خاص بآفاق البيئة والتنمية
أعادت العاصفة الثلجية مطلع كانون الثاني الفارق، ذاكرة "الثلجة الكبرى" التي ضربت فلسطين في شباط عام 1950، وعمت المدن كلها.
يقول المربي المتقاعد فالح محمود مساعيد، الذي كان في السادسة، ويقيم مع عائلته في خربة يرزا القريبة من طوباس: شاهدنا الثلوج على جبل جادر، وأغلقت الطرقات، وتغطت أشجار الخروب والسريس ونباتات البلان الشوكية بطبقة كبيرة من الثلج، وخرجنا للعب بالزائر الأبيض، ولم تذب الثلوج إلا بعد يومين، كما أكد لي والدي لاحقًا.
وكان مساعيد يشاهد سلسلة جبال عجلون الأردنية ترتدي حلة بيضاء، دامت لوقت ليس بالقصير، فيما شاهد جبال الشيخ بوضوح هو ورفاقه. ومما يستقر في ذاكرته، كيف داهم البرد بيوت الشعر، وواجه المواطنون الثلج بإشعال النار.
يروي: حين انتقلتُ للدراسة في لبنان بعد النكسة، كنت أشاهد معظم السنوات الثلوج تغطي المرتفعات العالية كجبل صنين وسلسلة الجبال الغربية الشاهقة، ووقتها أعود إلى طوباس وأتذكر ثلجة شباط عام 1950.
الثلوج في حلب عام 1911
ثلوج
ووفق الرواي، فإنه يربط الثلوج، التي تكررت عام 1992، بزيارة الملك الأردني عبد الله الأول لطوباس عام 1950، وما رافقها من تحضيرات وخيالة، حين رحب به سكرتير البلدية محمد إبراهيم مبسلط (أبو العفيف) بعبارة مشهورة " لقد حل اليوم علينا سعدان، سعد بقدوم جلالتك، وسعد بسقوط الأمطار بعد عام من المحل".
يقول مساعيد: كنت صغيراً، ورفعنا الكبار على أكتافهم لأشاهد الملك الضيف، ورأيت طعاماً كثيراً وحلوى، لكنهم لم يسمحوا لي بمشاركتهم تناوله.
ويضيف: سمعنا من الكبار، ما حدث من انهيارات في جبل رأس الجسر بطوباس، أعقبت تساقط الثلوج، وأدت لضحايا. لكن الخسائر في المزروعات لم تكن كبيرة، واقتصرت على حقول البطاطا التي كان يزرعها والدي والفلاحون، ولم تكن هناك دفيئات بلاستيكية بالمرة، وكان على الخط باص يتيم وشاحنات قليلة جداً.
يتابع: في سنوات لاحقة وسابقة، صارت تتراجع الأمطار في بلادنا، فتقل أو تنخفض عن معدلاتها، وتتكرر أحيانًا حكاية شتاء عام 2014 الغريب، إذ سقطت الثلوج في الخريف، وانحبست الأمطار أكثر من سبعين يومًا.
وتسرد الثمانينية آمنة يوسف شاهين أبو هنية مقاطع من الرحيل عن قرية شحمة جنوب فلسطين : يذكرني الشتاء القوي بالطريقة التي فرت فيها عائلة وأهالي شحمة نحو خربة (مغلس)، ثم إلى بيت جبرين، فعجور، ثم وصلنا بني نعيم ( بمحافظة الخليل)، وسكنا فترة في المغر، وأثلجت الدنيا علينا وكسرت الزيتون من قوته، وكان جارنا شاكر عوض محاصراً في المغارة، وصار يطلق النار بالمسدس ليفتح الطريق بالثلج. تضيف: في سنوات لاحقة عشنا سنوات محل، وسنوات بالكاد أنبتت العشب، وغرقنا في بعضها، وذقنا الثلج أيضًا، وحرقتنا الشمس في المربعانية.
حيفا- شتاء 1921
تنوّع
وبحسب المركز الوطني للمعلومات، تتميز فلسطين بتنوع أقاليمها المناخية رغم صغر مساحتها، فهي تتبع لإقليم البحر المتوسط المعتدل، وبها المناخ المداري والصحراوي وشبه الصحراوي. ولوقوعها شرق البحر المتوسط تنوع مناخها، الذي تؤثر فيه الرياح الغربية المرافقة للمنخفضات الجوية خاصة في المناطق الشمالية من فلسطين.
وتقول مصادر جغرافيا فلسطين التاريخية: يعدّ مناخ فلسطين معتدلاً، ولكن يوجد اختلاف واضح في مناخها بين جنوبها وشمالها وبين السهول الساحلية والأغوار. ونتيجة لوقوعها بعيداً عن مناطق تمركز المنخفضات الجوية حول جزيرة قبرص، تكونت صحراء النقب والتي تتناقص فيها كميات الأمطار إلى حوالي 50 ميليمترًا في السنة، والمناطق الواقعة في ظل الأمطار على السفوح الشرقية، وإقليم حفرة الانهدام هي مناطق صحراوية قليلة الأمطار.
كما تختلف عناصر المناخ الأخرى من منطقة إلى منطقة نتيجة عوامل متعددة .تؤثر عوامل جغرافية مختلفة في مناخها كالموقع والتضاريس والبحر المتوسط. وتؤثر التضاريس في تباين كميات الأمطار حيث تقل في مدينة بئر السبع ( 250 ميليمترا )، بينما تزداد لتصل إلى (600 ميليمترا) في الخليل التي تقع في المرتفعات الجبلية إلى الشرق من المدينة.
وتضيف: تتأثر فلسطين بنظم الضغط الجوي الموجودة في إقليم البحر المتوسط، كمراكز الضغط الجوي المرتفع (الآزوري والسيبيري والأخدود الأوروبي) . كما تؤثر فيها جبهة البحر المتوسط ومنخفض البحر الأحمر والمنخفض الآسيوي، مجتمعة تؤثر في مناخ فلسطين بشكل مباشر وغير مباشر.