضعيف قبل العاصفة الجوية التي ضربت المنطقة في شهر كانون ثاني الماضي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أخذ المزارع الأربعيني إياد عليات يقلب كفيه، وهو يحصي خسائره بفعل العاصفة الجوية الأخيرة، التي ضربت فلسطين في بدايات كانون الثاني الماضي. يقول: مزّقت الرياح الدفيئة الزراعية، وجاء الصقيع ليكمل على البقية، وفي الصباح التالي لهدوء العاصفة، فقدت معظم الأمل في الموسم.
يتابع: تُكلّف إعادة تغطية البيت البلاستيكي الواحد نحو 4400 شيقل، وندفع 35 ألف شيقل طوال الموسم، ثمناً للأشتال والمبيدات والأسمدة، والمحزن أننا خسرنا كل شيء تقريبًا.
وتعد بلدة دير أبو ضعيف، شرق جنين، واحدة من أكثر التجمعات الزراعية التي تتربع على قائمة المناطق التي تضم نحو 1200 دونماً من البيوت البلاستيكية، وهي ظاهرة بدأت بالانتشار في أعقاب اندلاع انتفاضة عام 2000، وإغلاق سوق العمل داخل الخط الأخضر، وانتشار عدد من آبار المياه، في المنطقة التي تقع في بدايات رأس مرج ابن عامر الخصب.
قلق
ووضع عليات، الذي يعتاش هو وأطفاله الخمسة وزوجته من دفيئته، يده على قلبه حين سمع بقدوم منخفض جوي من أصل قطبي، لكنه لم يستطع إنقاذ محصول البندورة الذي غرسه في الصيف الفائت، وكان يأمل أن يستمر في قطافه حتى حزيران المقبل. واكتفى برشه بمستحضر لمقاومة اللفحة.
يلخص: الجميع تضرر تقريبًا، والمشكلة الأكبر أن قطاع الزراعة لا يحظى بدعم حكومي، ولا إعانات، في وقت ترتفع فيه أسعار الأسمدة والمبيدات الكيماوية والبذور، ومستلزمات الدفيئات الأخرى، بينما يُباع معظم المنتوج بأسعار زهيدة.
فيما يفيد الشاب بكر محمد، الاب لطفلين، أن دفيئته تضررت بنحو 90%، وهذا يعني أنه لن يجد عملاً حتى بدايات الربيع، فيما سيكون عليه تسديد الكثير من الفواتير والديون السابقة.
العاصفة الجوية والصقيع دمرا الدفيئات الزراعية والمحصول في قرية دير أبو ضعيف
مقاومة
في مكان ثانٍ من البلدة المصابة، ينهمك "الديراويون" في ترميم بيوتهم البلاستيكية، مع بدايات أول هدنة للمنخفض الثلجي، الذي روجت له بعض المواقع الإعلامية عبر أسماء عديدة تراوحت بين "هدى" و"زينة" و"عيبال". يقول المزارع الخمسيني أسعد هاشم محاميد: مع هبة ريح شديدة واحدة تتطاير أحلامنا، وهذا يعني دفع أكثر من أربعة آلاف شيقل لترميم كل دفيئة، وخسارة أكثر من نصف الموسم في أول جولة صقيع.
وعبثاً حاول محاميد وأبناؤه حماية مصدر رزقهم بإشعال الحطب والإطارات المطاطية والبلاستيك التالف (وهي وسائل لها أضرار بيئية جسيمة)، في وقت متأخر من الليل وحتى الفجر، إلا أن الصقيع أصاب القسم الأكبر من بيتهم البلاستيكي.
يقول: بعضنا اختار ري الدفيئات، وآخرون أشعلوا النار، لكنها فقط تأتي لبراءة الذمة وراحة الضمير، فالغريق يتعلق بقشة. ففي الصباح التالي، استفقنا على يوم أسود، وبدأ كل مزارع في البلدة بلملمة خسائره، وضرب أخماس بأسداس لما سيترتب عليه الصقيع.
دفيئات دير أبو ضعيف قبل العاصفة
دمار شامل
ويؤكد المزارع ماهر عليات، أن ما حصل في مزرعته في بدايات هذا العام يشبه الدمار الشامل، ولم تنفع النيران والحطب في منعه، وفي كل ضربة تصيبنا نبدأ بحساب ما يعنيه ذلك من ديون إضافية ستحل على رؤوسنا، وكيف سنوفر مستلزمات الحياة ومتطلباتها، حتى نسترد موسمنا.
وبحسب عليات، فإن الدفيئات في بلدته بدأت تنتشر منذ عام 2000، حين توقف هو والعشرات من المواطنين عن العمل داخل الخط الأخضر، وتوفرت مصادر للمياه، وصارت اليوم تميز دير أبو ضعيف.
يسرد المهندس الزراعي محمد العمري: في دير أبو ضعيف هناك قرابة 1200 دونما مزروعة بالدفيئات، تضررت بين 20 و 70 %في أول جولة صقيع.
يقول: لم تنجح محاولات حماية المزروعات بوسائل بدائية، وهذا قد ينجح في حالات تصل فيها درجات الحرارة إلى درجتين تحت الصفر، لكن حين تقل الحرارة إلى 8 درجات دون الصفر، فإن الأمر مستحيل بالوسائل ذاتها، وهذا يحتاج إلى إجراءات مكلفة كتسخين جو الدفيئات ببخار الماء، من خلال الوقود، وهو أمر مكلف يصل إلى نحو 1500 شيقل بالليلة الواحدة.
دمار الدفيئات الزراعية في دير أبو ضعيف بسبب العاصفة اللجوية في كانون ثاني الماضي
ثمن باهظ
يكمل العمري: يُكلف الدونم الواحد من الدفيئات نحو 12 ألف شيقل حتى يبدأ بالإنتاج، ويعطي نحو 2200 صندوق بندورة، وهذا يعني نحو 70 ألف شيقل مبيعات، وبعد طرح التكلفة يبقى للمزارع 55 ألف شيقل طوال الموسم، الذي يمتد على 11 شهرًا.
يكمل: تعتمد نحو 800 أسرة على الزراعة، بمعدل 6000 مواطن، وهذا هو عدد الذين يتضررون بالتقلبات الجوية الحادة، ولا تجدي تعويضات وزارة الزراعة، فالأمر يحتاج لتدخل كتأسيس بنك لإقراض المزارعين بفوائد صفرية وبسنوات سداد طويلة الأمد، وإعانات حكومية لحماية هذا القطاع.
يؤكد أحمد السوقي، تاجر المستلزمات الزراعية، أن موجات الصقيع تعني تراكم المزيد من الديون على المزارعين، فغالبية الفلاحين في البلدة يشترون ويسجلون على الحساب لحين الموسم، وكل واحد من المزارعين الـ 800 عليه نحو 6 آلاف شيقل متأخرات، بقيمة 5 ملايين شيقل تقريبًا.
ويقول السوقي إن دورة الديون لا تتوقف وتتضخم عاما بعد عام، في ظل مستلزمات باهظة التكاليف ومنتوجات زراعية رخيصة في معظم الموسم.
ويؤكد الشاب علي حسين ياسين، الذي يملك بئر ماء: في ليالي الصقيع عملت طوال الليل لتزويد المزارعين بالمياه لري دفيئاتهم، ولكن دون جدوى، فقد كانت الموجة عنيفة.
ويقول: تصل تكلفة ري الدفيئة الواحدة ( للدونم) طوال العام قرابة 5 آلاف شيقل، ومعظم المزارعين تتراكم عليهم مبالغ متفاوتة، وقطاعنا ضعيف ويتعرض للعديد من الضربات.
aabdkh@yahoo.com